غسان شربل – الحياة

كان يفترض ان يكون يوم امس عرساً وطنياً في العراق. فجلاء آخر قوات الاحتلال يثير البهجة. كل احتلال بغيض. وبغض النظر عن الظروف التي أدت اليه. والاسباب التي تذرع بها لإطلاق احتلاله. وحتى ولو استهل الاحتلال عهده باقتلاع طاغية عجز معارضوه عن اقتلاعه.

كان مشهد الدبابة الاميركية وهي تقتلع تمثال صدام حسين اكبر من قدرة العراق على الاحتمال. واكبر من قدرة المنطقة ايضاً. وكان مشهد الدبابات الاميركية في الناصرية او الفلوجة مستفزاً للعراقيين وللدول المجاورة ايضاً.

شهدنا البارحة نهاية مغامرة دامت تسع سنوات. مغامرة اتصفت منذ البداية بالرعونة والغطرسة والجهل الكامل بالمشاعر العميقة للشعب العراقي. اقول ذلك على رغم معرفتي بأن كثيرين ممن غسلوا ايديهم من الاحتلال ساهموا في استجلابه. وأن آخرين اغتنموا فرصة حصوله للانقضاض على المنجم بوظائفه ومواقعه وثرواته. وان الفريق الذي اعتبر نفسه منتصراً لم ينجح في ضبط شراهته. وان الفريق الذي اعتبر نفسه خاسراً لم ينجح في خفض خسائره والخروج من الحنين الى الماضي.

ارتكب الاميركيون على ارض العراق اخطاء وخطايا وجرائم. ذوبوا المؤسسات الامنية وكأنهم يريدون اعادة بناء «عراقهم» من الصفر على غرار ما فعلوا في المانيا واليابان. لم يتنبهوا الى الفوارق الاجتماعية والثقافية والدينية وان الحدث يدور في عالم آخر. وان دول الجوار لن تقبل عراقاً اميركياً. ولن تقبل عراقاً ديموقراطياً. وان بعضها سيدافع عن نفسه على ارض العراق ولو استلزم الامر الخوض في دماء العراقيين. وكان السلوك الاميركي بشعاً. صرخنا منددين ببشاعات معتقل أبو غريب. وكنا على حق على رغم شعورنا ان ذلك المعتقل يمكن ان يعتبر فندقاً من خمس نجوم اذا قورن ببعض السجون العربية.

ارتكابات قوات الاحتلال كثيرة. لكن العراقيين سقطوا ايضاً في الامتحان. اعتقدنا ان اعلام الاحتلال ستثير سخطهم وستوحدهم. لم يكن الامر كذلك. قسم ساير. وقسم هادن. وقسم قاوم. قتل الاحتلال كثيرين. لكن الاكيد ان العراقيين انقسموا وان عراقيين قتلوا عراقيين. وان الانقسام المذهبي كان صارخاً ولا يزال. وان العراق فقد حصانته الوطنية. وان البلد الذي كان لاعباً على مسرح الشرق الاوسط تحول ملعباً للدول القريبة والبعيدة. انا لا اطعن في وطنية اي عراقي. انا اتحدث عن سلوك عايشته عن قرب. يزيد في مرارتي انني من بلد مستباح وانني اتمنى الا يسقط العراق في صورة دائمة في ما صار يعرف بوباء اللبننة.

لنترك جانباً مسألة الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الاميركية. وانعكاسات هذا الفراغ على علاقات العراق بجيرانه خصوصاً ايران. الأكيد ان القيادات السياسية العراقية لم تواجه موعد اكتمال الانسحاب بالمسؤولية المفترضة. لم يكن سراً ان العلاقات السنية – الشيعية ليست في افضل احوالها. وان البلد يعيش ازمة مكونات حادة لم تنجح العملية السياسية في معالجتها. وكان من البديهي ان تستبق السلطة هذا الموعد بإطلاق مبادرة سياسية لترميم المصالحة الوطنية.

لا تحتاج السلطة الى من يشرح لها حجم الانقسام المذهبي على مستوى الاقليم. وان الانباء الواردة من حمص تنذر باندلاع ازمة مكونات في سورية. وان لبنان يتجه بدوره نحو ازمة مكونات حادة. وان الملف النووي الايراني ينذر بمزيد من العقوبات والتحرشات.

