(CNN) — قال أنس الزرقا، الباحث الإسلامي المعروف والمتخصص في القضايا الاقتصاد والتمويل الإسلامي، إن دور المصارف المركزية يبقى أساسيا بالنسبة للبنوك الإسلامية، كما أن لها دورا راعيا يحول دون انهيار النظام الرأسمالي المعرض للأزمات، كما رفض الانتقادات الموجهة إلى المصارف الإسلامية بقضايا “التمويل الخيري” قائلا إنه لا يحق لها شرعا تقديم التبرعات الخيرية.
وقال الزرقا، وهو نجل العلامة السوري مصطفى الزرقا، وكبير المستشارين لدى شركة شورى للاستشارات الشرعية بالكويت، في بحث قدمه بمؤتمر المصارف الإسلامية الذي نظمته مؤخرا جامعة الأردن، إن دور البنك المركزي سيزاد كلما زاد الاقتراب من تطبيق مبادئ التمويل الإسلامي التي تراعي مقاصد الشريعة في الحياة الاقتصادية، وكلما ازدادت أعداد وأنواع المؤسسات المالية الإسلامية من مصارف وسواها.
ويلفت الزرقا إلى أن النظام النقدي في العصر النبوي (نظام المعدنين الذهب والفضة، وحرية انتقال هذين النقدين الدوليين حينئذ، وحرية سعر الصرف بين المعدنين، وعدم وجود سلطة نقدية وطنية أو دولية( يختلف اختلافا عظيما عن النظام النقدي والمصرفي المعاصر. وهو اختلاف مؤثر في تحقيق مناط كثير من الأحكام الشرعية.
مضيفا أن من نتائج ذلك “هشاشة النظام النقدي والمصرفي” إذ أنه بصوره المعاصرة “بحاجة مستمرة في كل بلد الى راع يقظ، وإلا تسارع انهياره،” مشيرا إلى أن هذا الراعي هو البنك المركزي الذي يحاول دائما تجنب وقوع الاقتصاد في أزمات، ما يجعل البنوك المركزية “محافظة بالفطرة، تتخوف من صيغ التمويل الجديدة” ورأى أن ذلك “يفسر بعض الفتور بل التوجس الذي أبدته نحو التمويل الإسلامي” في بداياته.
ويلفت الزرقا إلى أن قطاع البنوك في أكثر دول العالم، وبخاصة النامية، يسوده ما يسمى اقتصاديا “منافسة القلة أو احتكار القلة” وهو محمي قانونيا نتيجة امتناع السلطات النقدية عن الترخيص إلا لعدد محدود من البنوك والمصارف.
وشدد الزرقا على ضرورة النظر إلى المصارف المركزية ليس من باب أحكام الشريعة فحسب، بل أيضا من باب فقه الواقع، مضيفا أن البنك المركزي “لا بد أن ينهض بسياسات جديدة تقع ضمن اختصاصه وتساهم في تحقيق مقاصد شرعية كبرى، أعلاها مقصد مكافحة الفقر والعطالة.. وضبط الآليات التي تزيد من تركز الثروة.”
وحول قضية التمويل الخيري للفقراء تساءل الزرقا: “لم لا تقدم الصناعة المالية الإسلامية التمويل الخيري للفقراء؟ يلاحظ على المصارف الإسلامية منذ ولادتها قبل نحو أربعين عاماً إلى اليوم أنها قلما تقدم تمويلا خيريا للفقراء، بل تغلب عليها بوضوح السمات التجارية، إلا في استبعادها الربا وسواه من المعاملات المالية المحرمة. ”
وأضاف: “إن عدم تقديم هذه الصناعة للتمويل الخيري يراه الكثيرون حتى من محبيها نقداً محقاً. لكني مع تسليمي بوقوعه أراه انتقاداً في غير محله، وأرى أن هذه الصناعة معذورة في تحاشي التمويل الخيري، لثلاثة اعتبارات، الأول أنها كانت حتى سنين قريبة صناعة ناشئة أكبر همها أن تستطيع العيش مالياً على أسس تجارية في إطار الحلال، أما الثاني فيتعلق بالصيغ السائدة لتقديم التمويل، والتي تؤول على اختلافها إلى المداينة لا المشاركة.”
وتابع الزرقا بالقول: “الثالث هو حكم فقهي دائم يمنع المصارف الإسلامية بصفتها (مضارباً) من تقديم التمويل الخيري! إن المضارب عند سائر الفقهاء ممنوع بتاتاً من التصرفات المنطوية على التبرع. بل هو ممنوع من أي تصرف لا يبتغي الربح كالقرض الحسن، والمبدأ الشرعي العام: أن من كان يتصرف في مال غيره بعقد – كالوكيل والشريك والمضارب – أو بولاية شرعية كولي اليتيم، لا يجوز له أن يتصرف إلا فيما هو في مصلحة ذلك الغير المالية . فلا يحق له أن يتبرع، ولا أن يبيع بأقل من سعر السوق أو يشتري بأكثر.”
وشدد الزرقا في معرض الحديث عن هذا الباب بالقول إن هذا لا يعني بأن الفقه يمنع التمويل الخيري، بل هو يرشد الناس إلى طلبه ممن يحق لهم تقديم التبرع شرعاً، وهم حصراً أرباب المال الأصلاء، لا وكلاؤهم ولا شركاؤهم ولا المصارف المستثمرة لأموالهم.
وختم الباحث الإسلامي والاقتصادي السوري بالقول: “الفقراء محجوبون عملياً عن تلقي التمويل التجاري فضلا عن التمويل الخيري من المصارف. التمويل الخيري للفقراء لابد له من تفويض صريح من أرباب المال، أو إلزام صحيح من الدولة، مع تنظيمه من البنك المركزي.”