كتب علي البغدادي في “المستقبل” اللبنانية:
تحولت تكريت ومعظم مدن محافظة صلاح الدين (شمال بغداد)، الى مستنقع موت لكبار قيادات الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً بعدما ظهر دور طهران واضحاً في الحملة العسكرية الجارية ضد تنظيم «داعش« على حساب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، التي تمكنت من ممارسة ضغوط شديدة على بغداد لوقف معركة تكريت.
وباتت المدينة حيث ولد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وبلدات محيطة فيها، ساحة صراع اقليمي ـ دولي، حيث تشهد منذ مطلع آذار الجاري، معارك شرسة ضد تنظيم «داعش« تقودها ميليشيات شيعية بينها عناصر من قوات النخبة في الحرس الثوري، ومن المتوقع أن تتسع الخلافات بين هذه الميليشيات بعد رفضها انضمام قوات تابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لقتال التنظيم المتشدد.
وفي هذا الصدد، كشف مصدر عسكري مطلع لصحيفة «المستقبل» ان «الحرس الثوري فقد نحو 10 من كبار المستشارين العسكريين الذين يشرفون على المعارك التي يشنها عناصر الحشد الشعبي في محيط مدينة تكريت والبلدات القريبة منها»، لافتاً الى ان «هناك انزعاجا في صفوف المستشارين الايرانيين من ضعف الامكانات الموجودة لدى بعض فصائل الحشد الموالية«.
وأوضح المصدر ان «قيادات في الجيش العراقي تراقب تطورات الاوضاع على الارض من قيادة عمليات سامراء (جنوب تكريت)، باتت تتحدث عن تحول تكريت الى مستنقع موت لكبار قادة الحرس الثوري الذين افصحت التجربة العسكرية التي يخوضونها في عدد من المدن العراقية وآخرها تكريت، عن اتباعهم اسلوبا كلاسيكيا قديما في خوض المعارك لا يتلاءم مع الهالة الاعلامية التي تحيط بهم«.
وأكد المصدر أن قائد «فيلق القدس« الجنرال قاسم «سليماني الذي تظهره صور تبثها وسائل الاعلام الايرانية، كرجل قوي وشجاع، كثيرا ما يسارع الى الاختباء في ملاجئ معدة له عند اشتداد المعارك في محيط تكريت، او قرب سامراء، ولا يخرج منها الا عندما تهدأ حدة المعارك، كما شوهد اكثر من مرة يفر راكضاً للاحتماء في المنازل القريبة التي هجرها سكانها، عند حصول حالات قنص ينفذها المسلحون«.
واوضح المصدر ان «الاعلان عن مقتل القائد العسكري الايراني رفيع المستوى صادق ياري، المقرب من سليماني، من جراء هجوم انتحاري في مدينة تكريت قبل أيام، لم يكن الوحيد، اذ قتل غيره كذلك، الا ان المستشارين الايرانيين اتخذوا قرارا بالتعتيم على نشر تلك الاخبار«، لافتاً الى ان «قيادات الصف الثاني وبعض قيادات الصف الاول في الحرس الثوري، بدوأ يتساقطون الواحد تلو الاخر مع اشتداد المعارك، ومعظمهم ممن عمل برفقة الجنرال سليماني لسنوات طويلة في قيادة «فيلق القدس« في طهران او كانوا إلى جانبه في سوريا«.
في غضون ذلك، كشف مسؤول محلي في صلاح الدين (شمال بغداد)، ان قرار القيادات العراقية بوقف عملية السيطرة على مدينة تكريت، جاء بعد ضغوط أميركية على الحكومة العراقية»، مشيرا الى أن «جميع التبريرات التي اعلنت من قبل المسؤولين الامنيين عن وقف العملية العسكرية، ليست واقعية».
لكن جواد الطليباوي، المسؤول العسكري لميليشيات «عصائب اهل الحق» (بزعامة الشيخ قيس الخزعلي)، احد ابرز الفصائل النافذة، كان له رأي آخر، اذ تحدث عن معلومات استخباراتية «تفيد بوجود نحو 20 انتحارياً في مدينة تكريت، لذلك اعددنا الخطط اللازمة لدخول المدينة بأقل الخسائر» مرجحا ان «تبدأ عملية تحرير مركز مدينة تكريت بعد ما بين 4 الى 5 ايام«.
