كتب محمد السماك في جريدة المستقبل:

تنقل هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في كتابها الجديد «الخيارات الصعبة Hard choices« القصة التالية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين:

أثناء الحرب العالمية الثانية كان والد بوتين جندياً في الجيش الروسي. وبعد أسابيع طويلة قضاها في الجبهة، حصل على اجازة تسمح له بالعودة إلى مدينته «لينين-غراد»، والتي أصبحت الآن تعرف باسمها الاساسي سان بطرسبرغ.

وتقول القصة انه ما ان وصل إلى الشارع الذي يقع فيه منزله، حتى رأى شاحنة عسكرية محملة بالجثث ومتوقفة إلى جانب الطريق الرئيس. فقد كانت قوات الحلفاء قد قصفت المدينة عشوائياً مما ادى إلى سقوط العشرات من القتلى المدنيين. جرى تجميع الجثث في الشاحنة تمهيداً لنقلها إلى مقبرة جماعية أعدت لهذه الغاية في ضاحية المدينة.

وقف والد بوتين أمام الجثث المتكدسة في الشاحنة المكشوفة حزيناً ومتأثراً. ولاحظ ان حذاءً في رجل جثة سيدة يشبه حذاء سبق أن اشتراه لزوجته. فتوجه نحو بيته مسرعاً للاطمئنان إلى زوجته. غير انه سرعان ما تراجع عن ذلك، وعاد إلى الشاحنة من جديد ليتفحص جثة صاحبة الحذاء، فإذا بها زوجته!!

لم يشأ الزوج الحزين ان تدفن زوجته في قبر جماعي، ولذلك طلب سحب جثتها من الشاحنة لنقلها إلى منزله تمهيداً لدفنها بشكل لائق. ولكن خلال عملية النقل تبين له ان زوجته لم تمت، وانها لا تزال تتنفس ببطء وبصعوبة.. فحملها إلى المستشفى، حيث أجريت لها الاسعافات اللازمة واستعادت حياتها من جديد.

ويتابع بوتين رواية القصة فيقول: انه بعد عامين على هذا الحادث، حملت الزوجة التي كادت أن تدفن حية.. ووضعت صبياً اسمه فلاديمير بوتين!!

هنا تنتهي القصة لتبدأ عملية التساؤل:

ماذا لو ان السلطات العسكرية السوفياتية لم تمنح والد بوتين اجازة للعودة إلى مدينته؟ وماذا لو لم يعد في ذلك اليوم من الجبهة إلى بيته؟ ماذا لو لم يمر في الشارع الذي كانت تتوقف فيه الشاحنة؟ ماذا لو تأخر قليلاً وتحركت الشاحنة إلى المقبرة الجماعية؟ ماذا لو لم يلاحظ الحذاء في رجل «جثة» تلك السيدة؟ أي تاريخ كان لروسيا اليوم؟ واي دور كان لها في الشيشان وفي سوريا، في جورجيا واوكرانيا؟ وأي علاقة كان يمكن أن تقوم بين الكرملين والاتحاد الاوروبي.. والولايات المتحدة؟ وهل ان لقصة ولادة بوتين التي يرويها هو نفسه، اي تأثير على شخصيته وعلى سلوكه وعلى قراراته؟

لقد استطاع بوتين تغيير النظام العالمي الذي قام بعد الحرب الباردة. بدأت عملية التغيير في الشيشان قبل خمسة عشر عاماً من انفجار الأزمة الأوكرانية.

ففي عام 1998 تولى بوتين مسؤولية جهاز المخابرات السرية. وصودف ذلك مع بداية الانتفاضة الاولى في الشيشان التي لا يزيد عدد سكانها على المليون شخص. عهد إلى بوتين معالجة الانتفاضة، ولكن خلافاً لنصائح الكرملين باعتماد الدبلوماسية الاستيعابية، لجأ إلى أقصى درجات العنف وحفر خندقاً من الدم بين الروس والشيشانيين الذين كانوا يطالبون بحكم ذاتي في ظل الكرملين.

لم يكن هدف بوتين معالجة الازمة الشيشانية، بل كان هدفه استخدام الازمة سلماً للوصول إلى السلطة. ويكشف ذلك كتاب جديد صدر في لندن منذ أسابيع عنوانه «الحرب الدبلوماسية السرية في الشيشان»، للمؤرخ نيقولاس دانيلوف والياس احمدوف (الصادر عن دار ماكميلان).

ويبين الكتاب كيف ان اصلان مشخادوف الذي انتخب في عام 1997 رئيساً لاقليم الشيشان كان يعارض التطرف الديني ويتطلع إلى ان يجعل من الشيشان دولة مدنية ديمقراطية تتمتع بالحرية، وذلك خلافاً للصورة التي كانت المخابرات الروسية بقيادة بوتين تصر على تصويره بها، وهي انه قائد حركة تمرد تتوسل «الوهابية» عقيدة وهدفاً.

