(CNN) — قال عبدالستار أبوغدة، أحد أبرز المتخصصين العالميين في الاقتصاد والصيرفة الإسلامية، إن الكثير من المهام الحديثة التي تقوم بها الدولة يمكن تأصيلها وفق الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى وجود مرتكزات شرعية تنظيم عمل الدولة بمجال الخصخصة والامتيازات والزكاة والضرائب ومكافحة الاحتكار وغلاء الأسعار.
وقال أبوغدة، رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لدى “مجموعة البركة المصرفية” في بحث قدمه حول دور الدولة في النشاط الاقتصادي ضمن “ندوة البركة” للاقتصاد الإسلامي التي أقيمت بمدينة جدة مؤخرا واطلعت عليه CNN بالعربية، إن الشريعة تعطي الحكومة دورا كبيرا عند حصول ضرر مجتمعي، كما في حال رفض دفع الزكاة أو حصول الاحتكار.
ولفت أبوغدة إلى أن هدف الدولة من المنظور الإسلامي هو “حراسة الدين وسياسة الدنيا” مشيرا إلى وجود “مؤثرات خارجية” حدت من قدرتها على التأثير الاقتصادي وبينها اندماج أسواق المال العالمية والعولمة التي أضرت في الواقع بحقوق الدول النامية، إلى جانب تشابك الاقتصاديات العالمية وبروز التكتلات الإقليمية واتفاقيات تحرير التجارة.
وبحسب البحث المقدم من أبوغدة، فإن الاقتصاد الإسلامي لا يتعارض مع دور الدولة كما تضعه الطروحات الفكرية الجديدة ولكنه يؤطرها بقيمه ومنها “العدل والإحسان” في التوزيع، ومبدأ “الشورى” الذي يمكنه تطبيقه في الاقتصاد أيضا لاستخلاص أقوى الآراء، والحرية الاقتصادية المتمثلة بحرية دخول النشاط الإنتاجي والخروج منه وحرية تنقل عوامل الانتاج.
وتابع أبوغدة بالقول: “وفي هذا الصدد نستحضر قول النبي محمد: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. وهذا المبدأ النبوي أقدم بقرون مما تردد عند الاقتصاديين من مبدأ ’دعه يعمل دعه يمر‘”
وتناول أبوغدة – وهو عضو بمجمع الفقه الإسلامي بجدة منذ عام 1985 وعضو في العديد من هيئات الرقابة الشرعية لمؤسسا مالية إسلامية – بالتفصيل مواقف الفقهاء من عدة قضايا تتعلق بدور الدولة في الاقتصاد حاليا فذكر في قضية الخصخصة أن ابن خلدون اعتبر في مقدمته أن التجارة التي يقوم بها السلطان (الحكومة) “تضر بالرعايا والجباية” مضيفا أن مجرد نقل الملكية من القطاع العام إلى الخاص ليست هدفا بحد ذاته لأنه لا يحمل قيمة اقتصادية إن لم يكن الهدف “زيادة الإنتاجية وتطوير وتحسين الأداء وتعظيم الربحية.”
أما بالنسبة للامتيازات التي تمنحها الدولة لطرف آخر من أجل استغلال أو إنشاء أو إدارة مرفق ما فقد قال أبوغدة إن التكييف الشرعي لها في الاقتصاد الإسلامي هو أنها “جعالة” فالدولة هي الجاعل والمؤسسة المستخرجة هي العامل أما المقابل المحدد فهو الجعل، في حين أن العمل مجهول ولكنه محدد بالنتيجة.
وعن طبيعة المواد المستخرجة من الأرض قال أبوغدة إن المذهب المالكي يعتبر المعادن المستخرجة ملكا للدولة سواء استخرجت من أراضي الدولة أو أراضي الملك الخاص، وهو الرأي المطبق في معظم الدولة، ولكن جمهور الفقهاء يذهبون إلى القول بأن لمالك الأرض الحق في استغلال معادنها لصالحه نظير ما تستحقه الدولة.
كما تناول أبوغدة الأصل الشرعي لعمليات تجري على العقارات مثل “الإقطاع” وإحياء الموات” قائلا إن فيها أحاديث نبوية تشير إلى منافع ذلك على صعيد تنشيط استغلال الموارد وزيادة الإنتاج. كما لفت إلى أهمية دور الدولة في الضرائب والزكاة قائلا إن الأخيرة تشكل حافزا على الاستثمار ليكون أداؤها من ربح المال وليس من أصله، مضيفا: “لا يغني أداء الضرائب عن إخراج الزكاة ولكن ينبغي التحفيف من الضريبة بحسم مقدار الزكاة منها، وإذا قام ولي الأمر بجمع الزكاة فلا تحتاج إلى نية وله استخراجها جبرا لأنها حق المال.”
وحول الاحتكار قال أبوغدة في البحث الذي قدمه “بندوة البركة” في جدة، إن النبي رفض الاحتكار وحذر منه وأضاف: “إذا علم ولي الأمر بوقوع احتكار فإنه يأمر المحتكر بإخراج ما احتكره وعرضه في السوق لبيعه” مضيفا أن دور الدولة “ليس مكافحة الاحتكار فحسب بل منع ظهور الاحتكارات.”
وحول تسعير البضائع لفت أبوغدة إلى أن الأصل هو عدم التسعير وإطلاق الحرية للباعة، ولكن ذلك مشروط بعدم وصول الغلاء إلى مستوى ضار فيحق عندها لولي الأمر التسعير “درء للضرر عن الجماعة” وذلك بحال تجاوز الأسعار الحد المألوف ووقوع الاحتكار وانحصار بعض السلع بفئات دون غيرها وتواطؤ التجار على البيع بسعر مرتفع.