(CNN) — يصف بعض المتابعين المشهد الانتخابي السوري لـCNN بالعربية بـ”الغرائبي”، فإلى جانب مايعيشه اليوم من مآسٍ تحت ضغط ظروف الحرب، وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية؛ وجد المواطن السوري نفسه للمرة الأولى يتجوّل بين عشرات الملصقات، والصور واللافتات، التي تحثّه على المشاركة بانتخاباتٍ رئاسية مرتقبة، في بلدٍ لمّ تنتهي أزمتها بعد، وتحاول إقناعه بالتصويت، والاختيار بين ثلاثة مرشحين رئاسيين، وهو ما لم يعهده من قبل، بعدما اعتاد العيش لسنوات “تحت ظل حكم حزبٍ واحد، وقائد واحد”، وكان عليه فقط أن يذهب للاستفتاء على استمراه بالحكم، أو “مبايعته” لسبع سنواتٍ جديدة، لكنّه اليوم، مطالب بالاختيار، الذي تراه الحكومة حقّاً وواجباً فرضه دستور سوريا الجديد 2012، فكيف يتلقى السوريون اليوم هذه الحملات الانتخابية؟ وهل تروق لهم فكرة الانتخابات ضمن الظروف الحالية؟ سؤالين حاولنا البحث عن إجاباتهما في دمشق، بانتظار موعد الاستحقاق الرئاسي في 3 حزيران/ يونيو 2014.
يقول وليد أحمد ، خرّيج علوم سياسيّة، للموقع، إن شعوره إزاء رؤية صور مرشحي الرئاسة الثلاث، وحملاتهم الانتخابية تملأ شوارع دمشق: “مختلف عن كل المرّات السابقة، خاصّة أننا كنّا نتعامل طيلة السنوات الماضية مع فكرة (الاستفتاء على مرّشح واحد)، وليس انتخابات يتنافس فيها عدة مرشحيّن، سابقاً لم نكن نرى سوى صورة (سيادته) في كل مكان، يبدو الشعور مختلفاً هذه المرّة، ليس سلبياً أو إيجابياً بالنسبة لي، لكنّه غريب، سيناريو جديد، لمسرحيّة جديدة، لم نعهدها من قبل.”
وحول تفاصيل تلك الحملات، وما لفته فيها، وصف وليد حملة المرشح الرئاسي حسّان النوري، بالـ”غبيّة”، على حد قوله، فرغم تركيزه على الوجع الاقتصادي، ورفعه شعاري الاقتصاد والتنمية، لكن هذا لا يعني أن يرفع شعارات تبدو غير مفهومة بالنسبة لنا كـ(الاقتصاد الحر الذكي).” على حد قوله، وبالمقابل يرى حملة ماهر حجّار: “أذكى لجهة مخاطبتها لمشاعر الناس”، ويوضح قائلاً: “استوقفتني كثيراً عبارة (من مات في سبيل غاية نبيلة فهو شهيد)، ربما استطاع حجّار من خلال هذا الشعار أن يثير بأذهاننا الأسئلة حول مفهوم الشهادة والتضحية في ظل الحرب التي تشهدها البلاد، فهل يبرأ بذلك كل ضحاياها؟ أم لا يعتبر أيّاً منهم شهيداً؟”
ويجد وليد أحمد أن حملة بشار الأسد الرسميّة: “احترافية، على مستوى التنظيم، وفي استفادتها من مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامها لشعار (سوا)، الذي يمكن أن يرتبط بالكثير من المرادفات، بدأت بالظهور تباعاً كـ(سوا أقوى)، (سوا بيرجع الأمان)… وهكذا.”، لكن لم يرق لوليد: “إدارج توقيع الأسد على الحملة، والصور الرسمية التي ظهر فيها مبدئياً ضمن إطار الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ينظر إمّا لليمين، أو اليسار، أو يضع النظّارات الشمسية، وكأنه لايريد النظر إلينا مباشرةً !!.”
ولازال وليد أحمد متردداً في اتخاذ قرار الاقتراع في الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، فبغض النظر عن إحساسه بأن “النتائج معروفة، ومرتبّة مسبقاً”، يتساءل: “منَ لديه وقت للمشاركة في الانتخابات وسط تفاصيل ما نعيشه يومياً من جرّاء الحرب؟، فبالنسبة لي كمواطن سوري أبحث عن ضمانةٍ لي في هذا البلد؛ لا أعوّل على النظام، بقدر ما تخيفني المعارضة التي يبدو وضعها كارثياً، ثمّ هل لدينا الوعي الكافي كشعب، لندخل في العملية الديمقراطية؟، بينما تتراكم لدينا رواسب المناطقية، والطائفية، أتمنى من أحد المرشحين الثلاث أن يخاطبني بصراحة، ويعترف بهذه المشاكل والعقد التي نعاني منها، ويكون لديه برنامج واضح، يخلصنا منها، وسأتوجه لانتخابه دون تردد، كما أرغب برؤية مرشحي الرئاسة في مناظراتٍ تلفزيونية، وإذاعيّة.”
