كتب أسامة الخراط:
في جلسة علمية مع الدكتور الفقيه الاقتصادي أنس مصطفى الزرقا طرح ورقة علمية بعنوان: (الموازنة بين حكم الديانة وحكم القضاء (الأخلاق والقانون) بوصفهما مؤثرين وموجهين للسلوك.
وتحدثت الورقة عن طرق تطور المجتمعات وكيف يمكن ضمان التزام أفرادها بالقانون والشرائع السماوية.
أولا هناك اتفاق على أن الجرائم الكبرى لابد من رادع لها بشكل صارم لخطورتها على المجتمع وعلى الناس مثل القتل والسرقة والاغتصاب وغيرها. ما عدا ذلك كان هناك وجهتا نظر طرحت، أولها:
أنه لابد من فرض القوانين الرادعة لتطبيق كل أحكام الشريعة الإسلامية على الأفراد من أول منع الربا وإقامة الصلاة إلى الأمور الصغيرة مثل حلق اللحية أو الغيبة والنميمة وحتى رمي الأوساخ في الشارع.
ثانيها: وجهة نظر تقول أنه لابد من التدرج في إقناع الناس بالسلوكيات الجيدة وتربيتهم عليها قبل فرض القوانين والعقوبات، وإلا احتجنا لسجن عشرات آلاف الناس يوميا لأنهم لا يصلون الجماعة أو يرمون الأوساخ في الشارع أو يتكلمون بالغيبة والنميمة.
وخلصت أغلب الآراء أنه بناء على وضع مجتمعاتنا الحالية وما يسودها من جهل وقلة تربية إيمانية أنه لا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية بكل أوامرها ونواهيها الصغيرة والكبيرة، وأنه لابد من التدرج في تطبيقها وهذه هي طبيعة الإسلام وحكمته التي طبقها الرسول والخلفاء الراشدون من بعده.
وحتى بالاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى نجد أنهم طبقوا التدرج في فرض القوانين حتى وصلوا للحالة المثالية، فمثلا في اليابان اليوم يوجد عقوبة كبيرة لمن لا يقوم بفرز القمامة التي تصدر من بيته إلى أصناف متعددة ورمي كل نوع في مكان مختلف لتدويرها والاستفادة منها، والشعب طبعا متقبل للقانون وينفذه ولكنهم لم يصلوا لهذا الحد من الالتزام به إلا بعد مسيرة طويلة من التعليم والتربية والتدرج في هذا الأمر.
ويختصر هذه المسألة المعقدة أثران وردا عن أعدل الخلفاء في الإسلام… عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز: فقد روى الطبري في تفسير قول الله تبارك وتعالى: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } النساء 4/ 31. قَالَ [عَبْد اللَّه بْن عَمْرو لعمر ] : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ نَاسًا لَقُونِي بِمِصْرٍ , فَقَالُوا: إِنَّا نَرَى أَشْيَاء مِنْ كِتَاب اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُعْمَل بِهَا وَلَا يُعْمَل بِهَا , فَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوْك فِي ذَلِكَ . ( يعني أنهم رأوا أنه ليس كل الشريعة الإسلامية يطبقها الناس فأرادوا أن يوصلوا ذلك لسيدنا عمر) فَقَالَ: اجْمَعْهُمْ لِي ! قَالَ : فَجَمَعْتهُمْ لَهُ .. – فَأَخَذَ أَدْنَاهُمْ رَجُلًا , فَقَالَ: أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ وَبِحَقِّ الْإِسْلَام عَلَيْك , أَقَرَأْت الْقُرْآن كُلّه ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَهَلْ أَحْصَيْته فِي نَفْسك ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا. قَالَ : وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَخَصَمَهُ . قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْته فِي بَصَرك ؟ هَلْ أَحْصَيْته فِي لَفْظك ؟ هَلْ أَحْصَيْته فِي أَثَرك؟ (أراد سيدنا عمر أن يُفهم الرجل أنه هو شخصيا لا يمكن أن يكون قد طبق كل القرآن وأحكامه ولم يترك شيئا فلماذا يريد ذلك من الناس؟) قَالَ عبد الله : ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرهمْ , (أي ناقش سيدنا عمر الكل وحاجه بنفس المنطق) ثم فقَالَ (سيدنا عمر كنتيجة للحوار) : ثَكِلَتْ عُمَر أُمّه ! أَتُكَلِّفُونَهُ [ أي والي مصر ] أَنْ يُقِيم النَّاس عَلَى كِتَاب اللَّه ؟ قَدْ عَلِمَ رَبّنَا أَنْ سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَات ! قَالَ: وَتَلَا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنْ كُمْ سَيِّئَاتكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا }. ثم قال سيدنا عمر: هَلْ عَلِمَ أَهْل الْمَدِينَة ؟ أَوْ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَد بِمَا قَدِمْتُمْ؟ قَالُوا : لَا , قَالَ: لَوْ عَلِمُوا لَوَعَظْت بِكُمْ [ أي لعاقبتكم عقوبة يتعظ بها غيركم على هذا الغلو الذي قد يؤدي لفتنة ] .