وفي خطوة قد تثير نزاعات داخلية بين الفصائل الشيعية المسلحة، رفض بعض قادة ميليشيات الحشد الشعبي مشاركة قوات «سرايا السلام» التابعة لرجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر في معركة تكريت. وهددت قيادات الحشد الشعبي بحسب ما افادته مصادر صحافية، بسحب مقاتليها من المعركة في حال اشتركت «كتائب السلام« في المعارك ضد مسلحي تنظيم «داعش« في محافظة صلاح الدين.
ويعود الخلاف بحسب المصادر نفسها، إلى إصرار الصدر على تولي الجيش العراقي قيادة القوات، الأمر الذي عارضته قيادات الحشد الشعبي التي تعتمد في اتخاذ قراراتها على المشورة والقيادة في إيران.
وكان الصدر أعلن الأسبوع الماضي إرسال نحو 1500 مقاتل من «سرايا السلام» إلى مدينة سامراء (جنوب تكريت) لمواجهة «داعش»، وذلك بعد وقف مشاركة قواته في المعارك عقب اتهامات للحشد الشعبي بارتكاب انتهاكات في العمليات التي شهدتها مناطق كان يسيطر عليها التنظيم المتطرف.
وأوقفت فصائل الحشد الشعبي بشكل مفاجئ تقدمها باتجاه مركز تكريت بعد ايام من تحقيق مكاسب واضحة على مسلحي تنظيم «داعش« في بلدتي العلم والدور وقرية البو عجيل، وسط مخاوف عبرت عنها واشنطن، من قيام عناصر الفصائل الشيعية بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين السنة.
وكان الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» الجنرال ديفيد بتريوس حذر من أن «الخطر الحقيقي على استقرار العراق، على المدى الطويل، يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وليس من تنظيم «داعش«.
ورأي بتريوس الذي قاد الجيش الأميركي في العراق في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» أنه «على قدر ما لعبوا (الميليشيات) دوراً في خلاص العراق، إلا انهم يشكلون التهديد الأكبر لكل الجهود الرامية إلى جعل سنة العراق جزءاً من الحل في العراق، وليس عاملا للفشل»، محذرا من تنامي نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران بحيث «تصبح الحكومة العراقية عاجزة عن احتوائها على المدى البعيد، وقد تبرز هذه الميليشيات المدعومة من إيران، كقوة مؤثرة في البلاد، وتخرج عن سيطرة الحكومة وتدين بالولاء لطهران«.
ميدانياً، افاد مصدر امني في محافظة صلاح الدين، بأن اثنين من عناصر ميليشيات الحشد الشعبي قتلا واصيب 7 اخرون بتفجير انتحاري استهدف نقطة تفتيش لهم على الخط السريع غرب سامراء (40 كيلومتراً جنوب تكريت)، أعقبه اندلاع اشتباكات بين التنظيم والقطعات الأمنية المنتشرة في المنطقة.
الى ذلك، قال مصدر في قيادة عمليات سامراء إن «قوة عسكرية وبالتنسيق مع طيران الجيش، تمكنت من تفجير صهريج مفخخ يقوده انتحاري وعجلة رباعية الدفع«، موضحا أن «الصهريج المفخخ كان معدا لاستهداف القطعات العسكرية المنتشرة غرب قضاء سامراء«.
وشهدت المحافظة امس اندلاع اشتباكات عنيفة بين مسلحي «داعش» والقوات الأمنية في اطراف قرية المزرعة (شمال تكريت)، فيما سقطت ثلاث قذائف هاون وسط القرية.
وفي الانبار (غرب العراق) أعلن مصدر امني ان فصائل الحشد الشعبي المدعومة من الجيش العراقي، تحاصر ناحية الكرمة شرق الفلوجة (62 كيلومتراً غرب بغداد) من ثلاثة محاور، مؤكدا أن «القوات الأمنية تنتظر ساعة الصفر لاقتحام المدينة التي لا يملك فيها تنظيم «داعش« غير منفذ واحد للهرب باتجاه الفلوجة«.