احمد عياش – النهار اللبنانية
إذا كانت قضية الشيخ أحمد الأسير في صيدا الآن اغلاق شقتين لـ”حزب الله” يستخدمهما لأعمال أمنية قرب مسجد في عبرا بضاحية المدينة، فإنها تبدو أقرب الى مزحة منها الى أمر رصين. تماماً مثلما هي قضية السيد حسن نصرالله عندما ينطلق من ادانة “معركة شقق” يخترعها خصومه ليبني عليها تهديداً بقوله “ما حدا يعمل معنا غلط!”. هذه المقارنة تلتقي في الشكل. لكنها تفترق كثيراً في المضمون. وشتان ما بين قضية الأسير وقضية نصرالله.
كثيرون توجسوا عندما استمعوا الى الاخير الذي أطل استثنائياً ليطمئن القلقين والمتسائلين بعد الشائعات التي تناولته ليؤكد بطلانها. فهو طمأن من ناحية، لكنه أقلق من نواح. واعاد الى الاذهان ذريعة 5 أيار 2008 التي مهدت لـ7 أيار المشؤوم الذي وصفه نصرالله بـ”يوم مجيد”. فهل هناك من أيام “مجيدة” أخرى يبشر بها “حزب الله” اللبنانيين؟
حسناً فعل الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري في البيان الذي صدر عنهما ليعبرا عن عقلية “أم الولد” ليس في صيدا فحسب، بل في كل لبنان. فالانجرار وراء منطق الشيخ في شقتين ومنطق السيد في شقق يضيّع الحقيقة الكبرى التي ينطح لبنان برأسه صخرتها. انها حقيقة الدولة التي تقف عاجزة عن حماية الوطن بكل شققه. للتذكير فقط، فإن غزوة “حزب الله” لبيروت في 7 أيار 2008 كان بذريعة رفض قرار الحكومة اغلاق “شقة” شبكة الاتصالات التي اخترق بها “حزب الله” لبنان من دون حسيب أو رقيب فانقضّ بسلاحه على العاصمة ليحوّل مسار الاحداث ولا يزال. وبالاعتماد على هذا القياس هناك لائحة الشقق التي نبتت ولا تزال كالفطر: شقة حماية المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي سيمنع “حزب الله” الاقتراب منها ولو بعد مئة عام، شقة حماية ترسانة الاسلحة التي كدسها الحزب لـ”مواجهة ما تعده اسرائيل للبنان والمنطقة وللشعب الفلسطيني”، كما قال نصرالله قبل أيام، شقة تخطيط العمليات التي جرّت لبنان الى حرب مع اسرائيل 2006، وتجر لبنان الى حرب سوريا عام 2013، شقة السرايا التي كانت سابقاً مركزاً لحكومة كل لبنان عندما حل بها الرئيس سعد الحريري الفائز بامتياز في انتخابات عام 2009، شقة البرلمان، بيت الأمة اللبنانية جمعاء، التي تحولت تحت نظارة الرئيس نبيه بري الى مقر حزبي يسعى بري الى تثبيته مجلس شورى للحزب بذريعة مشروع “اللقاء الارثوذكسي” بالاضافة الى شقق لا حصر لها ولا عد على غرار شقق جمارك المطار والمرفأ وتصنيع حبوب المخدرات وتزوير الادوية وغيرها.
يفيد تقرير ديبلوماسي ان وزير خارجية حكومة “حزب الله” عدنان منصور حاول في مؤتمر عقد أخيراً في موسكو أن يقنع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بادراج عبارة دعم “المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي” في البيان الختامي فكان جواب لافروف لمنصور: “لا تعيد طرح مثل هذا الطلب مجدداً”. أي ان لافروف يقول لمنصور “لا تبيع الميّ في حارة السقايين!”. لكن هذا الميّ الذي يسمى “مقاومة” لا يزال يباع وبالقوة في لبنان وهو في الواقع مسمار “حزب الله” بشقق كثيرة.