الانباء الوافدة من بغداد تثير القلق. «العراقية» بزعامة اياد علاوي علقت مشاركتها في جلسات البرلمان اعتراضاً على «التهميش» وعدم تنفيذ الاتفاقات. ورئيس الوزراء نوري المالكي يطلب من البرلمان نزع الثقة من نائبه صالح المطلك الذي وصف المالكي بأنه «ديكتاتور اسوأ من صدام». ومسؤول امني يؤكد ان القضاء يحقق مع عشرة من عناصر حراسة نائب الرئيس طارق الهاشمي لضلوعهم في عمليات ارهابية وثمة من وجه الاتهام الى الهاشمي نفسه. واذا اضفنا تأكيد المقاومة العراقية اصرارها على محاربة «الهيمنة الايرانية» وتصاعد المطالبة بالاقاليم واستمرار الخلاف في كركوك وعليها يحق للمراقب ان يخاف. كل محب للعراق يخشى ان يكون مندفعاً الى مصير سيء انزلقت اليه بلدان اخرى ومفاده: نطرد الاحتلال لنتفرغ للحرب الاهلية والاقتتال.

شارك الخبر:

شارك برأيك

‫17 تعليق

  1. وان الفريق الذي اعتبر نفسه منتصراً لم ينجح في ضبط شراهته. وان الفريق الذي اعتبر نفسه خاسراً لم ينجح في خفض خسائره والخروج من الحنين الى الماضي.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    لفتت نظري هذه العبارة واجابت عن تساؤل لماذا دائما يتحسرون على الديكتاتور الذي سقط باي طريقة كانت

    نطرد الاحتلال لنتفرغ للحرب الاهلية والاقتتال.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    يمكن لهادا السبب انسحبت امريكا من العراق الحرب الاهلية ستقوم بالتصفية بدلا عن قواتهم وهم لايريدون مزيد من الخسارة في صفوفهم

  2. صباحوووو يا سكرة
    والله يا مراحب الامريكان ومعاونيهم خربوها وقعدوا على تلها ما صفي شي يعملو اكتر من اللي دمروه هلا بيلتهوا بفريسة وضحية جديدة ويصوبوا مطامعهم فيها =___=

  3. برأيي صدام رغم كل مساوئه وجرائمه كان ماسك البلد والواقع أثبت أن البلدان التي فيها طوائف وملل كثيرة مثل العراق وسوريا ولبنان تحتاج الى يد قوية تمسك بها أنا مع الديمقراطية والحرية ولكن ضمن حدود أما ديمقراطية الغرب لا تناسب بلداننا
    ورأيي أن الطائفية من أحياها في العراق وفي العالم العربي هم الامريكان ودول الخليج وعلى رأسهم السعودية وقبل حرب الخليج لم نسمع بهذه الطائفية البغيضة وفي بلداننا العربية سنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين وعرب واكراد وارمن وغيرهم كانوا من زمن بعيد متعايشين ومتحابين وحتى متزوجين من بعضهم ولم يكن بينهم هذه التفرقة البغيضة الى أن جاءت حرب العراق وظهرت قوة ايران فأصبحنا نسمع صرخات الطائفية من السعودية ودول الخليج خوفا من المد الشيعي

  4. يسعد صباحك هلأ راح يبدا نهاري بالهنا
    امبارح بنت لندن سلمت عليكي وقالت وحشتينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي نسيت باي صفحة
    اصلي الكبر عبر يااخوتي

  5. الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة .. غذّى الطائفية وأيقظها … وهذا ما عملت عليه الويلات المتحدة طيلة السنوات الماضية في العراق .. وقد نجحت … وهي الآن تحاول مد تلك الطائفية لتشمل المنطقة كلها .. لتبقى كل دولة منشغلة بنفسها وتستنزف طاقاتها بواسطة أبنائها …!!
    وتبقى ” اسرائيل ” هي القوة المطلقة في المنطقة ..!!
    صباح الخير لهنا وصباح الخير لمراحب ..!!

  6. والله يا مراحب اتتي بتجنني وبتنحطي ع الجرح بطيب والله يكتر منك كوميات وتؤبشي قلبي ئبش يا حق -__*
    ——————
    وسلمي عزينة وكل من يسال عني بالضيعة وقولنن راجعة وبايدي الهدايا ههههه

  7. خي مامون الله لا يصبحك الا بالخير …. صار بدها كنافة وزكاتك بحبها خشنة وكتر القطر قبل ما يدرى جنتل مراحب والله اتتي معزومة انتي حصتي ها

    كيفك خيو ؟

  8. اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بين ايديهم سالمين
    الله يستر من القادم والله يحمي الشعب العراقي ويبعد عنه الفتنة
    الطائفية ويبعد عنه اولاد الحرام والفرس المجوس والامريكان

  9. ابن العراق في ديسمبر 19, 2011 8:26 ص
    سيتم نشر تعليقك بعد المراجعة.
    كثرانة المراجعات هالايام لو بس انا عليه مراقبة من نورت شنو السالفة

