كتب سركيس نعوم في النهار اللبنانية:
كان الرئيس بشار الأسد أمام خيارين عندما بدأ “الربيع السوري”. الأول التجاوب مع التظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح حرصاً على استمرار النظام وإن معدّلاً، وعلى عدم إغضاب دول عربية وإسلامية شقيقة وصديقة ودول كبرى. وكلها كانت تثمِّن عالياً الإستقرار الأمني الذي عاشته سوريا على مدى عقود، وتفضّل استمراره على حلول الفوضى السياسية والأمنية مكانه. والثاني رفض التجاوب معها والاكتفاء بتغييرات شكلية لا توفر للمواطنين السوريين الأمان الفعلي والحرية واجتثاث الفساد.
وقد دلّت التطورات التي شهدتها سوريا منذ بزوغ “ربيعها” أن رئيسها اعتمد الخيار الثاني. وحجَّته في ذلك كانت أن التغيير لا بد من أن يُنهي النظام، وخصوصاً إذا كان مُلبّياً لتطلعات غالبية الشعب السوري. طبعاً كان الأسد يدرك في ذلك الوقت أن إخراج مواطنيه من الشوارع ضروري لسلامة النظام. وكان يدرك أيضاً أنهم لن يعودوا طوعاً إلى منازلهم إلا بعد الحصول على ما يرضيهم، وذلك لم يكن وارداً عنده. فقرر إفراغ الشوارع منهم بالقوة العسكرية. وهو كان يعرف، ورغم كل الحملات الدعائية، أن جيشه كان يعيش حال استرخاء جراء سنوات “البطالة” في لبنان، وجراء توقف العمليات العسكرية مع إسرائيل منذ فك الارتباط معها عام 1974، وجراء تنامي نفوذ الأجهزة الأمنية المتنوعة، وكان ذلك على حساب الجيش، كما كان أحد أسباب الفساد الذي عمّ سوريا. وكان يعرف أيضاً إن استمرار حال الاسترخاء المشار اليها سيكون مؤذياً لنظامه مستقبلاً، وخصوصاً بعدما بدأ “الربيع العربي” بطلائعه الإسلامية المعروفة والمقلقة. واعتبر أن زج العسكر في حرب داخلية سيكوِّن جيشاً جديداً وحديثاً وقوياً ومجرًّباً وصاحب خبرة قوية في القتال، وإن تسبب ذلك بمقتل الآلاف من جنوده وضباطه في المعارك وسيعيد إحياء نظام كاد أن يصبح “رميماً”، أو على الأقل سيكون قادراً على إقامة مربَّع جغرافي له واسع يعيش فيه “أبناء قومه” وآخرون، وقادراً في الوقت نفسه على حمايته.
ومن أجل تأمين فرص النجاح للخيار الذي اعتمده، قرر الرئيس بشار الأسد تغيير طبيعة الصراع في سوريا. فبدلاً من أن يكون بين غالبية شعبية تطالب بالإصلاح سلماً ونظام قامع لها بواسطة جيشه وأجهزته، يصبح حرباً مذهبية بين الغالبية السنّية والأقلية العلوية التي يمثّلها النظام تتدخَّل فيها تيارات إسلامية جهادية تكفيرية تُمارِس الإرهاب. وبذلك يكسب أو ربما يكسب تعاطف المجتمع الدولي معه، هو الذي يعاني من هذا الإرهاب من زمان ويعتبره خطراً أول عليه. طبعاً كان يُقدَّر للصراع المذكور أن تتغير طبيعته مع الوقت بحكم الأمر الواقع، لكن النظام استعجل التغيير بوسائل عدة معروفة، وأثار ذلك قلق العالم أولاً من استهداف الأقليات في سوريا (علويين ومسيحيين ودروز)، وثانياً من تحوُّل لبنان جار سوريا ساحة حرب أهلية ومذهبية يتقاتل فيها الإسلاميون المتشدِّدون من سنّة وشيعة. وفي ذلك خطر كبير عليه وعلى سوريا وعلى إسرائيل وفي الوقت نفسه على المنطقة التي تتفجر دولها تدريجاً.
هل يتبع نجاحُ الأسد في تغيير طبيعة الصراع في بلاده نجاحاً آخر في إقناع العالم بأن بقاءه ونظامه ضروري لبلاده وللبنان وللمنطقة، وضروري للعالم في مكافحته للإرهاب؟
مؤيدو النظام السوري من اللبنانيين يبدون واثقين من ذلك، وخصوصاً بعد النجاحات الميدانية الجزئية على أهميتها التي يحققها جيشه منذ معركة القصير قبل أشهر حتى معركة القلمون الدائرة حالياً. وقد اعتبروا ما نشرته صحف أجنبية قبل أيام عن عودة جيش سوريا إلى شمال لبنان وتحديداً طرابلس بموافقة أميركية، وعن درس أميركا إرسال طائرات من دون طيار لضرب قوافل “الإرهابيين” الإسلاميين وتجمعاتهم في سوريا وربما خارجها، اعتبروا ذلك دليلاً على ازدياد فرص نجاح الأسد في العودة رقماً صعباً في سوريا وفي المنطقة. لكن المحايدين والموضوعيين يعتقدون أن في الثقة المذكورة أعلاه كثيراً من المبالغة. فالجيش السوري لن يستعيد السيطرة على سوريا كلها، وخصوصاً شمالاً وجنوباً لاعتبارات كثيرة غالبيتها اقليمية ودولية. وأميركا ومعها المجتمع الدولي لم تعد قادرة على قبول استمرار نظام قتل وتسبَّب بقتل أكثر من مئة ألف مواطن سوري، وبتدمير عدد كبير من مدنها وبلداتها والقرى. علماً أن قراراً نهائياً في هذا الشأن لا بد من أن ينتظر المفاوضات الدولية – الإيرانية. وعلماً أيضاً أن قراراً كهذا قد لا يكون “توحيدياً”.
sarkis.naoum@annahar.com.lb
انها الحرب على الكراسي وكل شيء يستخدم من كل المعنيين لكسبها وكل على طريقته وما يمكن ان يتاح له من وسائل وامكانات فما العجب في ان الأسد تعمَّد تغيير طبيعة الصراع
فما العجب في ان الأسد تعمَّد تغيير طبيعة الصراع
وكل على طريقته وما يمكن ان يتاح له من وسائل وامكانات فما العجب في ان الأسد تعمَّد تغيير طبيعة الصراع
هي الحرب فما العجب في ان الأسد تعمَّد تغيير طبيعة الصراع