كتبت سوسن الابطح في الشرق الأوسط:
ما شهدته طرابلس يصل إلى مستوى الفضيحة. يصعب على المواطن، مهما بلغت سذاجته، أن يبتلع مهانة بهذا الحجم من الفداحة. الفرح الغامر بنجاح الخطة الأمنية وتبخّر المسلحين من «جبل محسن» و«باب التبانة» خلال ساعات فقط، بعد سبع سنوات من الاقتتال والسفك وترويع المدينة، وكأن شيئا لم يكن، ومئات الأشخاص لم تهدر دماؤهم، لا يخفي المرارة العلقمية، والإحساس العارم بالخديعة.
«ما بين غمضة عين وانتباهتها» صارت طرابلس آمنة. تبين، فجأة، أن بمقدور السياسيين حلّ أكبر معضلة في لبنان، في لمح البصر. طرابلس التي تابع مصيبتها القاصي والداني، على مدى سنوات، لم تكن إذن أكثر من مناورة رخيصة تنتظر كلمة سحرية من أصحاب الحل والعقد.
«الحل جاء بفضل اتفاق تم بين 8 و14 آذار»، يخبرني أحد الذين حضروا الاجتماعات. أبلغ رفعت عيد في جبل محسن ووالده علي من قبل حلفائهما بأن عليهما أن يختفيا من المشهد، وتكفل الفريق الآخر بإبلاغ قادة المسلحين في باب التبانة بأن اتفاقا قد حصل، وأن مذكرات توقيف ستصدر بحقهم، وأن الجيش سيدخل باب التبانة، ويجمع السلاح، ومن يعاند سيكون وحده كبش محرقة.
يقول لي محدثي: «حين اعترض بعض قادة محاور باب التبانة مطالبين، أولا، بالقبض على رفعت وعلي عيد، ومحتجين لتركهما يهربان مع 15 من مسلحيهم الكبار، أجابهم أحد المسؤولين: (ولماذا لا تفعلون مثلهم؟)». ولحبك الخطة كان على المشايخ أن يسهموا في ترتيب المخارج. عقدت اجتماعات، ودبجت وثيقة شرعية تضمنت تعهدا بعدم التعرض للجيش اللبناني. وأعلم مسلحو باب التبانة أن الخطة الأمنية ستبدأ من جبل محسن، مما يمنحهم بحبوحة ساعات إضافية، لتدبير أمورهم والاختفاء.
يخبرني محدثي بأن الخطة في أساسها اعتمدت على «بث الذعر» بين المسلحين، وإفهامهم بأن اللعبة انتهت. قطع عنهم تمويل الأسلحة ثم رفع الغطاء السياسي، واستجيب لبعض شروطهم ومطالبهم التي تسهل حياتهم بعد التواري.
أحد النافذين في جبل محسن يسرّ بالقول: «هذه المجموعات المسلحة في باب التبانة كذبة، كذبنا على أنفسنا وصدقناها. هؤلاء مساكين. من صنعهم كان بمقدوره أن ينهي دورهم، وهذا ما حصل تماما. أدرك رفعت عيد أن تركه للمشهد بات ضروريا بعد أن اختنق جبل محسن بمن فيه من شدة الحصار. الناس يريدون أن يعيشوا، وجماعتنا يقدرون أهمية الخطوة التي اتخذها».
بفضل هذا الاتفاق الجهنمي تمكن الجيش من دخول أزقة باب التبانة وجبل محسن، وإزالة كل التحصينات والدشم، ومداهمة البيوت الفارغة من مسلحيها. وحين تسأل عن مخازن لأسلحة يقال إنها موجودة بالأطنان في الجانبين، يأتي الجواب على الطريقة اللبنانية: كل طرف خبأ الجزء الأكبر منها بحيث يبقي على ذخيرته. القرار يقضي بجمع بعض السلاح، أما وضع اليد على مخازن كبرى فهذا يحتاج إلى قرار أكبر، لأننا هنا نتحدث عن قضية لبنانية مركزية، لا عن وضع منطقة أو مدينة. فكل حزب أو تيار في لبنان له أسلحته ومخازنه وعتاده، وبالتالي، لا اتفاق بعد على تسليم كل هذه الجهات ما في جعبتها. هذا أمر متروك لما سيتم الاتفاق عليه حول طاولة الحوار الوطني.
