كاتب المقال: فهد ناظر هو الخبير في شؤون الإرهاب بمؤسسة “JTG” ومحلل سياسي سابق في السفارة السعودية بالعاصمة الأمريكية، واشنطن، ظهرت كتاباته في كل من ” The New York Times” و “CNN” و”Foreign Policy” و “Yale Global Online” و “Al monitor”، تابعوا حسابه على تويتر. (المقال الوارد يعبر عن رأي الكاتب وحده، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN)
الشرق الأوسط ليس غريباً عن نظريات المؤامرة، خاصة واحدة تداولتها وسائل الإعلام العربية (في شكليها التقليدي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي) خلال الأشهر القليلة الماضية، تمحورت حول أنه، وعلى العكس ما قد يظهر بأن كلاً من بشار الأسد والجماعة المنشقة عن القاعدة، المعروفة باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو “داعش”، متعاونان سوياً، لإلغاء مصداقية الانشقاقات المعتدلة المنبثقة عن المعارضة السورية، ولإعطاء وصف “الإرهابيين” على جميع الثوار.
ولكن لا يوجد دليل صريح على وجود تعاون بين الطرفين، رغم أن “داعش” في سوريا باعت نفطاً للنظام السوري، بعد سيطرتها على عدد من حقول النفط والغاز الطبيعي، وفقاً لما أشار إليه مسؤولون أمريكيون نقلاً عن صحيفة “بوسطن غلوب.”
كما أنه وثق عد تركيز قوات الأسد قتالها في المناطق الخاضعة لسيطرة “داعش” مثل الرقة في شمال سوريا، وركزت قتالها عوضاً عن ذلك في المناطق التي خضعت لسيطرة الجيش السوري الحر، ولسيطرة مجموعات إسلامية أخرى أقل تشدداً في مدن مثل حمص.
وفي الوقت ذاته، بدا تنظيم “داعش” مهتماً أكثر بقتال جماعات معارضة أخرى، من ضمنها “الجيش السوري الحر”، و”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”، أكثر من اهتمامها بمقاتلة قوات الأسد.
وفي العراق، يبدو أن رئيس الوزراء، نوري المالكي، يعمل على استعارة صفحة من كتاب قوانين اللعب الخاص بالأسد، إذ أن الاقتحام السريع لثاني أكبر مدن العراق “الموصل”، صدم المجتمع الدولي، وخلق حالة من الذعر حول اقتراب القاعدة من تأسيس دولة “الخلافة” الموعودة، على مساحة واسعة بين العراق وسوريا، ولكن الانهيار السريع لقوات الأمن العراقية في المدينة وبأماكن أخرى، دعا البعض إلى الشك في وجود خطأ في اللعبة.
ففي الوقت الذي أدى فيه العنف الناجم عن النظام السوري إلى تشدد بعض عناصر المعارضة والسماح للقاعدة بتأسيس تشكيلة جهادية مع بعض السنة من سوريا، ومن عدد من بلدان العالم الإسلامي، كما أن المالكي قام باللجوء إلى تكتيكات نجمت عن تهميش الأقلية السنية، ولجوء بعض أفرادها إلى التشدد.
صراخ “الإرهابيين” لفت الانتباه إلى رفض المجتمع الدولي الدخول في مواجهة بسوريا لإيقاف الحملة التي يشنها الأسد، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص، ولجوء ونزوح الملايين، ويبقى رؤية نداء البوق الذي أطلقه المالكي، إن كان سيجبر المجتمع الدولي، وخاصةً الولايات المتحدة، للتدخل في “معركة العراق.”
بعض المحللين الذين يكسبون رزقهم من دراسة القاعدة حذروا، ومنذ بداية يناير/ كانون الثاني 2012، من أن سوريا يمكنها أن تتحول إلى أفغانستان أخرى، والآن أصبحت بالفعل الوجهة المفضلة للميليشيات الإسلامية من حول العالم، من بينهم المئات من الغرب، وسمحت لتنظيم القاعدة بإعادة رسم اسمها بالمنطقة، ومنح عناصرها دفعة إيجابية كبيرة.
ورغم كل ذلك، فإن قلة اهتمام الأسد و”داعش” في القتال وجهاً لوجه، أثار انتباه البعض.
إذ يحكي عدد من السعوديين الذين شاركوا في القتال ضد القوات الموالية للأسد في سوريا، عن تجاربهم، بعد أن سلموا أنفسهم للسلطات السعودية، ناصحين الشباب السعوديين بعدم السفر إلى سوريا، وعدم الانضمام إلى “داعش”، وأنهم في حال انضمامهم سيواجهون عدواً “مجهولاً”، أو سعوديين آخرين انضموا لـ”جماعات جهادية” أخرى.
