يشار إلى أن هذا المقال بقلم المستشار أحمد هارون أبوعايد، الرئيس بمحكمة جنايات القاهرة وينشر تزامنا وبالتعاون مع جريدة الشروق اليومية المصرية في عددها الصادر الأحد، وما يتضمنه يعبّر عن وجهة نظر كاتبه ولا يعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
القاهرة، مصر (CNN)– ثار كثيرٌ من الجدل حول خرق أحد مرشحي الرئاسة للقرار بقانون رقم 22 لسنة 2014 بتنظيم الانتخابات الرئاسية حينما أعلن عن بعض ملامح برنامجه الانتخابي حيث أخطرته اللجنة بخرقه للقانون وتحريرها مخالفة له لمخالفته نص المادة 18 من القانون التي نصت على أن “تبدأ الحملة الانتخابية اعتبارا من تاريخ إعلان القائمة النهائية للمرشحين…” إلا أن المرشح وأعضاء حملته أكدوا أنهم لم يخالفوا القانون أو قرارات اللجنة، مستندين إلى أن الدعاية جائزة طالما استوفى المرشحان أوراقهما، وفوات مواعيد الطعن دون أن يتم الطعن على المرشح، وأن الآجال المقررة بمعرفة اللجنة هي لتظلم من استبعد من السباق…
وأخيراً انتهى الأمر بإعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، إنها أصدرت قراراَ بحفظ التحقيقات في المخالفة التي ارتكبها المرشح الرئاسي بعقد مؤتمر قام خلاله بخرق الضوابط المنظمة للدعاية الانتخابية للمرشحين وأوضحت اللجنة في بيان صدر عنها بأنها وقفت على حقيقة الأمر من خلال ما قرأته من تفريغ مضمون الفيديو المسجل للمؤتمر الصحفي للمرشح، والذي عرض فيه ملامح برنامجه ووقر في يقينها أن المرشح لرئاسة الجمهورية خالف أحكام الدعاية الانتخابية، الأمر الذي يمكن أن تطبق معه أحكام الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون الانتخابات الرئاسية الصادر بالقرار بقانون رقم 22 لسنة 2014. -وهي المادة التي تعاقب على مخالفة نص المادة 18 سالفة البيان بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيها ً ولا تجاوز 500 ألف جنيه-
وأضاف البيان أن اللجنة، وبالنظر إلى وقوع المخالفة في وقت ملتبس، استوفى فيه المرشحان أوراقهما كاملة وصحيحة، ولم يستبعد فيه أحد، ولم يتقدم إليها أحد متظلمًا، الأمر الذي يوفر لدى المرشح اعتقادًا – وإن كان غير صحيح – أن من حقه مباشرة الدعاية الانتخابية، استنادًا إلى تحديد بدايتها.
بنص المادة (18) من قانون الانتخابات الرئاسية، فضلًا عن أن المرشح بادر إلى الاعتذار عن هذا الخطأ غير المقصود، ونشرت وسائل الإعلام اعتذاره عن حضور مؤتمر آخر كان قد دعا إليه، احترامًا للقانون، وقرارات اللجنة، فإن اللجنة تقف بالإجراءات عند هذا الحد مكتفية بتوجيه الكافة إلى احترام أحكام القانون وأحكام الدعاية الانتخابية، وعدم ارتكاب أية مخالفات، حتى يسير سباق الانتخابات الرئاسية بشفافية، ونزاهة ودون معوقات.
