كتب مشاري الذايدي في الشرق الأوسط:
شاهدت أخيرا الفيلم المخصص لحياة الزعيمة البريطانية المحافظة مارغريت ثاتشر، جسدت فيه الأوسكارية العظيمة ميريل ستريب دورها.
الفيلم لم يتناول حياة تلك المرأة الصلبة بتدرج قصصي، بل اعتمد الانطلاق من لحظة أفول «ماغي» بعد عوارض ألزهايمر التي ضربت ذلك العقل الحاد والعزيمة الحديدية، لكن لم يمنع هذا من استعادات للحياة السياسية الصاخبة لثاتشر، في لحظات تذكرها بين نوبات ألزهايمر. ومن ذلك معاركها ضد نقابات العمال، وإضراب عمال الفحم، وإصرارها على إنعاش الاقتصاد البريطاني رغم أنف النقابات اليسارية، رغم ذعر أركان حكومتها وحزبها، ثم إصرارها على خوض حرب جزر الفوكلاند مع الأرجنتين. وهي في غالبها كانت قرارات غير شعبية، وفي جملة كاشفة قالت هذه الزعيمة الحديدية منتقدة الساسة الذين يركزون على البعد الشعبوي لخطواتهم، إنه ليس كل القرارات الصحيحة يجب أن تكون مرغوبة شعبيا، فأنت تأخذ قرارات صحيحة ومفيدة للأمة ولكنها غير محبذة للناس، ولكنهم بعد فترة من الوقت، ربما بعد جيل أو جيلين، ستكون قراراتك غير الشعبية هذه هي سبب حب الناس لك، وربما تقديسهم لما قمت به، وهذا هو الفرق بين السياسي صاحب الرؤية والعزيمة، وبين السياسي الانتهازي أو فاقد الرؤية، أو واهن العزيمة.
خطرت ببالي هذه الجملة من الفيلم وأنا أقرأ تصريحات السيناتور الأميركي الجمهوري، جون ماكين، مع زميله ليندسي غراهام، المنتقدة بحدة للرئيس الأميركي، باراك أوباما، وطريقة إدارته للملف العراقي، على وقع المعارك الدائرة في الفلوجة، وأشارا إلى أن البيت الأبيض يتحمل مسؤولية الفراغ الأمني الذي سهل دخول «القاعدة» بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011. ماكين وغراهام طالبا في بيانهما المشترك الإدارة الأميركية بتغيير سياساتها حيال الشرق الأوسط، وقالا إن أميركا خسرت الكثير خلال الأعوام الخمسة الماضية.
الفرق بين قائد وقائد يكمن بالضبط في القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة وغير الشعبية، والقدرة على مواجهة الانتقادات وموجات الغضب والشتم، بل وحتى العرق والدموع والدماء، كما وعد ذات مرة تشرشل. تحمل يوم صعب في السياسة أقل كلفة من سنوات من الضياع.
ما فعلته إدارة أوباما في سوريا ومصر والعراق وإيران، بسبب التردد، والخوف من الحرب ومواجهة الإرهاب، هو بالضبط ما تسبب بهذه الفوضى العارمة من الحرب والخوف والإرهاب.
سيكتب التاريخ لاحقا أن شخصا اسمه باراك أوباما هو أكثر قائد سياسي تسبب بهذه الفوضى والكوارث في منطقة الشرق الأوسط. ليس حسن نصر الله ولا خامنئي ولا المالكي ولا بوتين ولا «داعش» ولا ماعش.. هو باراك بن حسين أوباما.