فيليب سكاف – النهار اللبنانية
خلع حذاءه بتأنٍّ وهدوء. وضعه بترتيب على الأرض، على حافة الفوهة… ثمّ قفز في البركان، ليتهاوى نحو الباطن الملتهب، فاتحاً يديه والرّأس أوّلاً. ونكاية بطائر الفينيق، دخل النار طوعاً ليحترق في جحيم الأرض. هكذا، انتهت أسطورة “أمبيدوكليس” الإغريقي، الفيلسوف والعالم وابن العائلة الثريّة. قفز لأنّه كان أوّل من تكلم عن الحياة الثانية السّعيدة، وأوّل من آمن بالجنّة.
مثله فعل بن لادن، ابن العائلة المميّزة ومصدر وحي الجهاديّين. ففي عصر القرية الإعلاميّة الكونيّة، يُريد هؤلاء أن يراهم أهل الأرض، كلهم، وهم يتراكضون نحو الجنّة، ينتحرون. كلما اندلعت حرب على أرض المسلمين، يُوضّبون أغراضهم بهدوء، يُودّعون ويُسرعون لملاقاة الموت. يلتصقون بالنار. تجذبهم كما يجذب الضوء المُعدّ للتفخيخ بالذّباب التي تخاله ضوء القمر، فتحوم حوله. تدور حتى الدّوخان، ثمّ تلتصق به… وتحترق.
هذا الانتحار ليس حصراً على البؤساء والفقراء. لا بل كثير منهم يأتي من طبقة مترفة، متعلّمة، مثل “أمبيدوكليس”. وظاهرة الجهاد الحديث ليست عبثيّة، ولا هي ردّ فعل مجنونة عصبيّة. إنّها دعوة أمميّة. وفي زمن عصرنا التائه، هي القنبلة البشريّة النوويّة التي عندما تنفجر، وبفضل الإعلام، يُغطي قُطرها العالم كلّه، وتحجب الشمس لساعات، لأيّام، وأحياناً لسنوات.
الفلسفة الجهاديّة المعاصرة، الإسلاميّة كما يدّعون، هي تماماً كالشيوعيّة التي حاربوها في أفغانستان، وروت حربها بذورها. شموليّة. أحاديّة. فاشيّة. أوّل ما تكره، الحريّة والدّيموقراطيّة. حالها كحال الدّيكتاتوريّة التي تدّعي أنّها تحاول أن تطيح. والجهادي عارياً يصير، مقتلع الجذور والهويّة. يرى لنفسه انتماءً واحداً هو “الأمّة”. الأمّة قبل كلّ شيء، لا بل “بدل” كلّ شيء. لا وطن. لا حدود. لا هويّة. علمه زائف كعالمه!
بين المحيط والمحيط، لحىً وجلابيب وبوزات أمام كاميرات تنقل صوراً لخاطفين ملثمين مدجّجين بالحديد والسّكاكين. وفي دنيا الكفّار، جهاد شبيبة تدخل منزل الأهل المساكين، وهي تحمل في يدها كتاباً بعنوان “كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمّك”… ثمّ أخرج. فجّر. اقتل، واغتل الأمّة التي تدّعي الدّفاع عنها.
“أمبيدوكليس” قفز في البركان. انتقل وحده إلى الفردوس الذي اخترعه ولم يأخذ معه أطفالاً ونساءً وعجائز. أمّا أنتم فلا فردوس ينتظركم، بل ستصطلون بمحرقة الذباب. إنّ الله لا يُكافئ من هو براء منه. والحوريّات التي تحلمون بها في جهادكم المزيّف، إنما هي هنا، تنام مع آمريكم.
ثمّة من يقول مازحاً إنّ العرب لا يتقدّمون في شيء… إلا بالعمر. حتى هذا التقدّم يُصرّ الجهاديّون على حرماننا منه!
مثله فعل بن لادن، ابن العائلة المميّزة ومصدر وحي الجهاديّين>>>>
لا أعتقد أن المقارنة عادلة فشتان بين انتحار الفيلسوف الاغريقي و بين من ترك أبنائه و أهله و بلده و ملايينه للجهاد في سبيل الله
مع انه يوجد جماعات مسلحة إرهابية مجندة من الخارج و تآمر بعض الحكومات الخليجية لتشويه سمعة الدين و الجهاد و هذا مخطط صهيوني ضد العرب لإغراقهم بالفوضى و الحروب الاهلية تحت ورقة الجهاد