تعجز الكلمات عن إدانة الموت المأساوي للشبان الإسرائيليين الثلاثة نفتالي وجلعاد وإيال الذين أصبحوا “أحدث” ضحايا الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المزمن والدموي. واختطاف أي شخص آخر، اكان ذلك لغرض ابتزاز فدية أو لغرض تبادل أسرى، يجب الوقوف ضده بشدة وإدانته بأعنف العبارات. وتنفيذ حكم الإعدام بسرعة بالشبان الثلاثة الأبرياء المُختطفين هو على أية حال عمل وحشي ويتجاوز أبشع الجرائم التي من الممكن لإنسان أن يقترفها بحق الآخر.
يجب أن تخدم الآن جرائم القتل هذه التي يتعذر فهمها العكس تماماً مما كان يريده أو يخطط له المجرمون. فإذا كان هؤلاء يريدون إنزال الألم الشديد والمعاناة القاسية لكلّ الإسرائيليين، وبالأخصّ لعائلات الضحايا، فقد نجحوا في ذلك، ولكنهم فشلوا أيضا ً فشلا ً ذريعا ً لأنهم أخّروا أمل التوصل لحلّ الصراع الدامي والأليم الذي سيعاني منه بشكلٍ مروّع الكثير من الفلسطينيين شبّانا ً و “شيّاب”.
يجب ألاّ تذهب أرواح هؤلاء الشبّان الشجعان – الذين أُنهيت حياتهم بدون رحمة – سدىً، بل يجب أن تكون هذه الأرواح العامل المُحفّز للسّلام وليس السبب الذي يطيل أمد هذا الصّراع الطويل الذي سيسمّم فقط جيلاً آخر من الإسرائيليين والفلسطينيين
لقد وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اللوم على حماس لهذه الجرائم المروّعة دون أن يقدّم حتّى الآن أي دليل ٍ دامغ. ولكن مجرّد قيام زعامة حماس بالإشادة بعمليّات الإختطاف ثمّ التغاضي بعد ذلك عن جريمة القتل بالدّم البارد يوحي بشدّة بأن قيادة حماس عاجزة عن تغيير طبيعتها.
لقد دافعت بعد تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينيّة مباشرةً عن ضرورة أن تعطي الحكومة الإسرائيليّة حماس فرصةً لتبرهن عن التزامها أخيراً، ولو بطريقةٍ غير مباشرة، بتسوية سلميّة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولكن يتّضح الآن – بما يؤسفني ويكدّر صفوي – بأن انضمام حماس لحكومة الوفاق لم تكن غايته سوى تقوية قاعدتها في الضفّة الغربيّة والإستفادة اقتصاديّا ً من الإندماج .
وبالرغم من ذلك، فأنا مقتنع بأن قيادة حماس لا تمثّل الأغلبيّة الساحقة من الفلسطينيين في قطاع غزّة الذين هم في الواقع أسرى هؤلاء القادة غلاظ القلب وقد ضاق رعاياهم ذرعا ً بوضعهم الراهن المحفوف بالمخاطر والذي يبدو أنّ لا نهاية له.
وبالرّغم أيضا ً من أنّ قادة حماس يستنكرون ملامتهم عن جرائم القتل المروّعة، وحتّى لو ثبت ادعاؤهم بأنّه صحيح، فقد خسرت حماس كلّ فرصة لتحرير نفسها، هذا في حين أنها تُخضع الفلسطينيين في قطاع غزّة لمزيد من المعاناة والقنوط.
وفي الأثناء، فقد قوّضت قيادة حماس وبشدّة مساعي رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس الذي يسعى بصدق لاتفاقيّة سلام يتمّ التفاوض حولها لإنهاء صراع ٍ موهن دام سبعة عقود من الزّمن حتّى الآن
وأولئك المتواجدون داخل وخارج الحكومة الإسرائيليّة الذين يطالبون بانتقام ٍ قاس ٍ لمعاقبة الفلسطينيين بدون تمييز، بما فيهم وزير الإقتصاد نفتالي بينيت ووزير الدفاع موشي يعالون، قد ضلّوا سبيلهم في مطالبتهم بالإنتقام والعقاب. هؤلاء يفتقرون بوضوح للتبصّر وبعد النّظر لأنّ ليس لديهم على ما يبدو فكرة إلى أين سيؤول هذا التصاعد في العنف. فاعتقال ومعاقبة الجناة وشركاؤهم شيء مشروع، ولكن تدمير فرصة التوصّل لاتفاقيّة سلام يضرّ بالإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء . فالمتعنّتون المتشدّدون من الإسرائيليين والفلسطينيين يمهّدون الطريق فقط لمزيدٍ من المآسي على كلا الجانبين، وهذا ما أدّى للأسف لموت ستّة شبّان فلسطينيين على الأقلّ.