ويبين الكتاب ايضاً ان مشخادوف كان يسعى لتحقيق تفاهم سياسي مع الكرملين، وانه كان يدعو لوقف الاشتباك باسرع وقت وبأي ثمن من أجل التوصل إلى تسوية سلمية. ولقد وثقت هذه التطلعات بالصوت والصورة في تسجيلات مؤرخة في 18 نيسان ابريل 2002. وفي عام 2005 ارسل مشخادوف رسائل رسمية بذلك إلى كل من مبعوث الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والى مجموعة دول موسكو هلنسكي التي اعتبرت قرار مشخادوف بوقف النار من جانب واحد ليس فقط تأكيداً لحسن نواياه بل فرصة تاريخية يجب ان لا تفوت. الا ان بوتين كان دائماً يرفض أي بحث في هذه المبادرات السلمية. وما فعله كان على العكس من ذلك، اذ قتل مشخادوف وعرض جثته نصف العارية في الساحات العامة في مدن الشيشان انتقاماً وترهيباً، مما أثار ردود فعل انتقامية شيشانية عنيفة.

فرئيس جهاز المخابرات السرية الروسية لم يكن يريد تسوية لأزمة الشيشان، ولكن كان يريد توظيف الازمة سياسياً، كما يؤكد الكتاب. فقد شهدت روسيا في تلك الفترة سلسلة من الاعمال الارهابية ذهب ضحيتها نحو 300 شخص اتهم الشيشانيون بارتكابها! ولكن الصدفة شاءت أن تكشف عن حقيقة ما جرى، فقد وقع انفجار آخر في مبنى سكني في بلدة رايزان الروسية اتهم الشيشانيون كالعادة بارتكابه، ثم تبين ان عناصر من جهاز المخابرات الذي يترأسه بوتين نفسه كان وراء الحادث!!

ينقل كتاب الحرب الدبلوماسية السرية في الشيشان نص تسجيل بصوت الرئيس الشيشاني السابق مشخادوف لدى وقوع عملية بسلان في عام 2005 حيث احتجز عدد من الروس كرهائن، يقول فيه: «انه في كل مرة نطلق فيها مبادرة للتسوية تقع عملية ارهابية تجهضها». فهل كانت المخابرات الروسية برئاسة بوتين مسؤولة عن ذلك؟.

لقد نجح بوتين في أمرين. الأمر الأول هو تصوير الشيشانيين بأنهم ارهابيون يشكلون خطراً على أمن وسلامة ووحدة روسيا. والأمر الثاني هو تصوير نفسه على انه القائد المخلص لروسيا من الارهاب الشيشاني (الاسلامي المتطرف) وذلك في الوقت الذي كان الرئيس الروسي بوريس يلتسين يعاني من سلسلة من الأزمات القلبية المتلاحقة إلى ان وافته المنية.

وهكذا استطاع بوتين ان يشق طريقه إلى الكرملين عبر الشيشان التي دمر بلداتها وقراها على وقائع السيناريو ذاته الذي تعرفه سوريا اليوم ايضاً.

ان مراجعة سيرة بوتين في الشيشان تفسر أبعاد موقفه في سوريا، فالمخابرات هي التي تحكم روسيا.. والمخابرات هي التي تحكم سوريا. والمدخل إلى الحكم هنا وهناك واحد، وهو صناعة التطرف الديني ومن ثم محاربته، والهدف واحد هو السلطة والبقاء في السلطة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫3 تعليقات

  1. ثكلتتك امك ههههه هلىئ فهمت اش معناها يا ريتها كانت ثكلتك وريحتنا من خلقتك وافكارك المشيطنه او ابوك كانت اجتو شظيه بنص خلقتو ومات يبلى بجهنم على هيك تربايه تقولو مربي مع الشيااااطين
    كانكو عم تحكو عن المنشار والهااااالكي والخرامنئي
    اصلا هم صناعه روسيه واصل البلا الله ياخدهم جماعه بجاه رب العالمين

  2. صناعة التطرف الديني ومن ثم محاربته، والهدف واحد هو السلطة والبقاء في السلطة.
    ==================================
    هذا مبدأ الكثير من دول العالم كما في حادثة 11 سبتمبر مثلاً

  3. نعم التطرف يصنع ثم يحارب,هل تعلمون لماذا؟لاستمرار انتاج وترويج بيع الاسلحة فهي تجارة رابحة جدا.التاجر الطماع لايهمه حياة الناس همه الوحيد زيادة رأسماله وارباحه وكأنه سياخذ هذة الاموال للقبر.انه مرض نفسي اسمه الطمع.يحكم هذا العالم ويسيطر عليه كم واحد مريضين نفسيين للاسف.وهؤلاء الحكام الظالمين يستفيدون من الوعي المتدني للانسان المتخلف ويسيطر عليه.لذلك فشلت الثورات العربية,لان الوعي اهم عنصر لنجاح اي انتفاضة.هناك معطيات لفشلها.اذا لم يفصل الدين عن الدولة لايمكن ان تنجح ثورة.وانت يا هيلاري كلينتون لست افضل من بوتين , نفس التشكيلة

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *