سي ان ان —– في الوقت الذي تحتفل فيه المؤسسة العامة للسينما السورية بعيدها الخمسين، تكاد تغيب صالات السينما الخاصة بدمشق عن المشهد تماماً، حيث تم إغلاق أفخمها “مجمع سينما سيتي” قبل عامٍ تقريباً، بسبب ظروف الحرب، بينما أغلق فندق “الشام” صالة السينما الملحقة به منذ فترةٍ طويلة، بدواعي الترميم.
أما صالات السينما الأخرى، فبعضها يعرضها أصحابها للبيع، وأخرى لازالت قائمة، تمارس نشاطها على خجل، فتعرض ما تيسر من أفلام، بغض النظر عن تاريخ إنتاجها، أو جماهريتها، مفسحة المجال أمام من يريدون تمضية الوقت الرخيص.
فيما لجأت صالتين مؤخراً إلى عرض مباريات مونديال 2014، أملاً في استقطاب الجمهور، دون أن تفلح في ذلك كثيراً، هذا ما أكدّه قاطع التذاكر في صالة “الزهراء” لموقع CNN بالعربية “حيث لا يتجاوز عدد حضور المباراة الواحدة في الصالة، أكثر من عشرة أشخاص في أحسن الأحوال،” علماً بأن التذكرة لحضور المباراة تترواح بين 100 و150 ليرة سورية، (أي نحو دولار أمريكي)
أما صالة سينما “السفراء”، فتوقفت عن عرض مباريات المونديال في المقهى التابع لها، لأن “الأمر لم يعد مجدياً”، بحسب مدير الصالة، خاصّةً بعد قيام “تلفزيون الدنيا السوري،” ببث المباريات على قناته الأرضية.
أما صالة سينما “السفراء”، فتوقفت عن عرض مباريات المونديال في المقهى التابع لها، لأن “الأمر لم يعد مجدياً”، بحسب مدير الصالة، خاصّةً بعد قيام “تلفزيون الدنيا السوري”، ببث المباريات على قناته الأرضية.
وفي كل الأحوال ومن جولةٍ سريعة قمنا بها على خمسة صالات سينما سوريّة خاصة، لازالت تكافح للبقاء في دمشق؛ اكتشفنا أن عدد زبائن كل صالة، لا يتجاوز العشرين على مدار النهار، ويُرجِعُ أصحاب الصالات السبب الرئيسي في ذلك إلى “الأزمة التي تعيشها البلاد”، ومن اللافت أيضاً أن أحدث الأفلام التي يعرضوها يعود تاريخ إنتاجها إلى العام 2011، حيث توقف المستوردون في القطّاع الخاص عن تزوديهم بالأفلام الجديدة، بسبب تكاليف الاستيراد الباهظة، مقارنةً، بالوضع الاقتصادي غير المستقر.
المخرج السينمائي السوري محمد عبد العزيز، اعتبر في تصريحٍ لـ CNN بالعربية أن “هذه الأزمة متشابكة، ومزمنة، والحديث في موضوع غياب الجمهور عن صالات السينما، قد يبدو نوعاً من الترف، في ظل الأحداث الدموية التي تشهدها البلاد”، وأضاف: “ربما يندرج ذلك ضمن محاولات القائمين على صالات العرض السينمائية للتآلف مع الأحداث، بالنسبة لي كسينمائي سوري يبدو هذا الأمر مؤلماً، باعتبار أن الصالات تحاول جذب جمهور كرة القدم، وقد يشكّل ذلك مفارقة، لكنّه ليس بالأمر السيء، فبالنهاية الجمهور في المنطقة العربية عموماً، جمهور موسمي، يتبع الموضة، وليس لديه ثوابت يبدو متطلباً تجاهها.”
وكشف المخرج السينمائي السوري عن وظيفةٍ جديدة، أو نشاطٍ جديد، تقوم به بعض صالات السينما السورية الخاصّة بدمشق، وهو “إيواء مهجري الحرب”، وأوضح لـ CNN بالعربية أنّه اكتشف ذلك بالصدفة، حينما كان يصوّر مؤخراً بعض مشاهد أحدث أفلامه في صالة سينما، وعلق على ذلك بالقول: “تعاطفت مع هذه الحالة، وسررت بها كثيراً، ووجدت من هذا الباب أن السينما تقوم بدورها وسط الأحداث العاصفة التي نعيشها، واستفدت من هذا التفصيل، وبنيت عليه في فيلمي الجديد، بحيث أصبح خطاً من خطوط أحداثه.”
ويلفت محمد عبد العزيز إلى أن صالة السينما، هي جوهر فيلم “حرائق البنفسج” الذي شارف على الانتهاء من تصويره، وأوضح أن الفيلم هو: “هو نوع من السينما التجريبية، عن اللحظة الآنية التي يعيشها السوريون، والتي ستمتد تأثيراتها إلى سنواتٍ عديدة، الفيلم صعب جداً، لأن محاولة الغوص في مستنقع الدم السوري، صعبة للغاية، فالكل مستفز، ومتربص، وحساسيته في أعلى مستوياتها تجاه كل ما يمسه، وهذا وارد وأتفهمه، فهناك الكثير من البيوت السورية التي تستقبل التوابيت بشكل يومي، واقتحام هذه المساحة ليس بالأمر السهل، لكنّه مغرٍ جداً، ومؤلم في الوقت ذاته، لأن كل ما نقوم به يشبه رش السكر على رغيف الموت.”
المخرج محمد عبد العزيز من أنشط المخرجين السينمائيين السوريين، حيث أنجز خلال “الأزمة السورية”، قبل “حرائق البنفسج”؛ ثلاثة أفلام هي “المهاجران”، وميوزيكال “ليلي،” و”الرابعة بتوقيت الفردوس”، ولقاؤنا به أتى خلال حضورنا لفعاليات، مهرجان “سينما الشباب والأفلام القصيرة الأوّل” في دمشق، والذي تقيمه المؤسسة العامة للسينما، ضمن أنشطة احتفاليتها هذا العام بعيد تأسيسها الخمسين، وتعرض فيه خمسين فيلماً قصيراً، على مدى ستة أيام بين 16 و21 حزيران/ يونيو 2014، كلها من إنتاجات المؤسسة الحديثة خلال العامين الماضيين، ومعظمها تم إنتاجه بموجب منح تم تقديمها لكتّاب ومخرجين شباب، وهنا يلفت عبد العزيز إلى ضرورة التركيز على “هذا النوع من السينما الشبابية، التي يتم الاشتغال عليها في سوريا، خلال العامين الماضيين، وربما في قابل الأيام” على حد قوله.
وبانتظار أن تضع الحرب أوزراها، ربما يبقى المشهد السينمائي السوري على حاله، كجزءٍ من الصورة “السوريالية” التي تعيشها البلاد ككل، محاولات، واجتهادات، يتفاوت مستواها، بعضها يحظى باحتفاءٍ عربي وعالمي، كفيلم “مريم” لباسل الخطيب، وأخرى تُقاطَعُ في المهرجانات العربية على خلفية مواقف صناعها الداعمة للسلطات السورية، وغيرها بانتظار العرض ضمن احتفالياتٍ خاصةّ تنظمها وزارة الثقافة، وربما تحاول من خلالها تعويض ألق مهرجان دمشق السينمائي، الغائب منذ العام 2011.