كتب عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط:
في خطوة غير متوقعة، تجرأ رئيس الائتلاف السوري الشيخ أحمد الجربا على ملاقاة زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي التي يعتبرها النظام الإيراني خطا أحمر، لا يجوز التعامل معها. كلاهما يتفقان على معاداة نظام الحكم في طهران ويطمحان لقيادة بلديهما نحو مستقبل أفضل. الجربا قد يكون أكثر حظا في الوصول إلى عاصمته دمشق، أما السيدة رجوي، التي تحارب بلا كلل منذ خمسة وثلاثين عاما، مهمتها صعبة والأرجح أن تمضي بقية عمرها في باريس.
أما لماذا هي خطوة ذكية فلأنها أول رد عملي ضد النظام الإيراني الذي يقود فعليا الحرب في سوريا، ويمولها بالدم والمال الإيرانيين، ولم يعد هناك مبرر للمعارضة السورية أن تحترم شيئا عند التعاطي مع القيادة الإيرانية. المهندسة مريم رجوي هي أكثر الشخصيات التي تؤذي النظام الإيراني، وقد عجز عن القضاء عليها. وتستمد قوتها من قيادتها حركة مجاهدي خلق، التنظيم الحديدي الجامع لليسار والإسلام. وخلال ثلاثة عقود لم تتجرأ كل الأنظمة العربية، باستثناء صدام حسين، على دعم الحركة.
ما الذي بقي في العلاقة مع إيران يمكن احترامه، وهي المسؤولة عن معظم مشاكل المنطقة؟ وسوريا تحديدا هي أعظم جرائم نظام طهران المسؤول عن مأساة مئات الآلاف من القتلى والجرحى، ولولا الدعم الإيراني لكان نظام بشار الأسد قد سقط مبكرا. دعم يكلف الشعب الإيراني مليارات الدولارات، وآلافا من أبنائه، والنتيجة ستكون خيبة كبيرة له. فنظام الأسد يشابه نظام صدام حسين في العراق، الذي رغم كل ما امتلكه من سلاح، وأجهزة قمع، خسر الحكم في الساعة الأخيرة.
ما الذي يستطيع أن يفعله الجربا من أجل المقاومة الإيرانية؟
سألت أحد المهتمين: ما أهمية هذه الجماعة البيعية التي تعيش في أوروبا؟ قال، عدا عن تسليط الضوء على حركة مجاهدي خلق، وإعادتها للمنطقة بعد أن أسكتها الأميركيون وتخلوا عنها بعد احتلالهم العراق، فإن المعارضة السورية تستطيع إقامة علاقة خاصة معها، فـ«مجاهدي خلق» جماعة مدربة قادرة على تهديد النظام الإيراني. وطالما أن نظام بغداد يريد التخلص من معسكر أشرف في العراق، وسكانه من مجاهدي خلق، فالمتوقع نقله لسوريا في وقت لاحق. وهناك الآلاف من منتسبي مجاهدي خلق غيرهم ينتمون للحركة في أوروبا والولايات المتحدة، كل هؤلاء قادرون على التحالف مع المعارضة السورية لمحاربة النظامين السوري والإيراني. يقول إن التعاون معهم قد لا يغير ميزان القوى لكنه يعطي إشارات مهمة، الأولى: أن على حكومة طهران أن تدرك أن دعم الأسد له ثمن سياسي، والتحالف مع مجاهدي خلق ضمن ذلك. والإشارة الثانية: أن المعارضة السورية ليست طائفية، وتعي طبيعة الاستخدام الديني من قبل الحكومة الإيرانية، وعندما يضع الجربا يده في يد المعارضة الإيرانية يبرهن على أنه ليس ضد الشعب الإيراني، وليس ضد الشيعة، بل ضد نظامين شريرين في دمشق وطهران. والثالثة: الرد على قيام المخابرات الإيرانية بدعم المعارضة السورية المزورة الموالية للنظام، كبديل للمعارضة السورية الحقيقية، ممثلة بالائتلاف والجيش الحر.
كل أنظمة المنطقة تعاني بدرجة ما من معارضة ضدها، إلا أن إيران التي تستخدم «معارضات» دول المنطقة هي في الواقع دولة من زجاج؛ فهي الأكثر تهديدا من داخلها، ففي إيران قوى كثيرة تختلف مع النظام وتنشط ضده، وإن كان القليل يظهر عنه في الإعلام. المعارضة الرئيسة «مجاهدي خلق» هي الأقدم والأكثر تنظيما. حركة أفرادها متغلغلون داخل النظام نفسه، ويملكون خزانا بشريا كبيرا من الإيرانيين المهاجرين واللاجئين في الغرب. وهناك معارضة الأقليات من عرب وأذريين وبلوش، وكذلك الأكراد الأقوى والأكثر نشاطا عسكريا في شمال غربي البلاد. وباجتماع الجربا بالسيدة رجوي يكون قد أنهى قطيعة عربية مع المعارضة الإيرانية، ويفتح الباب لبقية المعارضين الإيرانيين للتواصل معه.