(CNN) –لا يمكنك تجاهل كارثتين مزدوجتين حلتا بشعبي سوريا والعراق، وهذا ما تنبه له الرئيس باراك أوباما مؤخرا، بعد أكثر من ثلاثة أعوام من انتفاضة للإطاحة بالديكتاتور السوري، بشار الأسد، تحولت لاحقا إلى حرب أهلية، أوباما الآن يطلب من الكونغرس تخصيص 500 مليون دولار لتسليح وتدريب المعارضة السورية المعتدلة.
فات الأوان، مات أكثر من 50 ألف سوري، إنه عدد مذهل، والوضع يزداد سوءا.
والآن العراق أصبح ساحة لاقتتال طائفي يهدد بكارثة إقليمية أكبر، فالجماعات المتنافسة والأيديولوجيات المتناحرة بحالة حرب، والجماعات الاكثر راديكالية تقاتل بإستماتة وتحقق مكاسب.
ما من مجال للشك بأن هذه أكثر الصراعات تعقيدا، ومن يفوز فيها هم الأشخاص الخطأ، ويعود ذلك جزئيا إلى تلقيها دعما لم تنل منه الأيديولوجيات المعتدلة حظا.
الأسد، الذي كان سقوطه محتوما، تلقى دعما من عسكريا من إيران وتعزيزات بشرية من جماعة “حزب الله” الشيعية اللبنانية، التي ساعدته في قلب موازين القوى بميادين القتال لصالحه. هدد أوباما بالتدخل عقب استخدام الأسد الأسلحة أسلحة كيماوية، لكنه تراجع بعد اتفاقية نزع الترسانة الكيماوية، لكن الأسد مستمر في ذبح المدنيين وبالآلاف.
وبالمقابل، معارضو الأسد الساعين للإطاحة به منقسمين بشدة ويتقاتلون فيما بينهم، المعتدلون تراجعوا أمام تقدم المتشددين من يتلقون دعما في شكل تبرعات من دول خليجية، لكن حتى العناصر المتشددة منقسمة على نفسها، فجبهة النصرة – ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، انفصلت عن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – داعش.
نجاح الجماعات المتشددة مرتبط بتعصبها الراديكالي، وكلما حققت تقدما اكتسبت المزيد من الدعم والإقبال على أيدولوجياتها وتعضيد كوادرها وأعدادهم، ومنظمات مثل “داعش”، التي ازدادت ثراء الآن، ليس لديها نية بوقف توسعها.
الحرب في سوريا تجاوزت الحدود لتطال، وعلى أسوأ طريقة ممكنه، العراق، ولا تهدد وجود تلك الدولة فحسب، بل باحتمال واقعي للغاية بتجذر دولة إسلامية متشددة عبر كل من العراق وسوريا، تكون قاعدة انطلاق لمهاجمة حلفاء أمريكا، الأردن في مقدمتها، ولتدريب الإرهابيين ووضع مخططات إرهابية.
ما من شك إيجاد “معتدلين” مهمة غاية في الصعوبة، وحقيقة أن لخطط أوباما البدء في تسليح المعارضة السورية المعتدلة خطورة، فالأسلحة قد تقع بالأيدي الخطأ، كما حدث من قبل، والتدخل، حتى غير المباشر، في حرب طائفية مشروع خطير.
الأزمة الراهنة تتضاءل امامها كافة الأزمات، يعتبرها خبراء بأنها الأخطر بالشرق الأوسط خلال العقود الأربع الماضي، حجم المعاناة الإنسانية مخيف، وما هو على المحك على الاستقرار الدولي، على المنظور البعيد، ضخم.. قرار الغرب بالنأي بالنفس أتاح بلورة أسوأ النتائج، وهو ما لا يمكن الدفاع عنه.
المأزق العراقي يبدو أكثر تعقيدا، فأمريكا تنأى عن الوقوف لأي جانب في حرب سنة شيعية، إرسال واشنطن لـ300 مستشار للعمل مع الجيش العراقي (غالبيته من الشيعة)، بجانب قرارها الآن تسليح المعارضة السورية المعتدلة (ومعظمهم من السنة)، وتسير بحذر محاولة عدم الانحياز لأي جانب، كما يجب أن تكون.
اضطرابات الشرق الأوسط قد تبدو كمنطقة كوارث ضبابية وبعيدة، لكن بالنظر للتاريخ، فأنها كالمعتاد تصل شررها قريبا من أمريكا وتفرض تغييرات على حياة الكثيرين بمختلف أنحاء العالم.
الحرب في سوريا جذبت بالفعل عددا من المقاتلين من الدول الغربية، من أمريكا وأوروبا.. سوريا والآن العراق أصبحا أراض لتدريب إرهابيين محتملين.
أجهزة الأمن الأوروبية أصابها الرعب بشأن تأثير ذلك على أمن أراضيها، وقال مسؤول أوروبي بارز في مجال مكافحة الإرهاب: “التهديدات الإرهابية لم تكن قط بهذا الحجم”، وبدوره قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، جيمس كومي، إن الآلاف من الأوروبيين توجهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب الإسلاميين، انضم إليهم عشرات الأمريكيين، وهناك انتحاري من فلوريدا فجر نفسه مؤخرا في سوريا.
بعض هؤلاء الجهاديين الدمويين يحملون جوازات سفر أوروبية وأمريكية ما يعني تجولهم بحرية بغالبية أنحاء العالم، سيعودون إلى الوطن، مؤخرا، اتهم فرنسي عائد من سوريا بقتل أربعة أشخاص في هجوم على المتحف اليهودي في بروكسيل.
التهديدات الأخيرة في امستردام تم التعامل معها بجدية بالغة في ظل مخاوف الاستخبارات الهولندية من عودة الجهاديين الهولنديين للوطن مشبعين بالأفكار الأيديولوجية الخطيرة، والعزم على تنفيذ هجمات ضد الغرب ونشر أفكارهم الراديكالية بين الجالية الهولندية المسلمة.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون التهديدات الوافدة من سوريا كـ”أعظم خطر نقف بمواجهته.”
أجهزة مكافحة الإرهاب تعمل على منع هجمات، والقتال في سوريا والعراق يدمر الحياة، ويفرز جيلا من المضطربين نفسيا الذين قد يسعون للانتقام . إدامة هذا الصراع تهدد بتمزيق الشرق الأوسط.
قد يكون من السهل أن نزيح بوجههنا بعيدا والإدعاء بأنها أزمة معقدة للغاية، ولا تخصنا لنتعامل معها، لكن التداعيات الإنسانية والأمنية يستحيل تجاهلها. أوباما اكتشف بأنه لا يمكنه تجاهلها، وهذا ينطبق علينا أيضا.