ماذا لو كان “ربيع” البحرين طائفيا وغير سلمي؟

أ ف ب- منذ فبراير/شباط 2011، ركب البحرين موجة الربيع العربي، ولم يفتأ متظاهرو دوار اللؤلؤة يؤكدون أن حركتهم ليست إلا حلقة من المسلسل الذي عاشته تونس ومصر، مطالبة بالديمقراطية بطريقة سلمية. لكن عددا من مراقبينا يشكك اليوم في هذه الصورة التي يروج لها الناشطون البحرينيون، مؤكدين أن المنطق الطائفي الذي يفصل بين السنة والشيعة هو المحرك الأساسي لهذه الاحتجاجات التي باتت تشوبها أعمال عنف.
البحرين مملكة ذات أغلبية شيعية، تحكمها عائلة سنية، بدأت فيها الأحداث باعتصام في دوار اللؤلؤة بالعاصمة المنامة في 14 فبراير/شباط 2011 للتنديد بالفقر والمطالبة بإصلاحات سياسية. وقد كان المتظاهرون خلال المسيرات الأولى يحملون الورود ويؤكدون على الطابع السلمي لحراكهم.
لكن بعد مرور شهر على انطلاق الاحتجاجات، بدأت الشرطة بقمع المظاهرات ولم تتردد قوات الأمن في طرد المعتصمين من دوار اللؤلؤة مستخدمة العنف، المفرط أحيانا (اقرؤوا مقالاتنا في هذا الصدد). هذه الممارسات أودت بحياة ما لا يقل عن 60 شخصا، حسب التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية.

وكردة فعل، لم يتمالك المتظاهرون أنفسهم فلجأوا إلى العنف بدورهم وإلى استعمال الزجاجات الحارقة كما تظهره عديد الفيديوهات. وهكذا دخلت الاحتجاجات في البحرين دوامة من العنف لا تزال متواصلة إلى الآن.
إلى جانب ذلك، يبدو البعد الطائفي لهذه المعارضة -التي تكاد تكون حصرا شيعية- أكثر فأكثر حضورا. فالمتظاهرون ينددون بالتمييز ضد الطائفة الشيعية رغم تأكيدهم على عدم انحيازهم الطائفي. كما أن الحضور السني يكاد ينعدم في صفوف المعارضة. زد على ذلك التورط الأجنبي في القضية البحرينية حيث تدخلت قوات مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في البحرين يوم 14 مارس/آذار لوضع حد للاحتجاجات. ومن جهة أخرى، تتالت الصدامات الدبلوماسية بين المنامة وجمهورية إيران الشيعية.

: ويقول “عبد الله عيسى” مبرمج في الإعلامية وهو سني يعيش في المنامة

ساندت شخصيا الاحتجاجات في بدايتها لأنني كنت أرى أن مطالب المعارضة شرعية. فهم يحتجون ضد تدني مستوى المعيشة وأزمة السكن الاجتماعي، وهي مشاكل تمس جميع البحرينيين مهما كانت طائفتهم.
لكن الأمور بدأت تأخذ منحى طائفيا ابتداء من تاريخ 26 فبراير/شباط، أي عند عودة حسن المشيمع إلى البحرين [حسن المشيمع معارض مشهور على الساحة البحرينية، أحيل إلى القضاء عدة مرات وحكم عليه غيابيا آخر مرة في فبراير/شباط 2010. وبفضل العفو الملكي، تمكن من العودة إلى البحرين في فبراير/شباط 2011]. وسرعان ما أصبح مشيمع رمزا مهما لهذه الاحتجاجات رغم صلته بإيران التي لا تخفى على أحد [مشيمع شارك أكثر من مرة مثلا في برامج إذاعة طهران التابعة لجمهورية إيران الإسلامية]. وهكذا أصبحت المناسبات الدينية الشيعية فرصة لشحن الجماهير، ما دفعني لإعادة النظر في تعاطفي مع هذه الحركة.

أظن أن المعارضة أرادت انتهاز فرصة الربيع العربي لإضفاء الشرعية على مطالب لا تخلو في الحقيقة من الطائفية. بيد أن الطريقة التي يتبعها المتظاهرون هي كذلك مثيرة للجدل. فشباب المعارضة لا يترددون في استعمال العنف : إنهم يقيمون المتاريس ويعطلون السير في الشوارع مثلما هو الحال في قرية المقشع مثلا [التي تقع على بعد 5 كيلومترات غرب العاصمة المنامة] مستعملين الألواح والقمامات. زد على ذلك أنهم يحرقون إطارات السيارات ويرمون الزجاجات الحارقة ويسكبون الزيت على الطرقات، ما قد يسبب بحوادث مرورية. كل هذه التصرفات تقود حتما إلى اشتباكات مع أجهزة الأمن. لا أبرئ رجال الأمن فهم أيضا استعملوا العنف لقمع الاحتجاجات. لكنني أرى أن كلا الطرفين يتحمل مسؤولية ما يحدث. إن عددا كبيرا من السكان سئم هذه الحالة إلى درجة أنهم يفضلون البقاء في منازلهم حتى لا يصيبهم مكروه.
إن المحتجين من الشيعة لا يعون أن هذا المنحى الطائفي لا يخدم مصالحهم، فلم يعد أحد اليوم يستمع إلى مطالبهم رغم كون عدد منها مشروعا.

وتقول أ.م. مواطنة فرنسية تعيش في البحرين منذ ثماني سنوات حيث تعمل رئيسة لشركة-: أتفهم عددا من مطالب المحتجين لكن الطريقة التي اتبعوها في التعبير عن رأيهم تبدو لي مثيرة للجدل منذ البداية، حتى لو كانت سلمية. فهم يشلون حركة المرور ويعطلون من خلال ذلك السياحة السعودية وعجلة الاقتصاد. كما أن بعضهم تهجم على عمال هنود أو باكستانيين لا لشيء إلا لأن الحكومة تشغل رجال أمن من نفس الأصل.
إن عدد المتظاهرين يقل شيئا فشيئا اليوم، ما يدل على أن الطائفة الشيعية ذاتها لا تقف مع المحتجين وقفة رجل واحد. هذا ما ألتمسه مثلا بالقرب من العاملين الشيعة في شركتي.
مملكة البحرين أكثر انفتاحا من جيرانها في الخليج، فالنساء الأجنبيات هنا لسن مجبرات على ارتداء حجاب ولا أحد يستنكر مشاهدتهن بتنورة. كما أن للبحرينيات الحق في التصويت، على خلاف جاراتهن الخليجيات. من المؤسف أن تعيد هذه الاحتجاجات البحرين إلى الوراء.