كتب جهاد الزين في النهار اللبنانية:
يكاد المراقب بدون أية مبالغة يجزم بأنّ معيار تأكيد أن إقصاء “الإخوان المسلمين” موجةٌ جديدةٌ في الثورة وليس ارتدادا عنها، هو في المستقبل القريب الآتي موقفُ الشباب على المستوى الشارعي من حيث أهمية الديناميكية التي يمثّلونها ويقودونها، وموقفُ المثقّفين من حيث الأهمية الرمزية.
إذا سارت الأمورُ وفق التبسيطِ الحسنِ النيّةِ يكون التحالف الواسع الذي يضم الجيش والبيروقراطية المصرية والشباب والليبراليّين واليساريّين ومشيخة الأزهر والكنيسة القبطية والمثقّفين مدعوماً من المملكة العربية السعوديّة ومعظم الخليج قد هزم “الإخوان المسلمين”، وبالتالي فإن السلطة العسكرية ستغادر مواقع القرار السياسي تاركةً إيّاه للمدنيين وفق “خارطة الطريق” التي أُعلنت بعد تظاهرات 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسي.
لكن السؤال الأكثر واقعيّةً هو ما هي حدود السلطة العسكرية في النظام الجديد لأن “التسلّم والتسليم” المنتظَر بعد هزيمة “الإخوان” بين المدنيّين والعسكريّين لن يحصل بدون تعقيدات حتى لو كان وزير الدفاع وأركان قيادة الجيش المصري صادقين في عدم وجود أي طموح إلى الحكم لديهم وحتى – وهذا هو الأهم – لو أن القوى الاجتماعية الواسعة من الطبقة الوسطى في المدن ولاسيما الشباب، التي خرجت ضد الاستبداد واحتكار السلطة السياسية في 25 يناير، لم يعد ممكنا أن تقبل حكما عسكريا.
لا شك أن التحدّيات الأمنيّة ستظل كبيرةً أمام الجيش المصري في المدى المنظور، لكن بدء التفكير بإعادة السلطة المدنية يمكن أن يكون من اليوم مسألة يومية وحاضرة وقوية.
لفت نظري قولُ الروائية المصرية أهداف سويف في حوار مع جريدة “ديموقراسي ناو”: “إننا نحاول، وسط بحر الدم، أن نحافظ على بقاء خطاب الثورة حيّاً”.
ربما كان هذا التصريح إحدى بدايات إعلان المثقفين المصريين الذين انخرطوا بحماس في ثورة “ميدان التحرير” عام 2011 ووقفوا مع الحركة الشعبية التي غطت إقصاء “الإخوان المسلمين”… إعلانِهم هواجسَهم من خطر عودة شكلٍ من أشكال النظام الأمني السابق لـ”ميدان التحرير” إلى الحكم.
لم يتحوّل هذا الهاجس الثقافي بعد إلى مَعْلمٍ سياسي. وسيكون رصد مواقف الشباب الأكثر تأثيراً في الشارع من المثقفين غاية في الأهمية لا فقط في ضبط أي جنوح أمني وإنما أساسا في الضغط لمنع هذا الجنوح. ويكاد المراقب بدون أية مبالغة يجزم بأنّ معيار تأكيد أن إقصاء “الإخوان المسلمين” هو موجة جديدة في الثورة وليس ارتدادا عنها، هو موقفُ الشباب على المستوى الشارعي من حيث أهمية الديناميكية التي يمثّلونها ويقودونها، وموقفُ المثقّفين من حيث الأهمية الرمزية (وقد أقول “الضميرية”). هنا يتركّز (ويتأكّد؟) المعنى المدني لما أسماه الديبلوماسي والباحث السياسي المصري ياسر علوي في ورقةٍ أعدّها مؤخّراً “الموجة الثالثة… لتعميق الطابع المدني والديمقراطي للثورة في مواجهة نظام فاشي بديباجة دينية” (تُنشر في مجلة “بدايات” الصادرة في بيروت أوائل الشهر المقبل).
وسننتظر متى ستختار شخصيّة سياسية من وزن محمد حسنين هيكل أو نائب الرئيس المستقيل محمد البرادعي أو قيادات حركة “تمرّد” الشبابية أو شخصية أدبية من وزن علاء الأسواني أو غيرُهم الوقت المناسب للانتقال في إعطاء الأولويّة لمسألة تأكيد الطابع المدني التعددي كامتداد للثورة نفسها.
لنتصوّر – تأكيداً لفعالية “السلاح الاحتجاجي” الذي يملكه الشباب – لو أن تظاهرةً من عشرة آلاف شخص لا أكثر نزلت شوارع القاهرة في المستقبل احتجاجا على “الحكم العسكري”، هل سيكون بإمكان أي سلطة سياسية تحمّل تبعاتها العملية والمعنوية؟ هذا كلام افتراضي حتى الآن، لكن سبق للحركات الشبابيّة أن فعلت شيئاً من ذلك أبّان استلام “المجلس العسكري” للسلطة قبل انتخاب الرئيس السابق المعتَقَل محمد مرسي. وهي نفسها بيئة هذه القوى الشبابية عادت وأطلقت موجة الاحتجاج العارمة ضد “الإخوان”.
وحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام المصرية فإن مصداقية الوضع الجديد ستتعرّض إلى امتحان، صحيح أنه شكليٌّ، ولكنه في آن معا شديد الأهمية الرمزية في اللحظة السياسية الحالية. إنه امتحان رد القضاء على طلب الإفراج عن الرئيس الأسبق السجين حسني مبارك. وسيكون الإفراج عنه، أياً تكن الملابسات القضائية، خطأً سياسياً فادحا يتيح التشكيك بكل قيمة “الخطاب الثوري” و”إقصاء الفاشية الدينية”. لا ينبغي أبدا، تبعا لأي حس سياسي سليم حريص على مصداقية الشرعية الشعبية للتغيير الذي حصل، إطلاق سراح الرئيس السابق حتى فترة أطول يكون التصويت الاستفتائي على الدستور الجديد قد حصل بل تكون أول انتخابات رئاسية قد حصلت وتكرّست مصداقيّةُ الحكم المدني. بعدها سيفقد إخلاءُ سبيلِه أي معنى سياسي سلبي ويقتصر على إيجابية الطابع الإنساني الصرف لرجل مسن ومريض. يجب التمهّل.
هناك تحديات كبيرة تواجه القوى الديموقراطية والثورية في الوضع الجديد قد يكون بعض أهمها خطر تأثير الضغوط الخارجيّة للجم أي تحوّل ديموقراطي عميق في ظل الحصار الدولي على الوضع الجديد وقلة عدد الأصدقاء مما قد يضع السلطة المصرية في وضعٍ ضاغط لتلبية شروط سياسية لاسيما – كالعادة في مصر – تحت الضغط الشديد للأزمة الاقتصاديّة.
الشباب والمثقفون صوْتا التنبيه إلى أي خطر محدق. وننتظر لأننا جميعاً في العالم العربي “طرفٌ” في ما يحدث في مصر.