(CNN) — قال رائد شرف الدين، النائب الأول لحاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) إن قطاع المصارف الإسلامية مازال حديث العهد بالبلاد المعروفة بمدى تطور نظامها المصرفي وضخامة حجمه، مضيفا أن التنوع الطائفي في لبنان كان له أثر على عملها، ولكنه حضها بالمقابل على زيادة وعي المجتمع بطبيعة نشاطها لإزالة هذه العوائق.
وتوقع شرف الدين، الذي يتولى العديد من المهام بينها المحافظ المناوب عن لبنان في مجلس صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي، ورئيس اللجنة التنظيمية للمصارف الإسلامية بمصرف لبنان، مستقبلا مزدهرا للقطاع في البلاد، بحال النجاح في تجاوز “العقبات الجوهرية” خاصةً ما يرتبط بالقوانين اللبنانية إضافة إلى توفر البيئة الاستثمارية المؤاتية.
وفي ما يلي النص الكامل لمقابلة شرف الدين مع CNN بالعربية ضمن تغطية “الشريعة والمال”.
1- كم عدد المصارف الإسلامية في لبنان وكيف ترون نسبة نمو أرباح وموجودات المصارف الإسلامية مقارنة بنسبة نمو المصارف التقليدية؟
يوجد في لبنان حالياً خمسة مصارف إسلامية، بينهما اثنان تعود ملكيتهما بشكل أساسي لمصارف تقليدية لبنانية، واثنان لمصارف إسلامية عربية، والخامس يمثل فرعا لأحد المصارف الإسلامية العربية.
هذه المصارف حديثة العهد في لبنان نسبياً، لذا لا يمكن مقارنة نموها مع المصارف التقليدية سيما وأن مجمل موجوداتها بأفضل سنواتها لا تتجاوز النصف بالمئة من مجمل موجودات المصارف العاملة في لبنان. إلا أنه من الجدير بالذكر أن معظم المصارف الإسلامية في تحسن مستمر لكن بوتيرة مختلفة وفقاً للظروف التي يمر بها لبنان.
2- هل نجحت المصارف الإسلامية في لبنان باجتذاب ودائع من خارج لبنان أسوة بالمصارف التقليدية؟
إن العوامل التي تجذب الودائع للمصارف من الخارج هي ثلاث أساسية: السرية المصرفية، ضمان الودائع (الثقة في النظام المصرفي اللبناني) وارتفاع المردود. فالعامل الأول، أي السرية المصرفية، متوفر في كافة العمليات المصرفية سواءً أكانت تقليدية أم إسلامية، يستثنى من ذلك حسابات المستثمرين في المصارف الإسلامية (حيث يطبق عليها إجراءات خاصة لحمايتها.)
أما العامل الثاني، وهو ضمان الودائع، فهو غير ممكن التحقق نظراً لطبيعة عمل هذه المصارف، بالمقابل هناك جهود كبيرة تبذل لزيادة الثقة بالقطاع المصرفي الإسلامي نظراً لحداثته.
الاختلاف الأساسي يكمن في العامل الثالث المرتبط بالمردود، والذي أدى الى ضعف استقطاب هذه الاستثمارات نظراً لانخفاض هذا المردود بسبب ارتفاع كلفة التمويل من جهة وعدم القدرة على الاستفادة من بعض الإعفاءات من جهة أخرى.
3 – كيف يستقبل اللبنانيون بتعددهم وتنوعهم المصارف الإسلامية، وهل هناك حاجة لدى تلك المصارف لزيادة الوعي بعملها؟
يتميز لبنان بأنه بلد متعدد الطوائف والثقافات، وحيث أن هذه المصارف – بدءا من تسميتها – تحتسب على جهة محددة لذا لا بد أن تختلف آراء وتعاملات اللبنانيين مع هذه المصارف. مع الإشارة الى أن هذا الاختلاف يمتد أيضاً الى المواطنين من الطائفة الإسلامية. وللتوضيح سوف نتناول الموضوع من عدة جوانب.
أولاً: إن تسمية المصارف الإسلامية قد توحي بأن عملها محصور فقط بالمسلمين، وهذا ليس بصحيح، إذ أنه ليس من الشروط أن يكون الموظف ولا لأصحاب رأس المال ولا العميل مسلمين. وهنا تقع أهمية التوعية من قبل المصارف الاسلامية العاملة تجاه المواطنين حول حقيقة عمل المصرفية الإسلامية. على الرغم أن هذه النشاطات ليست من مسؤولية مصرف لبنان، فقد سبق أن بادرنا بخطوات عدة في هذا الاتجاه، سواءً من حيث إعداد الدورات المتخصصة مستهدفةً بالدرجة الأولى العاملين في القطاع المصرفي التقليدي والإسلامي بالإضافة لبعض مؤسسات الدولة، أو من حيث المؤتمرات التي استقطبت العديد من الحضور والمحاضرين من داخل وخارج لبنان، أو من حيث المقابلات الإعلامية والمحاضرات الخاصة بهذا الموضوع.