  10. . لكن الاكيد ان العراقيين انقسموا وان عراقيين قتلوا عراقيين. وان الانقسام المذهبي كان صارخاً ولا يزال. وان العراق فقد حصانته الوطنية. وان البلد الذي كان لاعباً على مسرح الشرق الاوسط تحول ملعباً للدول القريبة والبعيدة. انا لا اطعن في وطنية اي عراقي

    ————————————————————————————————
    هذا هو الواقع الذي لا نعترف به وننسى للاسف ان شعوبنا يشدها الدين بشكل يتعارض مع مفهوم الوطن .وهذا ما نخشاه في سوريا فليس ترحم على ديكتاتور او غيره وانما ترحم على بلد يعيش فيه الجميع بتوفق………..يسعد صباحكم اخواني مراحب kreem

  11. ابن العراق …
    الياس شلهوب ايطاليا …
    والجميع …. السلام عليكم اشلونكم ….
    الموضوع..
    اعتقد ان اللعنه التي اصابت الشعب هو انهم وافقوا على دخول الامريكان او انهم قبلوا بقائهم في اللحضات الاولى وبتصريح من زعمائهم الدينيين .. او بسبب قوة جبروت الجيش الامريكي وخداع الشعب العراقي بديمقراطية الفوازير ..
    وهذه اللعنه هي اقتتال بين من يسمون انفسهم القاده , فجميعهم يطمح للثروه لنفسه فهم مكشوفين لبعضهم البعض فلا يوجد احد فيهم وطني ولا يوجد احد فيه لم يسرق او ياكل الحرام وهنا سيسقطون بعظهم البعض وستبداْ ثوره جديده بحكومه جديده بعيده عن اللصوص ..
    فدعوهم يقتتلوا ..
    ودعونا نقوى ….
    ولا احد يعرف ماهو المستخبيء .. ولربما توذهلون من المستخبء
    تحياتي..

  12. نقول انشالله خير kreem ولكن الا ترى ان الرهان خطير والتضحيات غالية والوطن غير مضمون مستقبله وخاصة اننا كنا وطن عربي واحد الى ان اصبحنا في تزايد مستمر

  13. مقال مؤثر وموجع لانه في صميم الحقيقة لكن كم هو مؤسف ان يتم اكتشاف متأخرأنه كان من غير الحكمة ازالة فساد داخلي من بيننا بفساد خارجي غريب عنا همه الوحيد أن يكسب من وراء مشاكلنا ووضعنا المتردي .ولهذا يرفض الكثير التدخل الاجنبي في الدول العربية مهما حصل من فظائع ليس هذا رضا بظلم الحكام أو هوانا ولكنه أقل الضررين فعندما بقيت القوات الامريكية في العراق أصبح الظلم عاما بعد ان كانت السجون لفئات معينة من الناس والموت لفئات اخرى أصبح يشمل كل الشعب والاسوأ من هذا أن لم يأت من هو افضل من صدام ولو بمقدار ذرة. اللهم فرج كرب العراق واجمع شمل اهله واجعله بلدا آمنا مطمئنا وأصلح حاله

  14. الياس شلهوب ايطاليا ….
    السلام عليكم جميعا …
    امريكا تعرف ماذا تريد منا … ونحن نعرف ما ذا تريد امريكا منا …
    عشنا عبيد … منذ الخليقه للخوف والتسلط الوهمي لاسم امريكا واسرائيل ..
    في حين ان امريكا وان كانت قويه فهي ليست بالقوه الكافيه للسيطره على العالم كله …
    وهنا الشعره التي ستقسم ضهر البعير فان قواها ستتوزع على احتلال العالم مما يضعف وجودها وينتهك قواها وهي تحاول منذ الاول باحتلال العالم بوضع قاده برتب رؤساء وحكومات تخدمهم …
    وبما ان الشعوب انتفضت وان كانت بحركه الربيع الدامي التي ارادته امريكا للشعوب العربيه ..
    الا ان انقلب السحر على الساحر … فهاهي ثورة العبيد ….
    قامت ولم تخفت … وبداء الشعوب تتعرف على معنى الثوره ..
    وهاي هي امريكا لا تستطيع السيطره على جمع الكراة بيد واحده وستفقد زمامها …
    فعلينا بالتكاتف … كيف ….. وعدو امريكا هو ……. التكاتف …….
    الجواب …. التكاتف بطريقه الافعى ..
    وهنا يكمن تفائيلي … سنتكاتف يا الياس … وتذكر ….. طريقة الافعى..
    تحياتي

  15. ان شاء الله ترجع العراق محبة وسلام واهم شيئ تعايش الطوائف
    اتمنى ذلك ايضا لسوريا

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *