نبيل عمرو – الشرق الأوسط
جددت حماس البيعة لخالد مشعل رئيسا لمكتبها السياسي.
وحين يفوز زعيم ما بمنصب كهذا بالتزكية فبوسعنا الاستنتاج لماذا، إنها الاعتبارات والحسابات، فهي من يرشح ويصوت ويحسم.
أما صندوق الاقتراع الذي يستقبل الأوراق المطوية لتخضع بعد ذلك لفرز ضمن طقوس فلكلورية فذلك لا بد أن يكون مستبعدا تماما.. أمام قوة الاعتبارات والحسابات. وأعني بالاعتبارات وبكل بساطة، هي تلك الحاجات الملحة التي تصب في مصلحة شخص معين، كي يتولى دفة القيادة، ووفق هذا التفسير فإن جميع الاعتبارات «الحاجات» التقت في شخص مشعل، وأهمها إجماع حلفاء ومؤيدي حماس عليه كرجل أثبت عبر ستة عشر عاما أنه جاهز لأداء دور الاعتدال، ما يساعد حلفاء حماس على تسويق تحالفهم الصعب وما يحرج الخصوم حين يبنون مواقفهم من الشخص والاتجاه الذي يقود على أساس أنه شخص متشدد يقود اتجاها متطرفا. لقد تجمع كل راغبي اعتدال حماس في منظومة ضغط فعالة من أجل التجديد لمشعل بدءا بالأم المصرية التي اكتشفت أن تكريس سلطتها في بلادها لا يستقيم مع تشدد حماس، في زمن المراسلات بين مرسي وبيريس ومرسي والإدارة الأميركية.
وغير الأم المصرية هنالك الخالة التركية دون نسيان الشقيقة الفتحاوية أو «الضرة» التي ترى في مشعل من الإيجابيات ما لا تراه في غيره.
ومن ضمن الاعتبارات التي رشحت مشعل، وحسمت تأييدا جماعيا تجلى بمصطلح الفوز بالتزكية، أن الرجل حصل على عطف كبير ومهم من خارج حماس.. فلسطينيا وإقليميا بفعل الطريقة التي أدار بها خصومه حربهم معه، لقد عملوا على تجويف نفوذه والتشكيك في خطواته، ومن ينسى واقعة الدوحة حين توصل إلى اتفاق نادر وضروري مع عباس وأمير قطر، ولم تمض سويعات بل ربما دقائق حتى خرج أكثر من صوت يتهمه بالتفرد وعدم الرجوع إلى الإطارات في قرار المصالحة، ما دفعه إلى إعلان رغبته في الانسحاب من الموقع، فقد رأى الرجل أن استمراره يكاد يكون مستحيلا.. فليس هو من يقبل أن يحرم من حق اتخاذ القرار أو الاجتهاد به، خصوصا حين يكون القرار مهما على الصعيد الوطني.
لقد تجاوز مشعل قطوعات كثيرة وعميقة حتى أثبت بصبر ودأب وشجاعة أنه الأجدر في تجاوز القطوع الأخير ليس بشأن جماعته أو زعامته، وإنما بشأن الواجب الملقى على عاتقه وعاتق حركته حيث لا انفصام بين كل هذا والأمر الأهم ألا وهو الشأن الوطني.
فماذا ينتظر حماس في قادم الأيام؟
بعد السباحة اللذيذة على سطح رهانات الربيع العربي المتسرعة.. والظن بأن عواصم الثورات أضحت عواصم الإسلام السياسي الذي تعتبر حماس الخرزة الزرقاء التي تزين مفرقه، سيواجه خالد مشعل وحماس.. بحرٌ متلاطمٌ تمور تحت سطحه تيارات بالغة الشراسة.. أولى نتائجها البسيطة وربما التلقائية، الحملة القوية الممارسة الآن ضد الأنفاق.. وهذا أمر لم يكن قد حدث من قبل، حتى في عهد مبارك الذي كانت حماس وربما لا تزال تعتبره الأقسى عليها في مصر.. وحكاية الأنفاق، ليست حكاية اقتصادية جزئية، إنها مؤشر على ما وراءها وما بعدها، فوراء تدمير الأنفاق دون الظفر برفع نهائي للحصار، قوى قادرة تحيط بنظام حكم الإخوان في مصر.. ويتصل مع حكاية الأنفاق، حكاية الاتهام الشعبي في مصر لحماس.. بأنها وراء مقتل الجنود والضباط الصائمين في رمضان الماضي.. وهذا اتهام وإن كانت المؤشرات المنطقية لا تؤيده، إلا أنه دخل في مفاعل الصراع الداخلي في مصر، وهيهات تجنب آثاره، خصوصا على صعيد تأثر حرية إخوان مصر في دعم إخوان غزة. وهنالك إلى جانب ذلك حكاية المصالحة التي كان مشعل أحد المتعاونين المتحمسين ولكن غير الفعالين في إنجازها، فهل يقوى زعيم حماس المتجدد على تدفيع زملائه في غزة والضفة فواتيرها الباهظة مثل التخلي عن امتياز الاستفراد بسلطة غزة، وتأجيل الانتخابات إلى ما لا نهاية، والاستمرار في اللغة القديمة لغة «الأحمد وأبو مرزوق» القائمة على أن كل معضلة تحل باجتماع وعناق، وبين كل اجتماع واجتماع اجتماع. ذلك دون الخوض في أمر متطلبات التسوية أو الحراك السياسي الذي لا يخرج عن الدائرة الأميركية، وكل حلفاء حماس من تركيا وقطر ومصر لا يغادرون هذه الدائرة، بل إنهم الأكثر إلحاحا على أهمية القيادة الأميركية لها! إن خالد مشعل هو الأجدر في الحصول على تزكية شاملة رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس. إلا أنه سيواجه ومنذ اللحظة، الاستحقاقات الصعبة التي أملت انتخاباته، سواء من خارج حماس أو من داخلها وأمنياتي لأبي الوليد بالنجاح.