وقد ترافق هذا مع قيام المصارف الإسلامية بدورها من خلال المشاركة في عدد من المقابلات الصحفية بكافة أنواعها المرئية والمكتوبة والمسموعة. لكني أقر أن على كاهل المصارف الإسلامية العاملة في لبنان مسؤولية مستمرة في هذا المجال.
ثانياً: إن آلية عمل المصارف الإسلامية مبنية على أساس المشاركة بالربح والخسارة، وبالتالي، عدم ضمان رأس المال. هذا يؤدي في العديد من الأحيان الى إحجام المواطنين عن الاستثمار في هذه المصارف بمن فيهم المسلمين، نظراً لما يترافق ذلك من المخاوف ليس فقط من خسارة المردود وإنما رأس المال أيضاً، وهذا ما يتطلب العمل الدؤوب من هذه المصارف لتكوين الثقة المطلوبة. وفي المقابل، يقوم مصرف لبنان بإصدار التعاميم واتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن نطاق صلاحياته من أجل ضمان حسن سير عمل هذه المصارف ووضع الضوابط حيث يلزم لمنع الإساءة في استثمار أموال المستثمرين لديه، وهو يعلن في كافة المناسبات هذا الأمر وينشر ما يصدر عنه سيما على الصفحة الإلكترونية الخاصة مما يزيد ثقة المستثمرين لوجود راع من جهة لكنه في نفس الحين رادع لحماية استثماراتهم الى حد ما.
ثالثاً: إن القوانين المرعية الإجراء لم تلحظ إعفاء بعض العمليات التي تقوم بها هذه المصارف من بعض الضرائب والرسوم مما يرفع كلفة هذه العمليات من جهة ويخفض العائد على الاستثمار من جهة أخرى، مما يضعف القدرة التنافسية لهذا المصارف مع المصارف التقليدية.
4- هل تلمسون توجها لدى المصارف التقليدية لفتح نوافذ إسلامية؟
إن القانون المنظّم لعمل المصارف الإسلامية في لبنان لا يسمح بإنشاء نوافذ إسلامية لأي مصرف كان. وقد أصدر مصرف لبنان تعميم يتضمن شروط إنشاء المصارف الإسلامية في لبنان، ومن أهم الشروط الواردة فيه أن تعود ملكية أي مصرف إسلامي بنسبة معينة أساسية من قبل مصرف تقليدي في لبنان أو مصرف إسلامي من خارج لبنان. مع الإشارة الى أنه يوجد حالياً مصرفين إسلاميين عاملين في لبنان تعود ملكيتهم الأساسية الى مصارف تقليدية لبنانية.
5 – هل من تعارض بين القوانين المطبقة في لبنان وبعض آليات عمل المصارف الإسلامية وكيف يمكن تجاوز ذلك؟
ان القوانين المطبقة في لبنان التي تحكم الأمور التجارية والمالية هي قوانين مدنية بحتة، فإن التعارض قد يوجد أحياناً بين هذه القوانين وما يحكم عمل المصارف الإسلامية من أحكام شرعية. إلا أن مصرف لبنان، وبصفتيه السلطة التنظيمية والرقابية، عمد الى إصدار التعاميم لتسيير عمل هذه المصارف من ضمن البدائل المتوفرة لها وضمن ضوابط القوانين المدنية وأهداف المصرف، سيما المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي في لبنان. فمثلاً، تتيح الشريعة استخدام عمليات المرابحة بأنواع متعددة منها مع أمر بالشراء (بنوعيه “مع وعد ملزم” أو “مع وعد غير ملزم”) أو بدونه، وحيث أن هذه الأنواع من العقود هي من عقود البيوع المسموحة وفقاً لقانون الموجبات والعقود فقد تم الموافقة على إجرائها مع حصرها بنوع واحد فقط وهو “المرابحة مع أمر بالشراء بوعد ملزم” بهدف منع أي من عمليات الاحتكار.
