عبد الستار اللاز – النهار اللبنانية

كاتب هذا الخطاب يعرف انه حالم ومصاب بسذاجة مفرطة، وانه ضعيف في مادة الجغرافيا السياسية، فاقتضى التنويه.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا خاتم النبيين ابي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الاخيار المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
نلتقي مجددا في ظرف دقيق وحساس تمر به البلاد لا يخفى عليكم مسبباته وحيثياته. وقد بلغ هذا الظرف الذي يعرف اللبنانيون جميعا مدى تعقيده وارتباطه بما تشهده البلاد من تنابذ وتناحر باشكال مختلفة منذ سنوات، وبالاحداث التي تغلي بها المنطقة المحيطة بنا وخصوصا الشقيقة سوريا، بلغ مبلغا شديد الخطورة لم يعد من الجائز السكوت عنه او الوقوف ازاءه موقف المتفرج.
ولقد شهدنا منذ ايام حادثا بغيضا تمثل في اعتداء عدد من الشبان الجهال على بعض رجال الدين من اخواننا في الطائفة السنية الكريمة. ولولا لطف الله ومسارعتنا مع جميع العقلاء من القيادات الاسلامية السنية والشيعية، وفي مقدمها سماحة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، والى جانبها القيادات السياسية والامنية، الى معالجة الأمر بالحكمة والروية والحزم، لكان الانفعال والغليان في بعض الاوساط اللذان تسبب بهما هذا الحادث قد تحولا الى بلاء عظيم حذرنا منه مرارا وحاولنا ونحاول بكل ما أوتينا تجنيب المسلمين خصوصا واللبنانيين عموما نتائجه.
ولست اذيع سرا اذا قلت ان لا احد منا، افرادا وقوى سياسية ومرجعيات دينية، قادر على الجزم بأن حادثا مكروها من هذا النوع لن يتكرر. وأقول لكم بصراحتي المعتادة اننا اذا كنا قد نجحنا هذه المرة في تجنب الأسوأ، فلا أحد يضمن الا تفلت الامور من ايدينا جميعا في المرة المقبلة لا سمح الله وننزلق الى ما حرمه الله ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، اي الى الفتنة التي هي أشد من القتل.
وليس بخاف على احد منا ان هذا الجو المحموم الذي يمكن ان يجعل من حوادث بغيضة من هذا النوع شرارة لهول عظيم، انما هو ناجم عن الاحتقان الكبير الذي تشهده البلاد منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل ثماني سنوات. واذا اردنا ان نسمي الاشياء بمسمياتها الحقيقية نقول انه بالدرجة الاولى احتقان سني-شيعي زادت في حدته الازمة التي تعصف منذ سنتين بسوريا الشقيقة والمواقف المتعارضة منها.
لست هنا في معرض تعداد اسباب هذا الاحتقان لأن ذلك لن يؤدي الا الى مزيد من الجدل الذي يزيد الامور سوءا على سوء، بل هو لن يغير في واقع الامور شيئا. فمواقفنا من كل الامور الخلافية معروفة ومواقف خصومنا السياسيين معروفة، ولا حاجة لنا في هذا الظرف الدقيق الى الخوض فيها بلا فائدة. انما انا هنا أصف واقع الحال انطلاقا من ايمان صادق ورغبة عميقة في ما يمكن ان نفعله لتخفيف هذا الاحتقان بل وازالته بما ينعكس علينا جميعا خيرا، ويعيد الى نفوس ابنائنا الامن والامان، والى حياتنا السياسية الانتظام، ويعود على مجتمعنا اللبناني بالاستقرار.
اننا نعرف تماما ان تحقيق هذا الهدف النبيل ليس بالامر السهل خصوصا في ظل ما يجري من حولنا، وفي ضوء الترسبات العميقة التي تركتها في النفوس خلافات السنوات الماضية. ونعرف ان الخروج من هذا الواقع المظلم يتطلب عقلا نيرا وفكرا خلاقا ونية حسنة وارادة صلبة وقدرة كبيرة على التسامح والتعالي على جراح الماضي البعيد والقريب، وقبل كل ذلك يتطلب رغبة جامعة في مد اليد للتعاون والتكاتف، أملا بالخروج بسلام من عين العاصفة التي تحيط بنا او بأقل الخسائر الممكنة.