نكتشف أيضا أن الأشخاص المطلوب توقيفهم ويعتبرون من الخطرين هم 120 شخصا في طرابلس كلها، لكن المسلحين في الجانبين يصلون إلى 4 آلاف، ومن كانوا يملكون تحريك الساحة جديا في باب التبانة لا يزيدون على عشرة، فيما قرار الجبل بيد الحزب العربي الديمقراطي منفردا. هذا ما جعله يتماسك حتى اللحظة الأخيرة رغم كل ما مورس عليه من ضغوط. أما في باب التبانة فقد فعل التمويل فعله. كل بات يريد أن يصبح قائد محور وصاحب مجموعة مسلحة، كي يغتني. فالبذخ الذي عاشه قادة المحاور فتح عيون المقاتلين الصغار على مصادر رزق يمكنها أن تخرجهم من أقبيتهم الرطبة. هذا الطمع المتمادي جعل التمرد سمة، تهدد بانفلات لا تحمد عقباه، مما شجع على التسريع باتخاذ قرار حاسم وسريع للتخلص ممن باتوا عبئا ثقيلا على أصدقائهم قبل أعدائهم.
لكن هل توقف عداد الموت في طرابلس؟ المقاتلون الذين أحيلوا إلى التقاعد قسرا يسخرون من الكلام عن انتهاء المعارك. إنها هدنة في نظرهم، فمن احتاجهم في المرة السابقة سيجدهم ضرورة، في مناسبات مقبلة. يهزأ أحدهم وهو يقول: «ماذا لو بقي سياسيو طرابلس على تشرذمهم عند الانتخابات، لمن سيلجأون وكيف سيتدبرون أمورهم؟ لا غنى لهم عنا».
ما صرف على قتل الطرابلسيين وتخريب بيوتهم، وتدمير مصالحهم، في السنوات الأخيرة، تجاوز مليارات الدولارات. وهو ما كان يمكن أن يحول المدينة إلى نيويورك ثانية. هذه ليست سياسة أيها السادة الوزراء والنواب، إنها جريمة موصوفة يجب أن يعاقب عليها القانون. في المقابل مائة مليون دولار فقط خصصت لإنماء طرابلس لا تزال تغص بها خزينة الدولة. قادة المحاور من التبانة والجبل يترقبون أول فرصة ليخرجوا من جحورهم ويستأنفوا قتلهم، ومسلحوهم الصغار ينتظرون على أحر من الجمر عودتهم إلى أشغالهم القذرة. الخطة التي طبقت على طرابلس – رغم إيجابيتها – لا تخطر إلا على بال شياطين. وهي لا توحي بالثقة. ومن يريد حقا التكفير عن ذنبه، وإخراج طرابلس من كارثتها، يتوجب عليه أن يجعل باب التبانة وجبل محسن وغيرهما من الأحياء الفقيرة البائسة خلية عمّال يكسبون رزقهم بعرق جبينهم، لا بحرمانهم وإذلالهم ومن ثم إغرائهم بقتل جيرانهم الذين يفوقونهم فقرا مقابل حفنة من الدولارات.
واضح ان جرى إتفاق بين الكبار على مستوى المنطقة لذلك تحلحلت قصه طرابلس و رفعت عيد بنفسه ترك جبل محسن و جماعة 8 آذار و14 آذار ما هني إلا إنعكاس لرغبات الكبار لكن الهيئة السعودية في عندها ملاحظات على الإتفاق