وفي هذا السياق تماما يُحكى عن عمر بن عبد العزيز (خامس الخلفاء الراشدين) أن ابنه عبد الملك قال له: “ما لك لا تنفذ الأمور؟ إِنِّي لأرَاك يَا أبتاه قد أخَّرت أمورا كَثِيرَة كنت أحسبك لَو وُليت سَاعَة من النَّهَار عجلتها (كنت أظن أنك ستطبق كل الشريعة دفعة واحدة) فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق”. (أي ظننت أنك ستفرض تطبيق كل الشريعة حتى لو قاتلنا الناس ورمونا في قدور مغلية) قال له عمر: “لا تعجل يا بني، إِنّ فيك بعض رَأْي أهل الحداثة (يشابههم اليوم من يقولون بتطبيق الشريعة دفعة واحدة حتى لا حاربنا نصف الشعب) وَالله مَا أَسْتَطِيع أَن أخرج لَهُم شَيْئا من الدّين إِلَّا وَمَعَهُ طرف من الدُّنْيَا أستلين بِهِ قُلُوبهم خوفًا أَن ينخرق عَليّ مِنْهُم مَا لَا طَاقَة لي بِهِ … (ويشبه هذا سياسة أردوغان في تركيا حيث استلان قلوب الناس بطرف من الدنيا أي برفع مستواهم الاقتصادي ثم بدأ مشوار العودة إلى أحكام الإسلام مثل إعادة الحجاب ومناهج القرآن والشريعة لتدرس في المدارس والجامعات) … فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة.
أخوتي الكرام إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا إن تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل يحتاج منا التربية والصبر والدعوة والرحمة للناس حتى يصبحوا جاهزين لها، وإياكم أن تظنوا أنه يمكن بالقهر والجبر والسيف فرض تطبيق كل الشريعة الإسلامية على الناس، بل نترك الأمر للشورى والتصويت من قِبَل ممثلي الأمة المنتخبين بشكل صحيح وعادل، وتقديرهم للأمور هو ما سيحسم تعجيل تطبيق قانون ما أو تأخيره. ولو أرادوا تطبيقها كلها واستطاع الناس ذلك فهذا هو المأمول والمطلوب.
أما لو صوَّت غالبية الناس على تأجيل تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي مثلا لصعوبات اقتصادية كبيرة، فيجب أن نلتزم بنتائج التصويت (لأن بديل ذلك القهر والسيف) ونبدأ بتوفير البدائل الاقتصادية الشرعية للناس وإقناعهم بها حتى يصبح الغالبية مع خياراتنا ومستعدين لتحمل تبعات تطبيقها. واعلموا أن أقصر طريق مُعين على ذلك أن نُؤمِّن للناس الحرية والعدل ونرفع من مستواهم الاقتصادي وبعد ذلك سيلينوا بأيدينا ويكونوا أفضل مما نريد. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يمكن ضمان التزام أفرادها بالقانون والشرائع السماوية.
ثم القدوة الحسنة في كل شيء
ثم القدوة الحسنة في كل شيء
ثم القدوة الحسنة في كل شيء
ثم القدوة الحسنة في كل شيء
ثم القدوة الحسنة في كل شيء
ثم القدوة الحسنة في كل شيء