6- المصارف الإسلامية في لبنان تعتبر أنها تتعرض – مقارنة بالمصارف التقليدية – لبعض الظلم بسبب القوانين مثل نظام الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والطوابع المالية وعدم استفادتها من برامج دعم الفوائد بما ينعكس على بعض القروض السكنية والصناعية وقضية السرية المصرفية فكيف يمكن تجاوز ذلك؟
حسب القانون اللبناني، إن التعريف المعتمد لهذا النوع من المصارف تاجر بالمرور. وعليه، أن عملياته تعتمد بمعظمها على عمليات الحيازة (بالشراء أو الإنشاء) والبيع (العاجل أو الأجل)، لذا هذه العمليات تعامل ضمن بعدين:
البعد الأول مرتبط بأساس هذه العمليات مثل الضريبة على القيمة المضافة، ورسوم التسجيل والطوابع المالية. والبعد الثاني مرتبط بنتائج هذه العمليات، حيث أن هذه النتائج تمثل إيرادات وريوع لا تشمل الفوائد، في حين الاستفادة من برامج دعم الفوائد وكفالات مرتبط فقط بالفوائد، وبالتالي تُحرم هذه المصارف من هذه البرامج. وبناءً عليه، ترتفع كلفة العمليات لهذه المصارف عن ما يحاكيها في المصارف التقليدية مما يضعف قدرتها التنافسية.
ومن الملفت أن قانون المصارف الإسلامية لم يلحظ هذه الأمور، وبالتالي لم يعفها من الخضوع لها. وهذا ما يجب أن يدفع المصارف الاسلامية لحث مجلس النواب اللبناني لتعديل القوانين حيث يمكن.
أما فيما خص قانون السرية المصرفية، فلا يمكن الاطلاع على الودائع الدائنة إلا عبر الإجراءات المعتمدة ضمن هذا القانون. لكن تختلف الحال عن المصارف التقليدية عند التعامل مع حسابات المستثمرين وذلك بسبب الارتباط المباشر مع العمليات الاستثمارية المجراة من قبل المصرف الإسلامي. لذا، وحمايةً لهؤلاء المستثمرين (وهو ما يتماشى مع ما ذكر آنفاً حول زيادة الثقة من خلال وجود الراعي الرادع) تم منح لجنة الرقابة على المصارف حصراً حق الاطلاع على هذه الحسابات.
7 – هل يفكر لبنان بإجراءات لتنشيط عمل المصارف الإسلامية على أراضيه، خاصة بظل الارتفاع الكبير بأصولها عالميا، وهل يمكن أن يفكر لبنان بطرح صكوك إسلامية؟
بمجرد قيام لبنان بإصدار قانون خاص لهذه المصارف هو دليل لنيته بالتعاطي الإيجابي مع هذا النوع من المصارف واستقطابها للعمل في لبنان. وأتمنى أن تسنح الظروف التشريعية لإيلاء موضوع تعديل القانون المعني الأهمية التي تستحق.
أما فيما خص الصكوك الإسلامية، كما تعلمون أن الميزة الأساسية لهذه الصكوك هي وجود موجودات تشكل أساس هذه الصكوك (Underlying Assets). فعلى سبيل المثال، إن أكثر الصكوك شيوعاً في الدول الأخرى هي صكوك الإجارة، حيث تقوم الدولة ببيع جزء من ممتلكاتها وإعادة استئجارها الى حين إعادة حيازة هذه الممتلكات مع نهاية فترة هذه الصكوك، وهذا غير متوفر حالياً في لبنان نظراً لعدم وجود قوانين الخصخصة حتى تاريخه.
من جهة أخرى لا يألو مصرف لبنان جهداً في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتوفير الأرضية الملائمة لهذه المصارف للعمل على الأراضي اللبنانية بما يضمن المساواة مع المنظومة المالية اللبنانية. فعلى سبيل الذكر، قام المصرف بإنشاء عملية مرابحة سلعية عكسية مع المصارف الإسلامية بهدف تأمين فرصة لاستثمار الاحتياطي الإلزامي المفروض عليها، كي لا تحرم من الاستثمارات المتاحة للاحتياطيات الإلزامية للمصارف التقليدية.
8- كيف ترون مستقبل قطاع المصرفية الإسلامية في لبنان؟
إن مستقبل هذا القطاع في لبنان مرهون بعدد من العوامل الخارجة عن إرادته أو إرادة مصرف لبنان، وبالتالي لا يمكن البناء على أي توقعات الى حين تجاوز العقبات الجوهرية خاصةً ما يرتبط بالقوانين اللبنانية إضافة إلى توفر البيئة الاستثمارية المؤاتية. ونحن على ثقة أن أي تحول في هذه الظروف والشروط من شأنه الدفع بنمو وازدهار هذا القطاع بشكل قوي ومطرد.