كتبت من قبل كلامًا عن “أحمد البدوي” حاولت من خلاله تبديد غيظي من استثناء التنظيمات الصوفية من المرور تحت أقواس القانون المصري!
تعقيبًا علي مكيدة نُسِّقت في أرض “العراق” وقع الاختيار عليه للقيام بها وفد “البدوي” عما عقودٍ من إخراج مصر عن النطاق الشيعي، ولولا يقظة “الظاهر بيبرس” وصلابة عضلات دولته لنجح في استردادها جغرافياً كما استردها روحيًا بحيلةٍ بسيطة، لقد أحدث تشويهًا في الصورة الذهتية لنبيِّ الإسلام عبر تسفيه بعض القيم التي نادي بها، واستحدث أفقاً جديدًا يهدِّئ الإحساس بالقهر والمعاناة من خلال رفع الحصار الديني والعزلة عن بعض ما يروق العوام ويستحوذ علي حواسهم ويلهيهم، ببساطة، لقد أضاف إلي لهجات المصريين عبارة “البساط أحمدي” فبهتت إلي حد بعيد تلك الحدود العازلة بين ما هو حرام وما هو حلال!
كان الفاطميون قد سبقوه إلي القيام بانقلاب روحي أسست فيه الذات المصرية وعياً جديدًا يهتم بالظاهر علي حساب الباطن ما زالت مظاهره باقية، كاختزال مولد النبي في “عروسة المولد”، وتجليات الصوم في “فانوس رمضان”، و ظهور سيرة “عنترة بن شداد” لإلهاء الناس عن فضيحة جنسية اشتعلت في قصر الخليفة وتجاوزت أسواره، لقد أحرقوا الكثير من الأوراق المقدسة ليشعلوا فتيل سؤال لم ينطفئ بعد:
– أي نسخة من الإسلام هي الصحيحة؟
آنذاك، وصفتُ التنظيمات الصوفية بـ “محليات المتعة” لإيماني الغائر بأنها عائقٌ في طريق الديمقراطية أشد خشونة من “المجالس المحلية” علي الرغم من فداحة دور الأخيرة في منظومة الفساد المتجذر، وصفتهم أيضًا بالحشرات الضارة التي تتناسل بطنينٍ مسموع حول شرج كل نظام ديكتاتوري، فلا دين لهم إلا المتعة، ووطنهم محله المعدة، وكل منتسب إلي طريقةٍ صوفية هو بالضرورة “زِفَرِي”!
حتمًا، في ذاكرة كل من عاش في قري الجنوب في السبعينيات وما قبلها صورة ذلك الرجل الذي يرتدي علي الدوام ثوبًا شديد الاتساخ وملطخاً بالدهن،والذي، تسبقه رائحة جسده الزهمة بخطوات إلي أعماق البيت الذي يتوقف عنده ليقول لصاحبته في ذلة مقصودة:
– أمانة حتة “زفر”!
الإسم الدارج للحم في لهجات الجنوب، وربما الشمال، ومن هنا اكتسب “الزِفَرِي” كنيته التي تراجع أمامها اسمه إلي خلفية مهجورة، وهو، عندما يواجه غالبًا بنظرات الأم الصلدة لم يكن ينسحب أو يستسلم، إنما يختبر دائمًا أساليب أخري أشهرها التودد إلي عذاري البيوت بالعزف شعرًا علي وتر العفة لشهرتها في إرضاء قلب الأم قبل ابنتها، فكلهنّ بلا استثناء:
كريمة من بيت كريم / ما تطلع العيبة منها
تِطُلّ م البيت كـ “ريم” / عدرا.. وأبوها ضامنها
لقد اكتسب بالإخلاص لزفريته، وبالتجربة، نظرة تمكنه من قراءة الأعماق بسلاسة، لذلك، لم يحدث أبدًا أن غادر القرية قبل أن يملأ معدته بما تيسر من الطعام، وجيوبه أيضًا!
