كتبت فوزية سلامة في الشرق الأوسط:
شاهدت حلقة من برنامج المذيعة المصرية منى الشاذلي بعد انتقالها من قناة «إم بي سي مصر» إلى قناة «سي بي سي». كان ضيف الحلقة هو نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية. وكفاني اليوم أن أصنف نبيل العربي واحدا من فئة أعتبرها آخر الرجال المحترمين. ولذلك شغلت عدة أيام بعد مشاهدة الحوار بالبحث عن كل ما يمكن معرفته عن نبيل العربي قبل أن يتولى الأمانة العامة للجامعة العربية.. قبل أن يرحل إلى المنفى كان وزيرا للخارجية في حكومة عصام شرف. وبعد أقل من شهرين تولى منصبه الجديد.
وما بين اهتمامي بضيف الحلقة واهتمامي بمقدمة البرنامج التي أعتبرها من أفضل مقدمات البرامج الحوارية في التلفزيونات العربية تسللت إلى ذهني تداعيات أخرى وتساؤلات لم أعثر لها على أجوبة مقنعة حتى هذه اللحظة.
فها هي منى الشاذلي التي قدمت لقناة «دريم» برنامج «العاشرة مساء» وكان من أهم برامج قناة «دريم» وأنجحها، ثم انتقلت إلى قناة «إم بي سي مصر» ومنها إلى قناة «سي بي سي». وهي منى الشاذلي التي استضافت كوكبة من العلماء والمفكرين والفنانين بدءا بأحمد زويل ومرورا بمحمد البرادعي، وصولا إلى نبيل العربي. امرأة حسناء بكافة المقاييس. وذكية إلى درجة الحرص الشديد والرقابة الذاتية بحيث تخرج العبارات من فمها محسوبة بلا ارتعاب ومقننة بلا تعتيم. كلما سنحت لي الظروف أشاهد برنامجها فيردني أداؤها إلى زمن أيقونات التلفزيون المصري في عهده الأول. فما من مصري أو مصرية من جيلي لا يتذكر ليلى رستم، الإعلامية التي وضعت قواعد للتقديم التلفزيوني من الصعب نسيانها؛ فقد كانت أنيقة بلا تكلف، ذكية بلا استعراض، متمكنة بلا تشنج.
وأعود الآن إلى منى الشاذلي فأقول إنها تعرضت وتتعرض للهجوم بمناسبة ومن دون مناسبة. فتارة يتهمها الخصوم بأنها تتقاضى الأجر الأكبر الذي يصل إلى الملايين فلا يصح أن تتظاهر بأنها تدافع عن حقوق الفقراء والمظلومين. وتارة يوجه الهجوم صوب زوجها الذي يلازمها في مسيرتها الإعلامية دافعا بها من وراء ستار بحكم خبراته في دنيا المال والأعمال. ولكني لا أهتم ربما لأن الشجرة المثمرة هي تلك التي تقذف بالحجارة.
وهنا أصل إلى عتاب أوجهه من هذا المنبر الحر إلى منى الشاذلي وغيرها من مذيعات التلفزيون العربي. أبدأ عتابي بسؤال: ترى حين جلست منى لإجراء الحوار مع نبيل العربي الذي بلغ التاسعة والسبعين؛ هل انصب اهتمامه على رموشك الصناعية؟ هل ارتفع قدرك في نظر نبيل العربي وهو يروي لك تفاصيل المفاوضات مع العدو الإسرائيلي أثناء المفاوضات لاسترجاع طابا لأن وصلات الشعر الأسود الناعم ضاعفت جاذبيتك؟ كلا يا منى وألف كلا. فأنت ممن أنعم الله عليهن بالذكاء والقبول عند الآخر بفضل مهاراتك المهنية والإنسانية والاجتماعية فلا يهم محدثك إن كان شعرك طويلا كثيفا أو عاديا كما وهبك الله. وحين تفرغين من عملك وتعودين إلى بيتك وإلى بناتك لا يفكرن في شعرك وإنما في حضنك وحنانك وفي أنك محور الوجود والكلوب الذي يغمر الدنيا بضياء مطمئن.
ولكي لا يتهمني البعض بالانضمام إلى فرقة الهجوم على منى الشاذلي أعترف بأنني اقترحت منذ فترة أن تظهر مذيعات البرنامج الذي أشارك في تقديمه من دون ماكياج في إحدى الحلقات لأن ضيوف البرنامج من الرجال يظهرون على الشاشة بلا ماكياج ويحظون بالقبول التام من المشاهد. عبثا حاولت أن أقنع فريق العمل بأن البهرج المفرط يعوق رغبة المشاهد في أن يعتبر نفسه ومقدمة البرنامج متوحدين في الفكر والمشاعر. وبذلك تصبح الزينة حاجزا يصعب تجاوزه.
وحين رفض اقتراحي اكتفيت بتوجيه العبارات اللاذعة عن وصلات الشعر التي عمدت إلى تسميتها «شعر الأموات» وحين قوبلت التسمية بامتعاض اكتفيت بقولي إن صاحبة الشعر إن كانت بين الأحياء فقد باعت شعرها لكي تتباهى به إحداهن من فقر واحتياج، وهذا يكفي لكي نرفض مثل هذا النوع من ظلم امرأة لامرأة أخرى حبا في الظهور.
أعلم أن هذه السطور سوف تفتح عليّ نيرانا لا قبل لي بتحملها، خصوصا وأنا من القواعد ومن السهل على شابات الشاشة الصغيرة أن يفسرن موقفي على أنه غيرة امرأة كبيرة من نساء شابات. ويكفيني أن أقول إن احتكاكي بجمهور المشاهدين في الحياة اليومية سواء كان لقائي بهم في طريق عام أو في سوبر ماركت أو في فعالية إعلامية أو ثقافية يفند مثل هذا الافتراض. فكثيرا ما ألتقي بجمهوري ووجهي خال تماما من الزينة، كما هي عادتي في الحياة اليومية. وحين يلقاني الناس بوجهي كما خلقه الله أقول لهم متفكهة إن ما يرون على الشاشة هو النسخة المعدلة تأتيني الإجابة تلقائية وجاهزة ومطابقة في جميع الأحوال بأنني أبدو أكثر قبولا عند الناس بوجهي الطبيعي من دون أصباغ.
حين أشاهد منى الشاذلي أو ليليان داود أو ريم ماجد وغيرهن كثيرات لا أبحث عن الوجه والرموش والشعر الحرير بل أبحث عن مضمون وأداء يشعرني بأن حق الإعلامية يوازي حق الإعلامي الموهوب في ميدان التنافس الشريف.