لذلك وانطلاقا من ايماننا بالله سبحانه وتعالى الذي يقول في محكم التنزيل ((لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ))، وانطلاقا من تكليفنا الشرعي ومن واجبني الديني والاخلاقي والوطني، فقد اجتمعنا في قيادة حزب الله واتخذنا القرارات التالية:
اولا: اننا نكرر ما قلناه مرارا من اننا نرفع الغطاء عن اي مرتكب او مخالف للقانون ونسلم بمرجعية السلطات اللبنانية في فرض القانون في كل انحاء الجمهورية اللبنانية. ونعلن امام جمهورنا وامام جميع اللبنانيين ان مناطقنا التي يسميها خصومنا ظلما –وللاسف- البيئة الحاضنة لكل انواع المخالفات والارتكابات مفتوحة بالكامل واعتبارا من هذه اللحظة امام جميع القوى الرسمية من جيش وقوى أمن داخلي لتقوم بواجباتها وحدها في قمع كل المخالفات والشواذات وبالطرق القانونية التي تراها مناسبة. واننا ندعو قيادة قوى الامن الداخلي الى تعزيز المخافر الموجودة في هذه المناطق عدة وعديدا ونعلن عدم مسؤوليتنا عن أي اعاقة لها اثناء اداء واجبها من اي شخص او مجموعة.
ثانيا: نعلن من جانب واحد بيروت مدينة منزوعة السلاح ونرفع مسؤوليتنا عن اي شخص او مجموعة تحمل سلاحا في العاصمة او تستخدمه ضد اي مجموعة اهلية او ضد القوى الرسمية، وندعو القوى السياسية الاخرى الى ان تحذو حذونا في هذه الخطوة. كما ندعو ابناء المقاومة وجمهورها الى نزع كل الشعارات واللافتات وصور القادة والشهداء في جميع مناطق سكنهم في بيروت.
ثالثا: نعلن تمسكنا بموقفنا من المحكمة الدولية الناظرة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واعتراضنا عليها وتشكيكنا بالهدف من ورائها. ونعتبر ان اتهام اربعة من اخواننا في هذه الجريمة والمطالبة بتسليمهم للمحكمة انما هو استهداف للمقاومة انتقاما منها للانتصارات التي حققتها في وجه العدو الصهيوني ومحاولة لذر قرن الفتنة بين السنة والشيعة في لبنان. لكننا، ورغم قناعتنا ببراءة اخواننا والظلم الواقع عليهم، فقد قررنا ان نتدارس مع فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء في طريقة اخراج لهذه المسألة.
رابعا: انطلاقا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “وإنما اخاف على أمتي الائمة المضلين”، نتمنى على سماحة مفتي الجمهورية وعلى عقلاء الطائفة السنية الكريمة ان يعملوا على الحد من الكلام الحاد الذي يطلق من على بعض المنابر والذي ليس من شأنه سوى شحن النفوس وزيادة الضغائن. ونتمنى على مشايخ السنة الكرام، بما نعرفه عنهم من اعتدال ووسطية وحرص على وحدة المسلمين ومنعتهم، ان لا يألوا جهدا في ضبط الانفعالات ومنع الكلام المسيء الذي لا يؤدي الا الى الفتنة، وذلك التزاما بالحديث الشريف “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”.
خامسا: نؤكد موقفنا المعلن بأن ما تشهده سوريا من احداث مؤلمة ليس في حقيقته سوى مؤامرة كبرى على هذا البلد ونظامه الممانع، الذي قاوم الضغوط الدولية الهائلة ولعب دورا هائلا في دعم المقاومة الاسلامية وله علينا دين لن ننساه ابد الدهر. وعلى رغم ادراكنا للانقسام الكبير بين اللبنانيين حول ما يجري هناك، فاننا ومن منطلق حرصنا على تخفيف الاحتقان وصون لبنان من اي تبعات مباشرة للقتال في سوريا والحؤول دون ان يترجم الانقسام حول المسألة السورية الى عنف داخلي بين اللبنانيين، نعلن وقف كل عملياتنا العسكرية في الاراضي السورية وسحب كل وحدات المقاومة من هناك.
واننا اذ ندعو القوى السياسية الاخرى الى وقف تدخلها في الشأن السوري، والقوات المسلحة اللبنانية الى تحمل مسؤوليتها الكاملة في حماية الحدود وتحصينها، نعلن ان ممثلينا في الحكومة سوف يطالبون بالدعوة الى جلسة طارئة للحكومة لاعلان حالة طوارىء اجتماعية للتصدي بشكل جدي لمسألة النازحين السوريين التي بلغت ابعادا تكاد تخرج عن السيطرة.
وفي هذا الشأن، ومن منطلق الوفاء للشعب السوري العظيم الذي فتح للبنانيين بيوته وقلوبه إبّان العدوان الاسرائيلي العام 2006 نعلن ان مدننا وقرانا مفتوحة امام جميع اخواننا من النازحين السوريين وان مؤسساتنا سوف تتجند لخدمتهم ولن تألو جهدا في مد يد العون عليهم.
