أخطر ما فى وطنى أن تجد من يتحدث عن الشباب رجل فوق التسعين وآخرون ماتوا إكلينيكياً منذ 20 عاماً.. وثالث أختزل وطناً كاملاً فى خيالة المريض .. والنتيجة أن الشباب بات بلا أمل ولا وطن ..
فـ الوطن ترهل وشاخ و(سمعه تقل) .. كلما صرخنا فى أذنيه نظر إلينا متسائلاً (بتقولوا إيه)؟!
الوطن لا يحب أبناءة .. وإلا فلماذا نتغنى ليل نهار بأن 62٪ من الشعب المصرى تحت الثلاثين ..
ثم نزعم أننا وضعناهم فى العين والقلب .. أو أننا احتوينا أكثر من 50 مليون مصرى بتعيين بعض الشباب كمعاونين للسادة الوزراء ؟! ..
لا أحد فى مصر يريد أن يعترف بأن المسألة بحاجة إلى رؤية ..
والرؤية لا تتحقق بـ”بدران” ولا بالتصريحات ، ولا حتى بتوزيع الشقق والقروض ..!
انظر إلى عيون الشباب فى الشوارع والمقاهى والجامعات .. وإن وجدتة أمر شاق وصعب أخطف نظرة واحدة ولكن عميقة لعين اخيك أو أبنك ..
ستجده حائراً غريباً موجوعاً وكأنه يسألك (لماذا فعلتم بنا ذلك؟!) ..
سوف تندهش بدورك ، وكأنك تقول له (لم أفعل شيئاً .. فأنا أحبك) ..
ولكن الولد المتدفق بالطاقة سينظر إليك ساخراً باكياً وكأنه يصرخ فيك وفينا (ماهى المصيبة أنك لم تفعل شيئاً.. أعرف أنك تحبنى ولكن هذا لا يكفى)..!
وسواء كنت تحبه أو لا تحبه.. المحصلة واحدة.. فأنا وأنت نخذله كل صباح.. ينام دون أمل فى الغد .. ويصحو على واقع لا يصدمه .. فقد اعتاد الشباب أن يعيش وخلاص ..!
صناعة الأمل هى التى تبنى الأوطان والبناء مهمة الشباب وحدهم .. فـ أستريحوا أيها العواجيز فقد سئمنا منكم ومن قرارتكم العاجزة مثلكم , فى بلد أغلب سكانه شباب ويعانى أزمات فى كل شىء وأى شىء هو أرض بور .. ربما تسألنى الآن (لماذا لم نكن كذلك فى الماضى؟!).. حسناً، انظر إلى شباب أبيك والى شبابك ستجد أنهم نشأوا فى مجتمع مغلق لا يعرف الكثير عن العالم .. عن الحياة الأخرى ..
عن الثقافات والحريات والإنجازات والعلم والضمير والأخلاق ..
أما اليوم فقد بات الشاب يعرف عن العالم ما أخفيناه سنوات وعقوداً .. فكيف نطالبه بأن يقنع بـ(عيشة) تنتمى لقرون مضت ؟! بأى منطق نريده أن يعيش دون أمل فى المستقبل ؟!
يمكنك فعلاً أن تلتمس ألف عذر لشاب فقير معدم يحتضن كفنه ، ويرمى بجسده النحيل فى مركب هجرة غير شرعية ..
فالولد وأسرته أكلهم الفقر والجوع .. لا يحتاج الأمر إلى التوقف أمامه طويلاً : امنحه لقمة عيش واستره من الحاجة ، بدلاً من أن تجلدوة بالكلام لأنه يهرب من وطنه إلى (الموت) فى عرض البحر ..
غير أن الظاهرة التى تستدعى التوقف والتحليل الدقيق أن الأمر لم يعد يقتصر على المعدمين ، أو المدفونين تحت خط الفقر .. وإلا فبماذا تفسر رغبة شباب ينتمون للطبقة الثرية فى الهجرة إلى الخارج ..؟!..
ثمة قاسم مشترك بين الاثنين .. الفقير والغنى .. بل وأبناء الطبقة المتوسطة .. إنه غياب الأمل ..!
أنا واحد من شباب كثيرون فقد حماسه (فأنتم لا تروننا أصلاً .. تتحدثون عنا وكأنكم تعرفون ما يدور بداخلنا .. وهذه كارثة .. زمانكم غير زماننا .. أنتم تتكلمون هندى وأحنا بنفهم صينى .. والكارثة الأكبر أنكم تندهشون وتضربون كفاً على كف حين نمتنع عن التصويت فى انتخاباتكم .. أى غباء هذا ؟!
ماهى واضحة مثل الشمس .. تعرف حضرتك تقولى بكرة هيكون شكله إيه فى مصر ؟! ماذا تفعلون من أجله ؟! وأى مستقبل ينتظرنا ؟!مستقبل مشرق؟! أين الأمارة؟!مستقبل مظلم؟! طيب ساكتين ليه ومين هيغيره؟!..!
طبعا لن أجد ألرد لأنهم لا يمتلكون إجابة .. ولكننا أكثر منكم شجاعة (عملنا كل حاجة.. ومفيش فايدة) ..
.. وبصراحة قدمت طلبات هجرة لثلاث دول .. أنا عاوز اسيبها .. عارفين ليه ؟!..
لأنى مش هقدر أعيش باقى حياتى من غير أمل)..!
أن الأمل ليس تصريح وردى ولا أغنية (مصر قريبة) ولا أوبريت وطنياً بيفكرنا بأمجاد الماضى ..
أنا لا تعجبنى الأهرامات لأنها ليست أعلى من جبال القمامة ..
ولا أعشق أو ارتبط حباً بنهر النيل لأن مياهه تصل إلى فمى ملوثة ..
ولا تدهشنى أبراجكم الرخامية المتناثرة فى القاهرة لأنها تخفى وراءها مصر العشوائية ووجوهاً فقيرة تعيسة ، وعششاً بلا أسقف .. أنا لا أنتمى لأجيال اكتفت بـ(العيشة) ، لأننا نعرف جيداً أن أقراننا فى العالم يتذوقون (الحياة) .. وفارق كبير بين (العيشة ، والحياة) ..!
صدقونى .. لا أمل فى وطن دون شباب لديه أمل .. وشباب اليوم لا ينخدع بـ(الكلام) .. وإن لم نفتح له طاقة أمل فى المستقبل .. سنظل بلا مستقبل ..!
وكمثلى الكثير من الشباب محبط ومكتئب ، لأن أحداً فى مصر كلها لم يقل لنا ماذا يجب أن نفعل .. لم نجد أحداً نلتف حوله .. لم يفجر أحد الطاقة الكامنة داخلنا .. لا توجد بوصلة ولا طريق .. صنعنا الثورة ، ثم تركونا على (الكافى شوب) ، لم يدرك أحدهم أن الطاقة التى هزمت أقوى نظام حاكم بأمنه وسلاحه فى ساعتين على كوبرى (قصر النيل)، بمقدورها أن تبلغ الجبال طولاً، وأن تحلق فى الفضاء دون صاروخ ..!