كانا يحلمان بالاحتراف في الخارج، وأقنعهما سمسار اللاعبين أن الحياة قد ابتسمت لهما، وأن الفرصة قد واتتهما للاحتراف في أرض الأعاجيب، في واحدة الديمقراطية والتقدم بالشرق الأوسط، في إسرائيل.
إنهما اللاعبان زاؤور سادييف، وجبرائيل كادييف، حملا أحلام الشهرة والثراء والعيشة الرغدة من بلدهما الشيشان، إلى إسرائيل، التي تعتبر نفسها قطعة من أوروبا في صحراء العالم العربي. لكنهما استيقظا فور وصولهما إلى مطار تل أبيب على جحيم لم يخطر على بال أي منهما، ليجد نفسهما محاصرين بمشاعر العنصرية والسباب واللعنات والتهديد بالقتل ايضا.
ما أن تم الإعلان عن التعاقد مع كلا اللاعبين المسلمين الشيشانيين للاحتراف في نادي بيتار اورشليم، حتى أنطلق مشجعو النادي في تنظيم مظاهرات تندد بالقرار، وتصب لعناتهم على مالك النادي المولود في العاصمة الروسية موسكو، أركادي جايدماك (62 عاما).
في مظاهرة امام منزله، منذ أيام، دار النقاش بين المشجعين المتطرفين. البعض طالب المحتجين بالتوقف عن سب اللاعبين حتى لا تظهر الميول العنصرية لمشجعي الفريق. لكن أحدهم صاح قائلا: “لا حاجة لنا بهما، فهما مسكينان محاصران بين الجمهور وإدارة النادي، نعلم أنهما ضحيتين، ولكن طالما استمرا في الفريق سيبقيا ضحيتين حتى يرحلا”.
ويشتهر جمهور نادي بيتار أورشليم بالعنصرية وكراهية العرب والمسلمين، حتى أنه تم القبض على مجموعة منهم بتهمة سب العرب والتهديد بقتلهم وسب الني محمد صلى الله عليه وسلم. وعند إحالتهم إلى المحاكمة، وجه القاضي لهم كلاما قاسيا ينتقد عنصريتهم الفجة، لكن الحكم لم يكن بنفس قسوة الكلمات، حيث صدر الحكم بابعاد المتهمين عن الملعب الذي يخوض فيه الفريق اية مباراة بنحو كيلومتر واحد فقط! وإلزام المتهمين ايضا باثبات حضورهم في أي قسم شرطة بين شوطي اية مباراة يخوضها الفريق نفسه!
ولا يتورع مشجعو الفريق عن رفع لافتات تحمل شعارات ضد العرب والمسلمين، تعبيراً منهم عن رغبتهم “بالحفاظ على هوية الفريق الصهيونية”. بل أن مدرب الفريق إيلي كوهين تفاعل مع ردود فعل مشجعي الفريق بتصريحات قال فيها: “لا توجد مشكلة مع مسلمين من أوروبا، ولكن المشكلة هي مع العرب والمسلمين من الشرق الأوسط، ولا يوجد لدينا تحفظ على ضم لاعبين مسلمين من الشيشان”.
وبلغت الكراهية الى الحد الذي دفع الكثير من المشجعين إلى الاعتراض على هدف الفوز لفريقهم، فقط لأن من سجل الهدف هو اللاعب الشيشاني المسلم زاؤور ساداييف، وسارعوا إلى مغادرة الملعب بعد الدقيقة الـ 48 التي شهدت إحراز الهدف!
سادييف بات اكثر عصبية، فهو يرى أن الاوضاع على وشك الانفجار، خاصة بعد أن قام مشجعو النادي بحرق مقر النادي بكل مقتنياته الثيرة والتاريخية، نهاية فبراير الماضي، احتجاجا على التعاقد مع اللاعبين المسلمين.
ويعيش اللاعبان أغلب الوقت محاصرين في الفندق، الذي لا يجرؤان على مغادرته بمفردهما، أو في النادي حيث تحاصرهم هتافات السباب والتهديد، واحتمالات تعرضهما للاعتداء في أي وقت. وزاد من محنتهما أنهما لا يتحدثان اللغة الانجليزية، ولا العبرية بطبيعة الحال.
واعتاد سادييف وكادييف أن يؤديا الصلاة في غرفة الملابس بالنادي، حيث يحتفظان بسجادة صلاة هناك. ولكن كان يحدث أنهما لا يجدان سجادة هناك، فيفترشان بدلة التدريب الخاصة بهما على الأرض من اجل الصلاة عليها، الأمر الذي أثار غضب الجماهير اليهودية العنصرية، التي اعتبرت ذلك إهانة لزي الفريق.
وفي ظل هذا الجحيم، لم يعد سادييف وكادييف يرغبان في شيء سوى العودة إلى بلادهما. وطلب اللاعبان عطلة لزيارة عائلتيهما في الشيشان، ووافقت إدارة النادي، لكن جايدماك اعترض ورفض الطلب، لخوفه من أنهما لن يعودا إلى إسرائيل مرة ثانية. ورغم محاولة الكثيرين من مسؤولي النادي الضغط عليه لاقناعه بالموافقة على طلبهما، إلا أن الوضع لم يتغير واصر جايدماك على موقفه.