هذه الشخصية لم تختف من المجتمع المصري إنما استدارت وذابت قطرة قطرة في مجتمعات الصوفية الدنيا..
ويختلط لدي الغيظ برحم الحكايات، لعل حكاية العم “محمد أبو شومان” التي لا أزهد في ترديدها هي الأفضل لتعرية المجتمع الصوفي وتشويهه كمجتمع اعتباطي!
كان العم “أبو شومان” واحدًا من صناع البهجة ونجمَ أمسيات “الحضرة الشومانية” التي اقتطفت القرية من حوافها جذوات وجذوات من نار المرح الداخلي، وكان الكبار أحيانًا ينطقون اسمه متبوعًا بـ “محسوب البدوي”، وهذا كان كافيًا لأن يكون له نصيب موسمي من محاصيل القرية!
ذات ليلة، عندما تأكد من إمساكه بأزمة الرجال المترنحين علي الحافة الغامضة، وتحولهم التام إلي مفردات روحية متناغمة، استغرق العم “محمد” في حالته، وأنشد بنغمٍ سُكَّريٍّ:
– ساكن طنطا و فـ مكة صلاااااتو!
تلك اللحظة، اقتحمت الخالة “صِدِّيقة” حالته، وألقت عليه مذعورة نبأ شجار عائليٍٍّ كان لا يزال نشطاً حول بيوتهم، وأضافت، أن العم “حلاتو” الطوَّاب، كان في زيارة لأخته وتدخَّل كطرف أصيل في المعركة!
تحلل تعبير الرضا علي وجه العم “محمد” سريعًا إلي غضب حقيقي، ولعله لم يتمكن من الانسحاب من حالته في الوقت المناسب، أو، لعله الذعر من تهورات العمِّ “حلاتو” الشهيرة هو ما جعله يُعنِّف الإيقاع ويسأل زوجته بنغم عدائي:
– وايش دخََّلوو فيها حلااااااتو؟!
حكاية أخري يضفي عليها المكان الذي كان مسرحًا لها خصوصية وبعدًا ساخرًا، مكتب مدير معهد الأورام يا سادة، مكان يفترض أنه أحد أهم المراكز البحثية في مصر، وكم ذا بمصر من المضحكات!
عما شهور من ثورة يناير، في انتظار الدخول للقاء “د. علاء حداد” كنت أجلس إلي جوار آخرين وصيدلانيتين قبطيتين، إحداهما ملكة جمال حقيقية، عندما بدأ صوته يلاحقنا وهو يتوعد مديرة المكتب في تحفز يليق بجنرال كلاسيكي:
– والللاهي .. أدعي عليكي!
كان أمرًا غريبًا أن يتحدث هكذا شئٌّ يرتدي في القرن 21، وبعد ثورة عظيمة، جلبابًا قصيرًا أخضر اللون وجوربًا أحمر وينتعل حذاءًا رديئاً، مع ذلك، هو أغلي منه قيمة، وليس من رأي كمن قرأ..
الأغرب هو أثر وعيده علي المرأة التي من المؤكد أنها كانت تعرفه، فهي، بلهجة تنم عن خضوع، كانت تردد مذعورة:
– أمانة عليك لا يا شيخ …
عندما رضخت له وخرج أخيرًا توقف في مواجهتنا تمامًا وهو يحاصر أجمل الصيدلانيتين بنظرات لم أكن أتصور أبدًا أنها ستنجو من أطرافها الحادة، وقال لها كأنما للجميع:
– سلامو عليكم!
فأجابه الصمت، لقد أرسل كلٌّ منا عينيه بعيدًا واحتجز ضحكاته، وأمام هذا التيار من الإحتقار المتعمد لم يجد ” النطع” بدَّاً من أن يستدير ويمضي، عندما ابتلعته مسافة كافية اندلعت ضحكاتنا دون تحفظ!