وحسناً فعلت اللجنة بوقف السير في إجراءات نظر هذه المخالفة التي تشكل جريمة يعاقب عليها قانوناَ -بصرف النظر عن دخول ذلك “حفظ التحقيقات” في نطاق اختصاصها المخول لها بموجب القانون ومدى إلزامية هذا القرار للنيابة العامة الجهة الأمينة على الدعوى الجنائية نيابة عن المجتمع في كافة الجرائم فلها أن تحرك الدعوى ولها أن تقرر عدم السير فيها -إّذا رأت لذلك مقتضى- باستثناء بعض الجرائم التي وضع القانون فيها قيد على النيابة العامة في تحريكها كالجرائم التي تطلب فيها إذن أو طلب أو علقها على شكوى. ذلك أن التزام أي مرشح بأحكام المادة 18 من القانون سالف البيان مستحيلاً من الناحية العملية أو حتى النظرية، إذ نصت هذه المادة على أن “تبدأ الحملة الانتخابية اعتبارا من تاريخ إعلان القائمة النهائية للمرشحين حتى قبل يومين من التاريخ المحدد للاقتراع، وفي حالة انتخابات الإعادة تبدأ من اليوم التالي لإعلان نتيجة الاقتراع وحتى الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم السابق على التاريخ المحدد للاقتراع في انتخابات الإعادة. وتحظر الدعاية الانتخابية في غير هذه المواعيد بأي وسيلة من الوسائل. وتتضمن الدعاية الانتخابية الأنشطة التي يقوم بها المرشح ومؤيدوه، وتستهدف إقناع الناخبين باختياره، وذلك عن طريق الاجتماعات المحدودة والعامة، والحوارات، ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية، ووضع الملصقات واللافتات، واستخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والإلكترونية والمطبوعات، وغيرها من الأنشطة التي يجيزها القانون أو القرارات التي تصدرها لجنة الانتخابات الرئاسية.”
وهذه المادة لا تتسق مع نص المادة الثانية من القانون ذاته التي جاءت تقريراً لنص المادة 142 من الدستور التي تطلبت أن يحصل المرشح على تأييد ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل بحيث لا يقل عدد المؤيدين في أي من تلك المحافظات عن ألف مؤيد.. وذلك يستلزم بداهة أن يتواصل راغب الترشح مع المواطنين اللذين لهم حق الانتخاب لتأييده خلال الفترة منذ فتح باب الترشح وحتى استكمال العدد المطلوب من المؤيدين… فأنَى له ذلك…؟؟ وقد حظرت المادة 18 من القرار بقانون رقم 22 لسنة 2014 التي نقلت نص المادة 20 من القانون رقم 174 لسنة 2005 -والتي وضعها ترزية القوانين في النظام البائد لتمرير مشروع التوريث البغيض الذي كان العامل الأول لتفجير ثورة 25 يناير المجيدة- كل الأنشطة التي يقوم بها المرشح ومؤيدوه وتستهدف إقناع الناخبين باختياره بل وجرمها ذلك القانون..! قاصداً بذلك تقييد حق راغبي الترشح من المواطنين الشرفاء في الإعلان عن أنفسهم وبرامجهم حتى يمكِن الرئيس المخلوع ومن بعده وريثه من سدة الحكم دون منافسة حقيقة. و غيرٌ خافٍ أن مشرع العهد البائد قد جعل هذه المواد -باستحالة الانصياع لها أو تجنب مخالفتها- شباكاً وشراكاً ألقاها متصيداً من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، ليجعل الاتهام بمخالفتها سيفاً مسلطاً على رقاب من تسول لهم أنفسهم الاقتراب من المنافسة. وذلك يخالف الدستور وفلسفة القانون الجنائي الذي يتغيا أن يحدد –ومن منظور اجتماعي– ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوك أفراد الجماعة، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكناً، بما مؤداه: أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مٌبَرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريا، غدا مخالفا للدستور وفلسفة القانون الجنائي.
وبذلك أصبح التزام راغب الترشح بالقانون وتجنب مخالفته مستحيلاً ووقوعه تحت طائلة القانون حتمياً وتقديمه للمحاكمة واجباً، مما يجعل التصريح بالرغبة في الترشح جريمة معاقباً عليها وسيفاً مسلطاً تستخدمه السلطات متى شاءت وأنى شاءت كوسيلة ضغط أو إقصاء.! ولشديد الأسف وبعد ثورتين فات على سلطة التشريع أن تتجنب هذا النص المعيب المٌغرِض.
لذلك فإني أهيب بالمستشار الجليل عدلي منصور وهو رجل القانون قبل أن يكون رئيساً للدولة أن يعيد النظر فيما تضمنه قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية وتعديل نص المادة 18 من القانون سالف البيان المحددة لفترة الدعاية بجعلها تبدأ قبل فتح باب الترشح بفترة كافية يستطيع فيها راغب الترشح مخاطبة المواطنين وتعريفهم بنفسه ودعوتهم إلى تأييده حتى تتسق مع الدستور وباقي نصوص القانون في صوناً لحقوق المواطنين في مواجهة صور من التمييز تنال منها، أو تقيد ممارستها.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.