آمال قرامي,تونس, مذ تحرّر المجال السياسيّ، والساحة تعجّ بالأحزاب. فقد عرفت تونس تأسيس أكثر من مائة حزب، وهي مسألة نُظر إليها على أساس أنّها علامة إيجابيّة تنمّ عن رغبة في توطين التعدديّة السياسيّة في بلد عاش تجربة الحزب الواحد، و”الزعيم الأوحد”، و”صانع التغيير”. ولكن ما إن انتهت الانتخابات حتى تعالت الأصوات مندّدة بهذه الظاهرة التي تسبّبت حسب بعضهم، في تشتّت الأصوات، وحرب الزعامات، ثمّ فشل عدد من الأحزاب ‘الكبرى’ .
ويبدو أنّ السياسيين قد اتّعظوا فباتوا أكثر ميلا إلى لمّ الشمل في عائلات: العائلة الدستورية، والعائلة التجمعيّة، والعائلة ‘الإسلامية المعتدلة ‘، والعائلة البَينية’ (بين بين) والعائلة الهجينة … وبعد انتخابات 2011 التي سارت وفق مبدأ عقد التحالفات (صلح الحديبية، الترويكا…) ها نحن نعيش على وقع أشكال من الأنكحة: الزواج الصيفي، وزواج المسيار …… أكثر تلاؤما مع سياق “داعش وتوابعها’.
وبما أنّه موسم الأعراس فالكلّ يخطب ودّ هذا الطرف أو ذاك، ويسعى إلى اختيار الصهر المناسب، ويعده بالوفاء والإخلاص والرفاه والبنين. ومعنى هذا أنّ أغلب السياسيين سيتوحّدون لأنّهم فهموا أنّ المصلحة تقتضي اليوم، توظيف البراغماتية، والتقدّم إلى الانتخابات وفق تكتّلات تبدو كالبنيان المرصوص وإن أدرك الجميع أنّ المصالح ستفرّقهم بعد ذلك.
ولئن كان التلهّف على تأسيس الأحزاب أهمّ سمة لانتخابات 2011، فإنّ “التقليعة ” التي تميّز الاستعداد لانتخابات 2014، وتعدّ بالفعل، خصيصة تونسيّة، تتمثّل في التزاحم على قصر قرطاج إذ بلغ عدد من أغراهم منصب الرئاسة 27 شخصا، ينتمون إلى تيارات مختلفة (من السلفية إلى الليبرالية….)، وإن ألّح البعض على صفة الاستقلال، وعدم الانتماء إلى أي تيّار أيديولوجيّ. والملاحظ أنّه لأوّل مرّة في تونس تترشّح النساء لمنصب الرئاسة (بلغ العدد 4).
وبقطع النظر عن مشروعيّة الترشّح باعتباره حقّا يتمتّع به كلّ مواطن/ة تتوفّر فيه الشروط، من عدمه باعتبار أنّ الوضع “لا يتحمّل” كلّ هذا العدد فإنّ السؤال الذي يطرح في هذا السياق: ما الذي جعل التونسيين والتونسيات راغبين في الترشّح؟
-أهي الصورة التي يحملها كلّ مترشّح/ة عن نفسه تدفعه إلى خوض التجربة لأنّه يتوسّم في نفسه خيرا، ويعتقد جازما أنّه يملك مؤهلات تخوّل له حكم البلاد؟
-أهو أداء المرزوقي ‘الهزيل’ الذي أوحى للبعض بأنّ منصب الرئيس مريح. فلا صلاحيات كثيرة، ولا أعباء سوى السفر لتسويق صورة “سويسرا العرب” أو صورة الرئيس المثقف / الحقوقي، وتأبين الشهداء، واستقبال الضيوف،…
-أهي ‘هشاشة’ الدولة التي تسمح اليوم، بعودة “أهل الخبرة والدهاء السياسي والمكائد” ليعتلوا الركح من جديد. ولا غرو في ذلك ما دامت حكومة النهضة وتوابعها قد رحّبت “بأبناء النظام البائد”، وطبّقت مبدأ “الاستتابة”، ورأت أنّ الولاء لها “يجبّ” ما سبقه (الإسلام يجبّ ما سبق). وبما أنّها سليلة ‘حزب إسلامي ديمقراطي معتدل’ فقد آثرت أن تظهر في صورة “المسامح الكريم”؟
-أهي عقدة الخوف من السياسية قد حُلّت فجعلت البعض يطمح في أن يفقه القوم قولهم في إدارة الاقتصاد، والعدالة بين الجهات، والإرهاب…؟
-أهي فكرة “التدافع” التي بشّر بها الغنوشي قد أتت أكلها فجعلت الجماعة تهبّ هبّة واحدة؟
-أهو افتقار الثورة إلى القيادة والزعامة، وخفوت رغبة الشباب في استكمال المسار الثوري هو الذي جعل الكهول والمسنّين يتهافتون على الرئاسة إيمانا بأنّ إدارة شأن البلاد تتطلّب توفّر الحكمة، والحكمة لا تنسبها الثقافة التقليدية إلاّ لشريحة عمرية؟
-أهو حبّ الوطن الذي يجعل المرء يغادر حالة الاكتفاء بالتنديد، والنقد والتجريح، إلى حالة الفاعليّة: التحرّك من أجل إنقاذ البلاد من وضع يزداد تعقيدا وسوءا؟
ومهما تعدّدت الأسباب فإنّنا نتوقّع أوّلا: عسر فوز المترشحات فطالما أنّ المجتمع التونسي قد كشّرت فيه الأيديولوجيا الذكورية عن أنيابها بلا وجل فإنّه لن تطأ قدم “أنثى” قصر الرئاسة، وقديما أمر الفقهاء “النسوان” بأن لا يزاحمن الرجال، وثانيا أنّ المواطن البسيط لن يتفاعل إيجابيّا مع هذا التعدّد لأنّه يهاب الكثرة (من فرط ما ألف المرشّح الواحد)، وثالثا الحملة الانتخابية ستوفّر لنا فرصة المشاهدة: فكلّ المرشحين سيعتلون ركح المسرح السياسي، وكلّ سيعرض ذاته، وبضاعته، وسيؤدي دوره وفق مهارات اكتسبها أو ظنّ أنّه يمتلكها، وسيكون الشعب هو الحكم. ولكن المؤكّد أنّ كوميديا الرئاسيّة ستنسينا لحين، تراجيديا الإرهاب.