ظهور مرشَّحَي الرئاسة الجديدين، لم يتأخر طويلاً على قنوات الإعلام المحلي السوري، حيث ظهر النوري في مقابلةٍ على الفضائية السوريّة، وتلاه ماهر حجّار بمقابلةٍ أجرتها معه قناة “الإخبارية السوريّة”، ثم تكرر ظهورهما على قنواتٍ سوريّة، وأخرى عربية، وعالمية من بينها شبكة CNN.
إلا أن الظهور التلفزيوني الأول لكلا المرشحين في المقابلتين على الإعلام الرسمي؛ حظي بالنصيب الأكبر من ردود الأفعال في أوساط السوريين، عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تراوحت بين “التندّر” حول ماقاله النوري، خاصةً حينما أعرب عن سعادته بتصديق الناس لكونه مرشّح رئاسي، و”الإعجاب” بجرأة إجابات حجّار، وطريقة تعاطيه “الحاسمة” مع أسئلة المذيعة التي تدير الحوار، واستفزازها المتكرر له، ومحاولات التقليل من شأنه، ورأى الكثير من المتابعين أن الظهورين التلفزيونيين الأولين للمرشحين الرئاسيين كان أقرب إلى “جلسات التحقيق” على الهواء، وقوبل بانتقادات شديدة اللهجة للإعلام السوري، حفلت بها تدوينات السوريين عبر “فيسبوك” بهذا الخصوص، ومن الملفت أن بينهم مؤيدون للأسد، وجدوا أنه من الواجب أن يعامل المرشحون الرئاسيون الثلاث، على ذات القدر من الاحترام، باعتبارهم يتمتعون بالحقوق ذاتها بحسب الدستور، وقانون الانتخابات، وتساءل البعض هل سيكون الحال مشابهاً فيما إذا استضافوا الأسد لسؤاله عن برنامجه الانتخابي؟
ويبدو السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جريئين في تعاطيهم مع الحملات الانتخابية الرئاسية، سواءً بأخذها على محمل الجد، أو التهكّم منها… ذلك في العالم الافتراضي، ولكن ماذا عن العالم الحقيقي؟ يقول الصحفي ماهر المونس لـ CNN بالعربية: “أجريت مؤخراً استطلاعاً لآراء الشارع الدمشقي حول الانتخابات التي تجري للمرة الأولى، خلال سنواتي الست والعشرين التي قضيتها على تراب هذا البلد، واللافت هو تهرّب الكثيرين من الإجابة، البعض تحجج بالانشغال، وآخر قال إنه لا يحب السياسة، وثالث أدعى عدم مشاهدته لأي حملة انتخابية لأحد، وفي المحصّلة لاحظت من خلال رصدي ومتابعتي الصحفية نموذجين من الناس داخل مدينة دمشق؛ النموذج الأول هو المتحفظ، أو المتهرّب، أو من لا يريد الانتخاب، والثاني موالي ومؤيد للمرشح د. بشار الأسد، وبطبيعة الحال لا يمكن تعميم هذين النمطين على باقي المدن والمحافظات السوريّة.”
وهنا نشير إلى غياب لافتات الحملات الإنتخابية وصور مرشحي الرئاسة السورية الثلاث، على طول الطريق الدولي الرابط بين دمشق، وحمص، والذي شهد أحداثاً ساخنة، في معارك القلمون طيلة الأشهر الماضية، وكأن وهج الانتخابات ينطفيء بمجرد مغادرة العاصمة السورية، ليقتصر المشهد على نقاط التفتيش، وآثار الحرب، والدمار الذي خلفته، ثم تطالع المسافر الحملات الداعمة لـ بشار الأسد فقط لدى مروره بطرق التفافية حول حمص، وصولاً إلى مدينة حماة في وسط سوريا أيضاً، والتي تشهد حياة مستقرة نوعاً ما، وهنا يعود المشهد “الانتخابي التعددي” مجدداً، بظهور صور المرشحين جنباً إلى جنب، ولكنٍ بزخمٍ أقل من العاصمة، والحال يبدو مشابهاً في مدن الساحل السوري، مع بروز الدعم الكبير للأسد، عبر الحملات غير الرسمية التي تعبر عن دعمها له.
وحول ما إذا كانت فكرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية تروق للشارع السوري اليوم؟ يجيب ماهر “من مشاهداته” كصحفي قائلاً: “فكرة الانتخابات تروق لأي مجتمع مستعد لها، لكن برأيي المناخ السياسي داخل البلاد ليس مهيئا لها بعد.” ويختم بالقول: “سمعت على إذاعة محلية محسوبة على الحكومة؛ رأياً لإحدى الشخصيات الموالية، قال فيه: (إن لم تكن هذه الانتخابات مقنعة، لكنها “بروفا” جيدة للمرات القادمة)، مع ذلك، برأيي لم تكن هذه “البروفا” معدّة بشكل جيد.”