يرى كثير من الإيرانيين أن العقوبات المصرفية والنفطية المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على طهران أدت إلى هبوط حاد في الريال الإيراني، الذي فقد نحو 60 في المائة من قيمته منذ يناير/كانون الثاني 2012، وأدى ذلك بدوره إلى خلق أنظمة مصرفية متعددة تم استغلالها من جانب أولئك الذين على صلة بالصفوة السياسية.
وانعكس تأثير هذه العقوبات بصورة مباشرة على شريحة كبيرة أخرى من الإيرانيين، إذ يواجه نحو 60 ألف طالب في الخارج تهديدا بإغلاق حساباتهم المصرفية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، بسبب سعي المصارف إلى تجنب انتهاك العقوبات المصرفية الأمريكية.
ويعود كثير من الطلاب أيضاً إلى وطنهم؛ لأن عائلاتهم لم يعد بإمكانها أن تدعمهم بعد الهبوط الشديد في قيمة الريال. لكن الناس البسطاء يدركون أن أبناء المسؤولين الكبار قادرون على البقاء في الخارج.
ويقول هاتيف هايري، وهو مستشار في مجال الأعمال “هؤلاء الذين لديهم صلات أفضل والأقوياء مالياً يستطيعون تجاوز حاجز العقوبات المتين، لكن مرضى السرطان والطلبة محاصرون. القوى الغربية كان بإمكانها صياغة عقوبات محددة، لكن بدلاً من ذلك قررت إطلاق النار بصورة عمياء وابتزاز 75 مليون إيراني”.
محمد ريزا بهزاديان، وهو مستورد سلع وأدوية إيراني، ظل يحاول منذ أكثر من ثلاثة أشهر استيراد خمسة آلاف طن من القمح من كازاخستان، لكن ليس باستطاعته دفع قيمتها؛ لأن الحكومة لم تزوده بالعملة الأجنبية بالسعر الرسمي.
ويعلق على ذلك قائلا لصحيفة الاقتصادية السعودية، “هناك ما يكفي من العملة الصعبة لاستيراد الأناناس وسيارات البورش بواسطة رجال أعمال من أصحاب الحظوة، لكن لا يوجد ما يكفي من أجل القمح الذي يستورده رجل أعمال من القطاع الخاص”.
ويقول بهزاديان وأصحاب شركات خاصة آخرون في إيران، إن العقوبات الدولية المفروضة على بلادهم بسبب برنامجها النووي تغذي الاقتصاد الريعي الذي يفيد أصحاب الشركات ممن هم على صلة بالمسؤولين الكبار، في حين أن الشركات الخاصة والأشخاص العاديين في معاناة.
وفي الشهر الماضي قال ديفيد إس. كوهين، وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، الذي يشرف على برنامج العقوبات، إن العقوبات كانت تهدف إلى تكثيف الضغط الاقتصادي ضد النظام الإيراني.
وتزود الحكومة الايرانية رجال الأعمال بالدولار بسعر رسمي يبلغ 12.260 ريال لاستيراد الغذاء والدواء، وبسعر أعلى يبلغ 24.386 ريال لسلع أخرى مثل المواشي والفلزات والمعادن. وباقي التجارة بسعر السوق المفتوح الذي وصل إلى 35.500 ريال يوم الثلاثاء الماضي.
وبحسب رجال أعمال من القطاع الخاص، يستطيع أصحاب الأعمال الذين تربطهم صلات بالمسؤولين ذوي النفوذ، الوصول بسهولة أكبر إلى العملات الصعبة الأقل ثمناً، وقد يبيعون سلعهم المستوردة بأسعار السوق المفتوحة؛ ما يسمح لهم بتكديس ثروة كبيرة.
ويقول رجال الأعمال إنه لا خيار أمامهم سوى استخدام أسعار الصرف المعمول بها في السوق المفتوحة لإنجاز معاملاتهم المالية مع المصارف في الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وروسيا أو أن يستخدموا نظام الحوالة، وهو أسلوب تقليدي لتحويل الأموال يعتمد على وسطاء موثوق بهم. وهذا يجعل تجارتهم مكلفة أكثر وذات خطورة أعلى.
ولاحظ بهزاديان أن الشركات الأمريكية تبيع الدواء والسلع إلى الشركات الحكومية الإيرانية بصورة أسهل من الشركات الخاصة، من خلال وثائق تنازل تقدمها واشنطن.
وقال إنه فشل في جعل شركات أدوية أمريكية تزوده بأدوية العلاج الكيماوي لمرضى السرطان، بسبب العقوبات المصرفية؛ الأمر الذي جعله يلجأ إلى الشركات الألمانية.
وأضاف “الشركة الألمانية باعت الدواء، لكنها رفضت أن تعطيه شهادة صيدلانية خوفاً من استفزاز الولايات المتحدة، مع أن كثيرا من مرضى السرطان في حاجة إلى ذلك الدواء، إلا أنه عالق الآن في مستودعات في إيران؛ لأن وزارة الصحة لا تسمح بتوزيع أي دواء من دون شهادة”.
ويتألف القطاع الخاص في إيران بشكل كبير من شركات صغيرة ومتوسطة، ويرجع ذلك جزئياً إلى سياسة غير معلنة للنظام الإسلامي الحاكم الذي لا يدع مجالا لرجال الأعمال أصحاب الشركات الخاصة كي يصبحوا أقوياء للغاية، خوفاً من أن يزيد هذا من تأثيرهم السياسي.
والشركات الخاصة مهمشة أيضاً من الشركات الحكومية، أو تلك المرتبطة بالمؤسسات الحكومية، التي نشأت في أعقاب برنامج تخصيص معيب على مدار العقدين الماضيين.
وكثير من هذه الشركات الحكومية تضررت من نقص الاستثمار والصعوبات في نقل التكنولوجيا بسبب العقوبات، لكن لها مكاتب تمثلها خارج البلاد وتعطيها رؤية أكبر لتخطي التحديات التجارية أكثر مما هو متاح لشركات القطاع الخاص.