سادسا: ان المقاومة الاسلامية انطلقت من اجل هدف واحد وحيد هو تحرير الارض من العدو الاسرائيلي. والمشاركة التي تمارسها المقاومة في الحياة السياسية اللبنانية انما هي حق طبيعي لها ولجمهورها الذي محضها ثقة هائلة في كل المحطات الانتخابية التي شاركت فيها، لكن هذه المشاركة لم تكن يوما ولن تكون هادفة الى تحقيق غلبة على اي جهة في التركيبة السياسية اللبنانية ولا الى انتزاع حصة اكبر في السلطة للطائفة التي تشكل غالبية جمهور هذه المقاومة. وانطلاقا من هذا ننفي مرة جديدة أن يكون حزب الله راغبا في او ساعيا الى تغيير التركيبة الطائفية الحالية للسلطة، ونعلن للملأ تأييدنا لدستور الطائف الذي ارتضاه اللبنانيون، مع الاستعداد لمناقشة هادئة، وفي الوقت المناسب، لأي تعديل دستوري مرغوب يسد الثغرات المشكو منها ويؤمن الاستقرار السياسي وحسن عمل المؤسسات.
كما نعلن، وانطلاقا من ثقتنا بانفسنا وبحجم تمثيلنا لدى جمهورنا، اننا سنوافق على اي قانون انتخابي تتفق عليه القوى البرلمانية ولن نتمسك بأي مشروع خلافي. كما نؤكد حرصنا واصرارنا على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
سابعا: اننا ندعو رئيس الجمهورية، وفور الانتهاء من الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة الجديدة، للدعوة الى جلسة للحوار الوطني لنستكمل ما بدأناه مع القوى السياسية الرئيسية في البلاد، ونتعهد بأننا سنبادر في اول جلسة للحوار الى تقديم خطتنا للاستراتيجية الدفاعية كما نراها والتي تنطلق من ثابتة وحيدة هي وجوب ان يحافظ لبنان على قوة الردع التي أرستها المقاومة في مواجهة اي عدوان اسرائيلي.
ثامنا: اننا نجدد موقفنا السياسي المؤيد للحراك الشعبي المحق في البحرين، لكننا نؤكد ان هذا الموقف لا يترجم ولن يترجم في شكل موقف مادي يتخذه حزب الله ويعد تدخلا في شؤون هذه الدولة الشقيقة التي نأمل ان تتوصل قيادتها الحكيمة الى رعاية حوار وطني ناجح يخرج البلاد من ازمتها ويعيد اليها استقرارها.
وللمناسبة فاننا نود تطمين دول مجلس التعاون الخليجي جميعا- ونخص بالذكر المملكة العربية السعودية وقطر اللتين وقفتا الى جانب لبنان وقفة لا تنسى ابان عدوان 2006- الى ان حزب الله حزب سياسي لبناني لا شأن له بأمن هذه الدول ولا بحياتها السياسية وليست لديه اي رغبة او نية على التدخل في شؤونها بأي شكل من الاشكال.
كما اننا نؤكد ان اللبنانيين العاملين في دول الخليج عموما، وابناء الطائفة الشيعية خصوصا، انما هم بناؤون يعملون بكد لتحصيل لقمة عيش كريمة في بلاد فتحت ابوابها لهم، وانهم يحترمون قوانينها ويحرصون على أمنها واستقرارها.
أخيرا، وانطلاقا من رغبتنا الصادقة في طي صفحة الماضي الاليم ومن حرصنا على كل شركائنا في الوطن وعلى ضرورة قيام حياة سياسية سليمة لا يشعر فيها احد بالغبن او التهميش، أدعو أخي وابن أخي دولة الرئيس سعد الحريري للعودة الى بيروت ليكون الى جانب اهله وليلعب دوره كاملا على رأس تياره العريض الذي نكن له كل تقدير وليقدم مساهمته في الحياة السياسية اللبنانية. وأنني مؤمن بأن لبنان، وسط هذا الحريق الاقليمي الكبير، يستحق منا ان نتعالى على الجراح وان نتعاضد مع باقي المخلصين من ابناء هذا الوطن لتجنيب البلاد شبح ما عرفنا وخبرنا سنين طويلة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

  1. كلام وخطب سماحته أعمق واكثر تسامحا مما تفضلت به… واكثر إنسان في لبنان حريص على عدم الانجرار الى الفتنة وحريص على عدم التدخل في اي من شؤون الدول العربية والخليجية وليس لديه وحدات في سوريا ودائما يدعو الى الحوار الوطني ومد اليد وضد انتشار السلاح في الشوارع……
    فكل ما تفضلت به في المقال يجب ان يطبقه فريقكم السياسي الذي دخل في الأزمة السورية من اول بداياتها وشارك بدماء السوريين وفريقكم أيضاً من يحرض ويشتم على المنابر ويوقظ الفتنة وأسلحته ماشاء الله منتشرة من الشمال الى صيدا وفريقكم أيضاً وأيضاً من لا يريد اي حوار او مشاركة يريد فقط ان يستلم السلطة لوحده وإلغاء كل الأطراف المناوئة له…
    فحبذا لو تعطي هذا الخطاب وتعكسه وتسلمه لسعد النونو….
    سلام

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *