كاتب المقال هو فواز جرجس مؤلف عدة كتب من ضمنها “الشرق الأوسط الجديد: احتجاج اجتماعي وثورة في العالم العربي.” وما يرد في المقال يعبر حصرا عن رأيه ولا يعكس وجهة نظر CNN
(CNN)– مع استمرار فرزهم أصوات أول انتخابات تشريعية منذ انسحاب القوات الأمريكية من البلاد نهاية 2011، اتفق العراقيون على أمر وحيد هو الحاجة العاجلة إلى التغيير.
ورغم أن الانتخابات تعدّ خطوة مهمة في دولة العراق الضعيفة، إلا أنه من غير المرجح أن تحلّ الأزمة السياسية العميقة وأن تسفر عن عقد اجتماعي جديد ودستور يكرس المواطنة المتكافئة أمام حكم القانون .
وفي قلب الأزمة الهيكلية العراقية يوجد نظام سياسي معطّل يستند إلى المحاصصة وتوزيع السلطات على أساس التجمعات والعرق والقبلية، وهو نظام تم إرساؤه بعد احتلال البلاد من قبل القوات الأمريكية عام 2003.
ومنذ ذلك الحين، لم تعمل القوى المحركة للمجتمع على تغليب مصالح الأمة مفضلة تعزيز مصالح الطائفة والقبيلة. ورغم أنّ قواعد اللعبة تلعب لمصلحة قيادة الطبقة السياسية، إلا أنّ السياسيين من مختلف الألوان، شيعة وسنة عربا وسنة أكرادا، فشلت في الارتقاء لمستوى مهمتها التاريخية، بما أدى بالعراق إلى أن يعاني من تحديين أساسيين على علاقة بالنظام والقيادة .
وتتقاسم الطبقة السياسية الحاكمة المسؤولية مع الظروف الهيكلية في المأزق الذي وصلته البلاد. لكن البنية والهيكل ليسا قدرا. والقيادة الشيعية التي استلمت مسؤولية البلاد بعد الاحتلال الأمريكي في أعقاب إطاحة صدام حسين، عاملت السنة العرب على أنهم مواطنون من درجة ثانية واعتبرت أغلبيتها العددية إجازة لها للسيطرة على السلطة على حساب الآخرين.
كما أن قيادة السنة لم تتأقلم مع حقائق عراق ما بعد صدام حسين الجديدة ومازالت تحركها أوهام حكم البلاد. أما السنة الأكراد فلا يهمهم أن يحترق العراق ما داموا يحكمون كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي وشبه مستقلة.
ومن ضمن جميع المسؤولين، يستأثر رئيس الوزراء نوري المالكي بنصيب الأسد في تدهور الوضع الأمنني ونوعية حياة العراقيين، بما فيها من فساد أثّر على جميع أوجه الحياة الاجتماعية في البلاد. وبعد ثماني سنوات في منصبه، والسيطرة على دواليب السلطة، فشل المالكي في تحقيق مطالب مواطنيه ولم ينجح في توفير مطالبهم في الأمن والاستقرار. ولم يلق بالا للعاصفة التي كانت تتجمع ضده بين السنة العرب الذي شعروا بأنه أصبحوا على الهامش بسبب ما يعتبرون أنها سياسة طائفية.
وفي ظل حكمه، انتعشت فصائل تنظيم القاعدة –أو تنظيم داعش-وودت ملجأ لها في أوساط السنة. وبات العراق يعيش تحت وطأة استقطاب عميق على جميع الأوجه الاجتماعية والسياسية والفكرية والمناطقية، مما أدى إلى ظهور تمرد سني أواخر 2012 أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا وأوقع البلاد تقريبا على مشارف حرب أهلية.
ومنذ مايو/أيار، يسقط ما لا يقل عن 1000 عراقي قتلى كل شهر وأصبحت ميليشيات تتشكل من متشددين من تنظيم القاعدة وكذلك من رجال عشائر تسيطر على مناطق كاملة في محافظة الرمادي وتقريبا على جميع منطقة الفلوجة.
كما زاد النزاع في السوريا الطين بلة، وأصبح الآن في حكم النسيان تقريبا أنّ تنظيم “داعش” هو من أنشأ تنظيم “جبهة النصرة” في سوريا، كذراع لتنظيم القاعدة، وخلق بنية جهادية هناك. وكلا التنظيمين الآن في سوريا والعراق يعتاشان من الآخر ويتزودان بوقود قوتهما القاتلة الدموية.
وحتى الآن، يرفع نوري المالكي، زعيم أكبر تجمع سياسي شيعي “ائتلاف دولة القانون” من دون أن يشعر بأي عار، أنه الزعيم الشيعي الأقوى والقادر على هزم تنظيم القاعدة، وهو ما يعكسه أحد شعاراته الانتخابية “معا نهزم الإرهاب.”
وبدلا من التعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقة، بإمكانها التعاطي مع مشاكل العراق الهيكلية، يطلب المالكي أيضا من ناخبيه تفوضيا كاملا يسمح له بتعزيز سلطته المركزية كما لو أنه لم يجمع فعلا جل السلطة بيديه، ناحيا باللائمة على منافسيه في ضعف الأداء الحكومي، من خلال تعطيله.
وهناك ظلال من الشك في كون أي من التشكيلات السياسية سيحصل على فوز انتخابي صريح حيث تنافس أكثر من 9000 مرشح من 280 تشكيلا سياسيا على 328 مقعدا في البرلمان.
وتميزت الدورة الانتخابية الحالية، على خلاف 2010، بوجود تنافس شيعي-شيعي. فكتلة المالكي واجهت وتواجه تنافسا قويا من “ائتلاف المواطن” الذي يتزعمه الزعيم الشيعي الآخر عمار الحكيم، وأيضا تنافسا من كتلة الصدريين. وإذا نجحت إيران في تجميعهم خلف المالكي في انتخابات 2010، إلا أن الهوة بينهم هذه المرة تبدو أوسع. كما أنّ الوضع لدى السنة لا يبدو مختلفا.
وفي ديمقراطية عتيدة، يفترض أن ينتج الانقسام الانتخابي حكومة ائتلافية. لكن الأمر يبدو مختلفا في الحالة العراقية، التي تتعلق ببلد يعاني هوة سوسيولوجية عميقة ونظام سياسي لا يعمل ومن غياب بديل تقدمي غير طائفي قابل للحياة.
وزيادة على المهمة العاجلة المتعلقة بتعقيدات بناء دولة و إعادة البناء الاجتماعي، من المرجح أن تطيل عمليات التصويت من أزمة السلطة والشرعية.
وكثير من العراقيين الذي تحدثت إليهم، أبلغوني أنهم لا يعلقون آمالا كبيرة على التصويت حيث أن ثقتهم مهزوزة في طبقة سياسية تعد بالكثير ولكنه سرعان ما تفشل في الأداء.
ولم ألتق عراقيا واحدا يعتقد أن الانتخابات ستدشن بداية جديدة أو اتجاها مختلفا أو أنها ستضخ دماء جديدة في شرايين الجسد السياسي العليل .
وأقصى ما يأمل به العراقيون الأكثر تفاؤلا أن تنجح القيادة الجديدة في منع البلاد من تتدهور نحو حرب وأن تعيد النظام للبيت العراقي.