وآخر “زفري” وقع عليه اختيار أبينا الذي لم يعد مجهولاً في المخابرات لتبليغ رسالته هو “أبو خليل” الذي، لتواضعه الشديد، لم يدعي الألوهية واكتفي بادعاء النبوة فقط في كرنفال لم يغب رقصُ البطن عنه ولا الخمور والمخدرات!
ولحظة من التفكير السليم تكفي للتوجس من توقيت ظهور “أبو خليل”، وتفرض قراءة الحدث لا في ضوء الحرب علي الإسلام، فهذه بديهية تم تجاوزها وباتت في الخلف، إنما في ضوء ذعر النظام من ارتقاء الصراع ذروة سوف لا يستطيع بعدها أن يجد له موطأ قدمٍ في اقتصاد مصر ولا سياستها، لذلك، كأنه يخطط لمعركةٍ يحلم بأن تبدو للعالم لا أهلية فقط إنما للطائفية فيها نصيب!
محمد رفعت الدومي
المشكلة التي حدثت في مصر بعد استدعاء الهيكل الشيعي المتمثل بالفاطميين انهم لم يستدعون معه الجوهر التشيعي الكامل المتمثل بالإمامة او على الأقل الإخبارية ….!
لكان تغير وجه التاريخ فقد صنع الفاطميون رغم المآخذ الكثيرة عليهم رونق وحضارة لمصر لا تقل عن الحضارة الفرعونية تشمها اليوم وتحسها جلية في كل مصر ! ولو استقدموا جوهر التشيع المتمثل بالامامية لكان مازالت حتى مكة والمدينة تحت السيادة المصرية !
لكن بعد سقوط الدولة الفاطمية انتشرت الصوفية الانكفاءية …. على كل ممكن تلاحق الأمر حاليا ووهب الحسيني واخوانه في الخدمة ، خاصة ان أغلبية المصريين اذا استثنينا الاخوانجية وبعض الانتهازية عقول جبارة قادرة على المزج بين المذاهب لإيجاد المذهب الأصيل الذي تسال عنه يا دومي ….! وخذ هذه الصورة المعلقة على مسجد سيدنا الحسين في القاهرة التي هي مستخرجة من صحيح البخاري والتي تثبت ان ال البيت هم الشرعية الحقة وان إمامتهم نظام للملة وامانا من الفرقة ولن تنصلح الامة الا بنهجهم .
وانا بقرا هيدا الموضوع حسّيت بشتات افكاري ، ما قدرت كفّي !!!!
ولو يا نيفين .. بعد دخول وهب الحسيني يصعب عليك شيء ؟
دعك من لخبطة الدومي ههه وتنبهي لي قليلا :
رسول الله محمد صلى الله عليه واله يقول كما في اليافطة حسين مني ولم يكتفي بذلك بل قال انا من حسين ؟؟!!! فما بال الامة ضاعت وقد أرشدها نبيها عمن هو منه ومنه هو ؟ كوني معاهم تفلحي ….سلامي الك .
Merci للشرح ، بس رح ظلني سنيه وللأبد
وbonne nuit للحلوين
نورت ليش مصرّة اطلعي تعليقي الثاني ، مع إنو كان الاول ، للتوضيح فقط؟؟؟؟
والله زعلت يا نورت
ان يملك كاتب مثلك هذا الكم من مفردات اللغة العربية القيمة والغنية !!! ويكون له القدرة على السيطرة عليها وتحوريها والاستفادة منها في مواضيع لا تغني ولا تسمن من جوع مثل هذا الموضوع او مواضيع اخرى خارجة عن الاخلاق والادب في مواضيع شعر غزل سابق مثلا !!!!!
ان تملك انت مثل هذه الميزة رغم تواضعها عندك !!! الا انني اراها من علامات الساعة ايضا !!!!!
؟؟؟؟؟
مو يمنا الشغلة .
تعليقي قصدت به الكاتب الدومي !
لا اله الا الله ما فهمت شي