هذا المقال كتبه إكرام لمعي، استاذ مقارنة الأديان، (CNN)– مرت مصر من 25 يناير 2011، و حتى اليوم و الغد بصعود وهبوط، تمزق و تأرجح. آلام و أفراح، ومازال المصريون يتطلعون إلى شكل واضح للدولة، يمكن تعريفه والوقوف على أبعاده وأعماقه، وبالتالي تتشكل من خلاله طموحاتهم وآمالهم.
ويمكن للبعض أن يعتبر ما أقوله هو نوع من السذاجة، فمن الواضح أن دولة الإخوان فشلت وهو ما كان متوقعا، سواء لضعف إدارة الدولة لديهم، أو لضعف الخبرة فى هذا المجال أو لإستعجالهم أخونة الدولة، أو للرفض الطبيعى لهم من الدولة المصرية العميقة، وأيضا يمكن للبعض الآخر أن يتعجب لأن الدولة بها خريطة طريق للمستقبل أنجز منها الدستور والإنتخابات الرئاسية، فما الذى أريد قوله من تعبير ” الدولة التى نريدها لمصر” فكل شئ واضح و جلي؟.
إن ما أريد إيصاله لك – عزيزى القارئ – هو ” ماذا نعني بطبيعة الدولة ؟ونحن نعني به حقيقة الدولة وهل هي عقائدية أيدولوجية أي ذات صبغة دينية مع إضافة كلمة ” مدنية ” بدلا من ” علمانية ” لأن الأخيرة سيئة السمعة، وهل هذه التركيبة فى طبيعة الدولة يؤدي إلى إضعافها و هشاشتها أم إلى تقويتها؟ إن التناقض الواضح بين السلطات المدنية والممارسات الدينية التى تفرض نفسها على الإعلام والتعليم مثل، مناهج التعليم في المدارس، مشكلة قضية نوح، و برنامج مسابقة الرقص، مشكلة حقيقية ذلك لأن الدولة المدنية الحديثة في جوهرها تعني ” دولة محايدة ” مسالمة تدع كل الزهور تتفتح بما فيها الزهور الدينية فى حوار بناء مع الزهور المدنية، مع الإعتذار للزهور بالطبع، دون عنف أو استخدام قوى الدولة لجانب أحدهما ضد الأخرى، كذلك طبيعة الدولة الحديثة ديمقراطية قانونية حقيقية، مرجعياتها ومضامينها تعتمد على الحقوق والحريات، الفردية منها والعامة، وتقف في وجه كل من ينتهك ويهدر هذه الحقوق والحريات مهما كان، إنها دولة تنحاز للقانون بشكل واضح سواء المحلي منه أو العالمي الذي يقف ضد جميع أنواع الجرائم الإنسانية ( جرائم التعذيب و التهجير و الإبادة الجماعية ).
ولابد هنا أن نوضح أن طبيعة الدولة فى العالم كله تتأرجح بين طرفين متناقضين دولة عقائدية نموذجها (افغانستان تحت حكم طالبان – السعودية – كوريا الشمالية ) ودولة مدنية علمانية على الطرف الآخر نموذجها ( سويسرا – السويد – فرنسا ) على أن بين النوعية الأولى والثانية درجات متفاوتة، منها ما هو أكثر قربا للدولة الدينية التى تطبق بعض الممارسات الديمقراطية مثل إيران وباكستان وأفغانستان، ثم درجة أخرى أبعد من الدينية لكنها ليس أقرب إلى المدنية يمكن القول أنها فى المنتصف أو تتأرجح بين الإثنين مثل تركيا ومصر وتونس، لكن معظم الدول التي في المنتصف هي دول من الصعب وضع تعريف واضح لطبيعتها لأنها غير قادرة على الحسم بين الدولة الدينية والدولة المدنية وهنا الطامة الكبرى، لأن الإنسان غير الحاسم فى حياته غير قادر على الإنجاز، ذلك لأن رؤيته للمستقبل غير واضحة، أو أمامه رؤيتين يتأرجح بينهما فيضيع وقته دون إتجاه محدد أو هوية محددة، و هذه النوعية من البشر بلا لون ولا طعم ولا رائحة، ولا يستطيع أحد أن يحدد إتجاهها و بالتالي لا تستطيع أي هيئة أو منظمة واضحة المعالم والأهداف إستخدامه، أو توظيفه إلا فى الدرجات الدنيا مثل عمال النظافة والسعاة، وهذا بالضبط وضع الدولة التي لا تحسم إختياراتها لأنها غير قادرة على تعريف طبيعتها، فهي بلا هوية حيث تتأرجح بين الديني والمدني، فلا يمكن الإمساك بها أو معرفة الخطوة القادمة فدستورها ينص على الإتجاهين بلا خجل، معتمدا على بساطة الشعب، ويتضح هذا مثلا عندما تبدأ هذه الدولة مشروعا وإذ بالفتاوى الدينية تهدمه من جذوره لعدم شرعيته، أو لعدم توافقه مع الأيديولوجيا مثل”تنظيم الأسرة” مثلا، فتتراجع عنه فى خجل دون حتى أن تعلن تراجعها، وهكذا تخسر الكثير من الوقت والجهد والمال.
وفي النهاية نقول أنه بلا شك أن الأيديولوجيا مهما كانت دينية أو قومية أو عوائلية إذا حكمت دولة، فإستخدام حكامها لها لتحقيق أهداف سياسية، فهم يعلنون بهذا أنهم لا يحترمون دستورا و لا يخضعون لقانون. فالأيديولوجيا بطبيعتها ضد الديمقراطية ولا تعترف بها أصلا مهما كانت فصاحة خطبائها وكتابها الأفاضل. استمعنا كثيرا لمن يقول ” رؤية مصر فى المرحلة المقبلة ” والحقيقة أن كل ما قيل لا يندرج تحت الرؤيا لأن تعريف الرؤيا هو ” ما يجب أن يكون عليه المستقبل” فى جملتين أو ثلاث تتشكل من خلالهم الأهداف المرجو تحقيقها. وهذا التعريف للمستقبل تتحدد من خلاله طبيعة الدولة التي نأمل أن نعيش فى ظلها تحديد شكلها وملامحها وعقيدتها السياسية، وانطلاقا من ذلك التعريف تعلن أهدافا سياسية واقتصادية واجتماعية عامة وأخيرا تأتي الأهداف الفرعية فى التعليم والصحة، … إلخ. من الرؤيا بهذاالمعنى يبدأ الحديث وعندها ينتهي.
.Clear , precise and concise article. All starts and ends with a clear VISION