ومع أواسط عام 2013، انشق صدع كبير بين “داعش” و”جبهة النصرة”، مما دعا زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، إلى نفي أي صلة لـ”داعش” بجماعته.
وفي رد قوي، اتهمت “داعش” الظواهري بكونه المصدر الأساسي للخلاف بين المجاهدين، بل وأشارت أيضاً إلى أن سلفها “القاعدة في العراق”، لم تقم بأي عمليات على الأراضي الإيرانية، بأوامر من الظواهري.
وهذه فكرة أخرى تم تداولها لمدة أعوام أيضاً، أشارت إلى وجود نوع من التفاهم بين تنظيم القاعدة وإيران، بحجة عدم تنفيذ التنظيم لأي عمليات في الأراضي الإيرانية، رغم نقده الطائفي اللاذع وهجماته المعتادة ضد شيعة العراق.
وقد كان المالكي عنصراً أساسياً في عدم القيام بجهد كاف لضم الأقلية السنية بالعراق في عملية “بناء الأمة”، والتي حاولت الدولة تبنيها منذ الإطاحة بالرئيس الراحل، صدام حسين، عام 2003، وهنالك تهم موجهة لحكومته بالفساد والمحسوبية، من بينها الرتب العسكرية، والعديدون اتهموا المالكي بترويجه لحلفائه الشيعة، وتهميش منافسيه من السنة والأكراد.
وقد بذل قادة القبائل السنية جهداً للدخول في هذه العملية، من خلال الترويج لما أسموه بحركة “الصحوة” عام 2008، والتي نجم عنها تقليل العنف في الدولة، وإنكار للقاعدة على مدى واسع، لكن المالكي رفض دمج ما يقرب من 90 ألف عنصر قبلي في قواته الأمنية، على عكس وعوده.
كما أن المالكي كان يقوم، في بعض الأحيان، بتوظيف مفردات طائفية خلال وصفه للمعارضة السنية في وسط العراق وشماله، ومثل الأسد، استعمل كلمة “الإرهابيين” في وصفه للسنة، الذين بدأوا بالتظاهر ضد نظامه في أواخر عام 2012، وكما احتوت بعض المحافظات مثل الأنبار على عناصر متشددة مرتبطة بـ “داعش”، أيضاً كان الحال مع أفراد القبائل والبعثيين السابقين.
وفي الوقت الذي ربط فيه المراقبون حول العالم، وبالأخص في الغرب، أحداث الأسبوع الماضي والهجوم الذي أدارته “داعش”، إلا أن العديد من القادة السنة في العراق يؤكدون أن “التمرد” مكون من تحالف أوسع، وأن “داعش” تعتبر عنصراً واحداً منه.
هنالك دلائل على أن القوات العراقية ببساطة لم تقم بالدفاع عن الموصل، والتي تتميز بتحصين مركز أكثر من غيرها من المدن، ورغم صعوبة تأكيد ما حدث، قامت وسائل الإعلام العربية ببث قصص، مقتبسة تصريحات لمسؤولين في الجيش العراقي، قالوا إنهم “أمروا” بالانسحاب من مواقعهم في الموصل.
عشرات الفيديوهات التي ظهر فيها مقاتلو “داعش” خلال قتالهم في الموصل وتكريت وغيرها من المناطق، تشير إلى أن أعدادهم كانت محدودة وأنهم لم يملكوا أسلحة بكم كبير، وكنتيجة لذلك فإن انسحاب القوات الحكومية من مراكزها في الموصل، نتج عنه حصول “داعش” على أسلحة ومعدات قتالية ثقيلة، قد يكون من بينها دبابات ومروحيات، وهنالك تقارير تشير إلى أن مقاتليها سرقوا 400 مليون دولار أمريكي من بنوك الموصل.
كما كشف مؤخراً أن المالكي كان يطالب أمريكا، اعتباراً من بداية هذا العام، بالقيام بهجمات جوية على المناطق السنية، التي وقعت الآن تحت سيطرة “داعش” وغيرها من الميلشيات المسلحة، وقد طالب بذلك بعد وقوع اشتباكات عنيفة مع القوات الموالية لحكومته، تلت حركة تظاهر سنية.
هنالك القليل من الشك بأن العنف الذي مارسه الأسد، قام بإنعاش القاعدة، وأن سياسة المالكي لرسم الحياة داخل العراق، يمكنها أن تحول “داعش” إلى ما يمكن وصفه بـ”أخطر تنظيم منبثق عن القاعدة في التاريخ”، وسيكون من الحكمة إن قام المجتمع الدولي، وبالأخص أمريكا، باتخاذ الإجراءات الاحترازية ذاتها، التي اتبعتها في سوريا، وأن توظفها في العراق.