حكومة نتنياهو منقسمة بوضوح على نفسها حول نطاق التدابير الإنتقاميّة وهدفها النهائي. والتفكير على ما يبدو في مثل هذا الجوّ المحزن والمشحون عاطفيّا ً لا يترك غالبا ً سوى القليل من المجال للتعقّل والتبصّر. وبالرغم من ذلك، فما زال هناك في الحكومة الإسرائيليّة رجالاً ونساء يتمتّعون بالحكمة والتبصّرأمثال وزير الماليّة يئير لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني الذين ينصحون لأسبابٍ وجيهة بضبط النّفس. هؤلاء، كالعديد من الإسرائيليين، يعلمون بأنه لا مفرّ من واقع التعايش الإسرائيلي – الفلسطيني بشكلٍ أو بآخر. وأي إجراء أو ردّ فعل يُتّخذ اليوم سيكون له تأثير دائم، فإمّا أن يلحق ضررا ً شديدا ً بالعلاقات الثنائيّة أو يكون مفيدا ً جدّا ً لها.
والرّبح في النهائية هو لأولئك الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يتشاركون في رؤية التعايش السلمي بين الشعبين ويظلّون مركّزين على الصورة الأكبر، هذا بصرف النّظر عن مأساويّة الأوضاع الراهنة.
وكلّ أزمة، بصرف النّظر عن حجمها أو أبعادها، تعرض فرصة ً لاختراق ٍ جديد. ومناشدة الولايات المتحدة لضبط النفس في الوقت الذي تؤاسي فيه الإسرائيليين وتشركهم أحزانهم هي بالتأكيد الخطوة الأولى في الإتجاه الصّحيح. ولكن المطلوب فعل المزيد من طرف الولايات المتحدة لمنع تداعيات موجة واسعة وخطيرة من العنف.
وبالنظر لموجة الثورات والإضطرابات التي تجتاح المنطقة والخطر الذي تواجهه كلّ دولة فيها فإن اندلاع حرب أخرى إسرائيليّة – فلسطينيّة سيكون فقط لصالح الجهاديين، وبالأخصّ قوات الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريا (داعش) التي قد تستغلّ أيّة ثغرة لتعزيز أجندتها التي تشكّل خطرا ً مباشرا ً على إسرائيل والأردنّ والفلسطينيين.
على الرئيس أوباما أن يعمل كلّ ما بوسعه لتهدئة الوضع بإرساله أوّلا ً بشكل ٍ فوريّ وزير الخارجيّة جون كيري إلى المنطقة ومناشدة الحكومة الإسرائيليّة والسلطة الفلسطينيّة بشكل ٍ شخصي للقيام بكلّ ما بوسعهما للحفاظ على التعاون الأمني بينهما. ويجب على الرئيس الأمريكي أيضاً حثّ الطرفين على مزيدٍ من التعاون بينهما وتحدّي أولئك المصمّمين على تدمير الآمال والفرصة الأخيرة للمفاوضات السلميّة الآن أو في المستقبل القريب.
أجل، يحتاج الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بشكلٍ خاصّ كلّ الدعم والمساعدة التي يستطيع الحصول عليها للحفاظ على موقفه ولكي يبقى صوت العقلانيّة، ولا يوجد زعيم آخر سوى رئيس الولايات المتحدة يستطيع أن يمدّ للرئيس محمود عبّاس أيادي العون والمساعدة التي هو بحاجةٍ ماسّة لها الآن. وعلى الرئيس الأمريكي أيضا ً أن يدعو كلا الزعيمين، نتنياهو وعبّاس، إلى البيت الأبيض ويذكّرهما بمخاطر عدم تحقيق السّلام، ويطلب منهما أن يؤكّدا مرّة أخرى وبشكل ٍ علني على التزامهما باستئناف المفاوضات بشكل ٍ جدّي.
ما يحتاجه الشعبان، الإسرائيلي والفلسطيني، هو أن يشاهدا القائدين يعملان يداً بيد نحو هذا الهدف وأن يدركا بأن الأحداث المأساويّة لم تقوّي سوى عزيمتهما.
ليس من الضروري أن يموت أي طفل إسرائيلي أو فلسطيني في صراع ٍ كان من الممكن حلّه قبل عقود. هؤلاء الأطفال يستحقّون الحياة ولهم الحقّ أن يعيشوا بسلامٍ وفي مستقبلٍ واعد. والخسارة الفادحة لحياة نفتالي وجلعاد وإيال يجب ألاّ تذهب سدىً، فلتكن تضحيتهما العامل المحفّز للسّلام.