(CNN) — هل من مبرر اقتصادي فعلي لعدم إجازة النظام المالي الإسلامي للفائدة، أو ما يعرف اصطلاحا بـ”الربا” وتحريمه استنادا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة؟ وهل أن التعامل مع المال باعتباره سلعة يرتب مضارا اقتصادية ويهدد النظم المالية العالمية بالكوارث المتتالية.
لقد حاول القاضي الباكستاني محمد تقي عثماني، في دراسة سابقة له تناول فيها تأثيرات الفائدة على المجتمع أن ارتدادات “الربا” في السابق كانت تقتصر على المقترض الذي يضطر إلى دفع مبلغ أكبر من ذلك الذي اقترضه، ولكن تلك الارتدادات باتت مع الوقت تصيب المجتمع ككل بسبب دخول الفائدة في كافة أوجه المعاملات المالية بطريقة أو بأخرى لتصبح المحرك الأساسي للاقتصاد الرأسمالي.
ويشير عثماني، في الدراسة التي نشرها معهد المصرفية الإسلامية والتأمين، إلى أن الإسلام لا ينظر إلى النقود على أنها سلعة كما ينظر إليها النظام الرأسمالي، ويضيف أن الإمام أبوحامد الغزالي، الداعية الإسلامي الذي ظهر في القرن الخامس، قال: من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير، وبهما قوام الدنيا، وهما حجران لا منفعة في أعيانهما، ولكن يضطر الخلق إليهما، حيث إن كل إنسان يحتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه وملبسه وسائر حاجاته.”
ويتابع الغزالي بالقول: “فخلق الله تعالى الدراهم والدنانير حاكمين متوسطين بين سائر الأموال، إذ لا غرض في أعيانهما.”
ويلفت عثماني إلى أن هذا الفهم للإمام الغزالي لدور المال على أنه وسيط يحدد قيمة البضائع هو الوصف الذي توصل إليه خبراء الاقتصاد بعد ذلك بقرون، ولكنهم لم يتمكنوا من تجاوز ذلك وفهم المنطق الذي يقف خلف تلك الكلمات من أنه هو نفسه ليس بضاعة، ولا يجب بالتالي معاملته على هذا الأساس.
ويضيف عثماني أن الغزالي يأخذ مفهوم المال كوسيط للتداول إلى أبعاد جديدة من خلال تأكيده على أنه خلال تبادل المال من نفس الفئة لا يجب أن ينتج عن ذلك منفعة مادية.
ويقول البروفسور جون غراي من جامعة أوكسفورد بكتابه “البجعة المزيفة” إن التداولات في الأسواق الدولية تجاوزت حاجز 1.2 ترليون دولار يوميا، ما يعادل 50 مرة حجم التجارة الدولية، مضيفا أن 95 في المائة من تلك التداولات تتعلق بعقود تقوم على المضاربات، وهي بمعظمها منتجات مهيكلة تستند إلى الخيارات أو العقود الآجلة.
ويلفت عثماني إلى نص آخر للباحث جيمس روبرتسون من كتابع “تحويل الحياة الاقتصادية” يعتبر فيه أن الأموال والنظام المالي المعاصر “غير عادل ويدمر البيئة الطبيعية وغير مجد على الصعيد الاقتصاد” مضيفا إلى أن الاندفاع عن الاستهلاك والثروات قد أدى إلى نمو السعي إلى “إنتاج المال من المال” تسبب بموجة عالمية من تشتيت الجهود بعيدا عن توفير المنتجات والخدمات المفيدة.
ويرى عثماني أن الإمام الغزالي كان قد أدرك هذه الحقيقة قبل 900 سنة إذ يقول في أحد كتبه حول أسباب تحريم الربا: “إنما حُرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقداً أو آجلاً خف عليه اكتساب المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعة والإعمار.”