كتب سركيس نعوم في النهار اللبنانية:
قد يكون الرافضون الأميركيون للضربة العسكرية “المحدودة” لنظام الأسد أكثر بقليل من 50 في المئة استناداً الى استطلاعات الرأي الأخيرة. لكن تشدُّدهم في الرفض انعكس على ممثليهم في الكونغرس وشجّع الرافضين منهم لها على خوض معركة مع زملائهم المؤيدين لها، الأمر الذي يجعل التكهن بنتيجة التصويت عليها وخصوصاً في مجلس النواب أمراً بالغ الصعوبة. طبعاً يخوض الرئيس باراك أوباما معركة قاسية لاقناع الغالبية فيه بالموافقة، كما يخوض معركة مماثلة داخل المعسكرين الدولي والعربي الحليفين له للحصول على تأييد عدد كبير من دولهما بعد رفض البعض وتردُّد البعض الآخر، وتحفُّظ البعض الثالث. ساعده في معركة الداخل وزيرا الخارجية والدفاع ومسؤولون كبار في البيت الأبيض. ويكمل معركة الخارج التي بدأها هو ووزير الخارجية من باريس وعواصم أوروبية أخرى. ولعل ما يحزن الرئيس الأميركي أنه وجد نفسه مضطراً الى البحث في تنفيذ ضربة عسكرية قد تورط بلاده في المنطقة والعالم، هو الذي انتُخب أساساً لتعهده بانهاء تورطها العسكري في الخارج. لكن ما يحزنه أكثر، استناداً الى متابعين جديين في واشنطن، هو أمور ثلاثة رغم أنه لم يتفاجأ بها لأنها من “حقائق” العمل السياسي والعلاقات الدولية القائمة على المصالح لا المُثُل. الأمر الأول هو انطلاق غالبية رافضي الضربة العسكرية من أعضاء الكونغرس، من مصالحهم الانتخابية. فالعام المقبل سيشهد تغيير أعضاء مجلس النواب بالانتخاب، وقسماً من أعضاء مجلس الشيوخ. ومُغادِرو المجلسين يريدون العودة اليهما، وذلك سيكون مستحيلاً اذا استمرت غالبية الناخبين للأميركيين ضد أي تورُّط عسكري. علماً أن اللوبي اليهودي الأميركي، المؤيد لاسرائيل والنافذ عادة في الكونغرس بسبب تأثيره الانتخابي، يؤيد الضربة العسكرية لأسد سوريا ويعمل لاقناع أعضائه بالموافقة عليها. فهل يعيد ذلك الأوضاع الكونغرسية لمصلحة أوباما وقراره، أم تبدأ أميركا فعلاً التحلُّل التدريجي من نفوذ اسرائيل الطاغي على الكونغرس فيها؟ وهل يفضِّل ممثلو شعب أميركا مصالحهم الانتخابية على بلادهم التي ستتأثر مصالحها ودورها وهيبتها اذا عاد أوباما عن قرار تنفيذ الضربة العسكرية؟ والأمر الثاني هو “غنج” أوروبا وامتناعها حتى الآن عن تأييده في قراره “العسكري”. وأسبابه الخوف من تبعاته الاقتصادية ومضاعفاته الأمنية. علماً أنها تعرف أن رفاهيتها ناتجة أساساً عن التقليص المزمن لانفاقها العسكري جراء اعتمادها عسكرياً على الحماية الأميركية. فهل هكذا يُكافأ الحُماة؟ أما الأمر الثالث والأخير فهو تردُّد بعض العرب في التأييد أو في المشاركة وان لوجيستية رغم حماية أميركا لهم التي من دونها كان بعضهم غاب من زمان، ورغم تأييدهم في الغرف المغلقة ليس لتوجيه ضربة عسكرية الى نظام الأسد بل للتخلص منه دفعة واحدة.
هل ينفِّذ أوباما الضربة العسكرية رغم عدم موافقة الكونغرس أو أحد مجلسيه؟
يجب انتظار ما سيقوله في خطابه اليوم، يجيب المتابعون الأميركيون الجدّيون أنفسهم. لكنهم يلفتون الى اعتقاد “العارفين” في واشنطن والمعلِّقين وأصحاب الأوزان الثقيلة أنه سينفِّذها في أي حال. ويلفتون أيضاً الى تعهده تزويد الثوار بأسلحة وأعتدة تؤذي الأسد واخضاع المنشقين عن الجيش النظامي الى تدريب جدي وقاس وشامل. ويلفتون ثالثاً الى خيبة من الرئيس الروسي بوتين اذ كان عليه، في حال تأكده أن أوباما سيضرب، التقدم باقتراحات جدية بدلاً من توجيه الانتقادات الساخرة. ويلفتون رابعاً الى أن التحضير الأميركي للضربة والكلام عنها انعكس سلباً على الأسد وعسكره، اذ فقد المبادرة، وخصوصاً بعدما تأكد أن كتيبة أخيه العسكرية التي تتولى حمايته هي من ضمن “بنك أهداف” الضربة. لكن ما يقلق هؤلاء المتابعين هو الأوضاع في لبنان التي قد تتأثر في حال ردّ “حزب الله” على الضربة لأنه سيستجلب ردّاً ضده. ولذلك فانهم يتمنون أن يسعى أصحاب العقول الباردة في طهران الى اقناع “الحزب” وقبله الأسد بعدم الرد على “الضربة المحدودة”؟
في النهاية يسأل المتابعون أنفسهم: هل تنتظر ادارة أميركا الكونغرس اذا هدَّدت ايران بضرب اسرائيل؟ هل تنتظر اسرائيل الكونغرس للرد على “حزب الله” اذا استعمل “الكيماوي” ضدَّها؟ وهل تنتظر أميركا الكونغرس اذا وجّهت كوريا الشمالية ضربة لحليفتها كوريا الجنوبية؟ ويقولون: ان شاء الله تنجح صفقة “الكيماوي”؟