يقال أن إحدى النساء العجائز بكت بشدة عند وفاة «حاكم دكتاتوري»، وعند سؤالها عن السبب؛ قالت: «يا ويلنا ستأتينا الحرية!».
هذه المرأة لا تستوعب معنى الحرية ولا تفهم معناها، بل سمعت أن هذه الكلمة شئ مشين، وروج لهذا الوصف أعداء الحرية من جهل بمعناها، أو كره لما تفضي إليه .
بالمقياس نفسه يطلق المتشددون أو المتطرفون على كل إصلاحي أو مستنير أو تحديثي وصف «ليبرالي»، وهم بزعمهم هذا أنهم ينتقدونه .
إذ إن مفهوم الليبرالية لديهم مرتبط بالتجديف نحو الكفر أو الانحلال، أو ما يعني شيئاً غير أخلاقي. وهذا أيضاً فهم قاصر لليبرالية التي تعني باختصار: «احترام رأي الآخر مهما كان الخلاف الفكري أو العقدي، بما لا يضر الآخرين أو ينتهك كرامتهم».
السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ لماذا يكره المتطرفون نموذج الحرية، أو التوجه الليبرالي؟
تفسيري البسيط هو أن المصطلح لا يتناسب والآيديولوجية المتشددة، فالاصطدام بينهما سيحدث فوراً، فرجل الدين عادة لا يقبل رأياً مخالفاً، ولا حرية اختيار الدين، أو نمط حياة مختلف .
الإسلاميون عموماً لا يفهمون معنى الليبرالية أو الحرية أو العلمانية، وحتى من يفهمها من القلة منهم (معظمهم من دول عربية أو إسلامية خارج منطقة الخليج) يمقتها قطعاً؛ لأن العلمانية تفصل بين الدين والدولة.
بعض الإسلاميين يزعمون أن العلمانية شر خالص ، وهو تفسير ساذج، فعلمانية الشخص لا تنفي إيمانه كالطيب أردوغان والمنصف المرزوقي، وإسلام الشخص لا ينفي دكتاتوريته كالبشير ومبارك وضياء الحق سابقاً.
من دون ريب، مفاهيم الحرية والليبرالية والديموقراطية والعلمانية، تعبِّر عن الإيجابية؛ لأنها ضد التطرف، والاحتجاج الذي تسوقه الحركات المتطرفة ضدهم بتهم كثيرة لا يعني إلا عدم فهم، فمثلاً يقول المنتقدون: «إن العلمانية في الجزائر رفضت الإسلام»، وهذا تعبير خاطئ، فالعسكر هم من رفضوا النتائج، وليس للعلمانية ذنب. والأمر نفسه حدث في انتخابات إيران الماضية، عندما عُرقل الإصلاحيون.
قد يتساءل الإسلامي، ولماذا هذا الخوف؟ لماذا لا تترك الأحزاب الإسلامية ترشح نفسها، وإن نجحت تصل إلى السلطة، والحكم بعدها للشعوب تقومهم؟ أعتقد أن جوابي لن يرضي كثيرين منهم من ناحية أن برنامج الأحزاب الإسلامية ليس علمانياً صرفاً، وهذه مشكلة كبيرة، وخصوصاً في الدول التي لديها مواطنون غير مسلمين، أو تلك التي دساتيرها أقرب للعلمانية، ومن جهة ثانية، علَّمنا التاريخ أن الأحزاب الإسلامية التي حكمت أثبتت فشلها الذريع، مثل السودان وباكستان ، والمفارقة أن هذين البلدين تحديداً تولى الإسلاميون فيهما السلطة بعد الانقلاب على أحزاب منتخبة في بلديهما، وهو ما يعني صراحة عدم إيمانهم بالديموقراطية، ورسالة أخرى تقول إن وصولهم يعني بقاءهم في الحكم قسراً، أي أن الهدف تكتيكياً.
أتمنى ألا يردَّ أحد بما حدث في معظم دول الربيع العربي، من حيث أن الرؤساء الذين ثارت عليهم شعوبهم أنهم علمانيون، لسبب بسيط جداً هو أن العلماني قد يكون مسلماً أو شيوعياً أو قومياً أو ملحداً أو يهودياً أو مسيحياً أو سيخياً أو هندوسياً أو بوذياً، كما قد يكون دكتاتورياً – كما أشرنا سابقاً – لكن الأهم من هذا وذاك أن يكون الدستور علمانياً، والبرلمان منتخباً، ومجتمعات المؤسسات المجتمعية المدنية فاعلة وراسخة، عندها لا يستطيع هذا الرئيس أو ذاك خرق الدستور مهما كانت طموحاته أو أهدافه أو أفكاره.
مختصر الكلام، الديموقراطية أو الليبرالية أو الحرية التي يخشاها بعضنا هي في «الصالح العام»، مهما كان معارضوها . ولعل من عاش في الغرب من المسلمين عرف أن حريته الدينية مصانة هناك أكثر بكثير من بلدانهم الأصلية ذات الغالبية الإسلامية، فهي إن لم تنفع لا تضر، لكن الآيدولوجيات، وبالذات التي لا تؤمن بدستور عادل، بل بما هي تؤمن به فقط، تشكل خطورةً على المجتمعات والإنسان، بما يتجاوز تأثير التدخين على صحة الجسم فاجتنبوها تصحّوا !