هذا المقال بقلم الكاتب أحمد عبد ربه

على عكس سلفه محمد مرسي، لم يضع السيسي برنامجا للمائة يوم الأولى من حكمه، كما لم يعلن عن توقيتات محددة لتنفيذ سياسات بعينها تاركا بورصة من التوقعات والتكهنات والتسريبات هنا وهناك. ولكن وبعد أن فات ما يزيد قليلا عن شهر منذ دخوله القصر رسميا، يمكننا رصد عشر ملاحظات رئيسية على تلك الفترة على النحو التالي:

لا عقل سياسي بعد في القصر!

حسب ما هو معلن لم يعين الرئيس حتى الان أي مستشار سياسي أو فريق مستشارين فى القصر، ورغم أن أسماء كثيرة كانت قد ترددت عن تولي شخصيات بعينها، الملفات السياسية الداخلية والخارجية، إلا أنه وحتى وقت كتابة هذه السطور لم يعلن رسميا عن أي اسم. قد يقال إن فترة شهر غير كافية لتشكيل الفريق الرئاسي، ولكن لا يبدو أن الأمر على أجندة الرئاسة خلال الفترة القادمة. وهو أمر ننبه لخطورته، لأن دولة مثل مصر لا يمكن أن تدار بالعقول الأمنية فحسب.

الثقة فى العسكريين!

كما كان متوقعا، مال الرئيس الجديد إلى مؤسسته ليعتمد على رجالها في شئون الحكم. اتصالا مع الملاحظة الأولى، فهذا الأمر فى حد ذاته ليس عيبا، لكن الخوف أن يكتفي الرئيس بهذه التعيينات العسكرية فحسب. فقد عين الرئيس اللواء عباس كامل مديرا لمكتبه، وهو نفس المنصب الذي شغله اللواء كامل حينما كان الرئيس وزيرا للدفاع، كما شغل العقيد أحمد على منصب سكرتير الرئيس للمعلومات وقد كان العقيد على متحدثا سابقا باسم وزارة الدفاع.

خطاب سياسي حازم وعاطفي!

لم يقم الرئيس بإجراء حديث منفرد مع أحد المذيعين حتى الأن بعد دخوله القصر، لكنه ظهر حاسما وحازما فى توجيهاته وإعلانه عن رغباته وخططه، كما مال إلى الجانب العاطفي مغازلا مشاعر المصريين الدينية فى أكثر من مناسبة. يلاحظ هنا أيضا أن الرئيس مال إلى استخدام مفردات عسكرية بحتة مثل لفظ “الاستدعاء” أكثر من مرة في إشارة إلى “انتخابه” من قبل الشعب، كما أنه يبدو غير متحفظ فى الإعلان عن نواياه أو تقديم طلباته صراحة إلى الشعب والمسئولين ورجال الأعمال. كلها أمور تعكس أنه مازال متأثرا بشدة بالثقافة العسكرية، ووجود طاقم سياسي بجانبه قد يكون أمر ذي أهمية في الفترة القادمة.

قرارات صادمة!

فى خلال شهر واحد من حكمه اتخذ الرئيس قرارا صادما برفع الدعم عن الطاقة، ورغم خطورة القرار المصحوب بجدل كبير حتى بين المتخصصين حول آثاره الاجتماعية والسياسية، إلا أنه بدا واثقا في قرارته وغير عابئ بردود الفعل. ويبدو أن الرئيس في ذلك يعول علي شعبيته، هذه الشعبية قد تخفف من صدمة القرارت للبعض بالفعل ولكن إلى متى وكيف؟.

لا مساس بالقوانين الجدلية!

فيما تكهن كثيرون قبل انتخابه أنه سيبادر بتعديل بعض القوانين المخالفة للدستور وعلى رأسها قانون التظاهر والذي تسبب فى حبس واعتقال كثيرين، إلا أن الرئيس أبقى على القانون حتى الآن ولم يمسه رغم مخالفته الدستورية الصارخة، كما لم يسع لتعديل قانون مجلس النواب رغم ما به من عيوب فنية كارثية ستؤثر حتما على شكل البرلمان بل والحياة السياسية بأثرها، ورغم مطالب القوى السياسية وشكواها من تلك القوانين إلا أن الرئيس لم يبد أي اشارة لتغير هذه القوانين!

إجراءات بناء الثقة؟ ليس بعد!

على الرغم من إشادته المتكررة بثورة يناير وشبابها رافضا تخوين ثوار يناير، فإن عددا كبيرا منهم تم القبض عليه منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بسبب مواقفهم السياسية وكذلك بسبب قانون التظاهر وغيره، وكان البعض يتوقع أن قرارا سياسيا بالإفراج عن المعتقلين من الشباب سيكون على رأس أولويات الرئيس المنتخب كإجراء لبناء الثقة المفقودة بين قطاع من الشباب والنشطاء وبين نظام ٣٠ يونيو، لكن لم يحدث بعد، فهل يتخذ الرئيس قرارا قريبا فى هذا الاتجاه أم يحافظ على إشادته بالثورة بينما قطاع من شبابها فى السجون؟

فرض القانون بحزم!

بدا الرئيس خلال الشهر الفائت من حكمه عازما على فرض القانون، وظهرت بعض الحملات الأمنية والمرورية لضبط الشارع المصري وانقاذه من فوضته العارمة، ورغم أن ذلك بكل تأكيد إجراء مطلوب ومحمود إلا أن هناك ملحوظتان يمكن ذكرهما بهذا الصدد، الأولى أن هذه الحملات بدت وكأنها من قبيل “شد الغربال” بحيث أنها تواصلت لعدة أيام ثم توقفت، مما أعاد بعض الفوضى مرة أخرى إلى الشارع، والثانية أن القانون بدا وكأنه بصدد التطبيق على الفئات الأقل حظا في المجتمع، مثل الباعة الجائلين، ولاشك أن استمرار حملات فرض القانون على الجميع بلا تمييز باعتبارها فعل اعتيادي وليس مجرد” شد للغربال” هو أمر من شأنه تعزيز مفهوم دولة القانون والعكس صحيح.

النيات وحدها لا تكفى!

أقدم الرئيس خلال هذا الشهر على أكثر من فعل رمزي، مثل زيارته للسيدة التي تعرضت للتحرش في التحرير، وركوبه الدراجة في ماراثون صباحي، وظهوره في أحد البنوك متبرعا لحساب “دعم مصر”، وعلى الرغم من الدلالات الإيجابية لمثل هذه الأفعال الرمزية، إلا أنها تبقى مجرد تصرفات تعكس حسن النية لكنها لا تضمن أبدا التنفيذ على أرض الواقع، فلا حارات مخصصة للدراجات في مصر، ومازال التحرش يحتاج إلى تطبيق أكثر حزما للقانون، أو ربما إلى قانون جديد أكثر شدة، أما التبرعات فحدث ولا حرج، فلا يمكن لاقتصاد دولة أن يقوم على التبرع هذا أولا، وثانيا تساءل كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور، ألم تفتح حسابات للتبرع سابقا؟ ماذا كانت النتيجة؟ الإجابة لا شيء، لأن الموضوع يتحول إلى مجرد “شو” إعلامي، وتنتفي معه أي آثار اقتصادية أو مجتمعية إيجابية طالما أنه لم يتحول إلى سياسة اقتصادية!

السياسة الخارجية: الاتجاه جنوبا

ولعل من أبرز عناويين هذا الشهر في حكم الرئيس هو زيارته الهامة لغينيا الاستوائية لحضور القمة الأفريقية وقبلها بزيارة سريعة للجزائر وما واكب ذلك من إنهاء تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي في مكسب للنظام السياسي الحالي، خاصة وأنه جاء مع إعلان مبادئ بين مصر وأثيوبيا على خلفية أزمة سد النهضة، أعاد ولو جزئيا الأمل في السيطرة على التهديد المائي الجنوبي لأمننا القومي.

الحريات محلك سر!

رغم أن قدرا من الحرية مازال موجودا، والدليل هو أن مثل هذه السطور مازالت تجد سبيلا للنشر، إلا أن مساحات التعبير تضاءلت بشدة في الفترة من ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى الآن في ظل آلة إعلامية تقوم بتصفية الحسابات السياسية بالنيابة عن النظام، وفى ظل قوانين وممارسات مقيدة لحرية الرأي والتعبير والحريات الأكاديمية، وفي ظل حوادث عنف سياسي لا يبدو أنها ستنتهى قريبا، مازال مناخ الخوف هو عنوان البيئة السياسية في مصر!

***

قطعا يظل مجرد شهر، لكن الأحداث فيه كانت متسارعة، وكما يمكن أن نلاحظ، رغم بعض الإيجابيات وخصوصا في ملف السياسة الخارجية، إلا أن ملفات كثيرة داخلية مازالت معلقة ولا ندري هل التعليق من باب التروي قبل اتخاذ القرار أم أنه حسم للأمور بالسكوت عنها؟ نتمنى الأولى ونخشى من الثانية!

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *