كما هو مبين بعنوان هذا الباب فانه سيتم التعرض إلى آثار ترسيم العقلة العقارية و ليس إلى آثار العقلة العقارية كافة، ذلك أن العقلة العقارية تنتج آثارا قانونية في الرسم العقاري و خارج الرسم العقاري .أهم هذه الآثار للعقلة هي بيع العقار عن طريق التبتيت أما آثار الترسيم فهي تتمثل خاصة في منع الترسيمات اللاحقة وهو ما سنتعرض إليه في فرع أول ثم سنتعرض في فرع ثان إلى بعض الإشكالات التطبيقية لأثر منع الترسيم.
I- منع الترسيمات اللاحقة لترسيم العقلة العقارية:
1- المبدأ
لقد اقتضى الفصل 453 م م م ت في فقرته الثانية أنه ” لا يمكن أن يجرى على العقار أثناء التتبعات أي ترسيم جديد يخص المدين المعقول عنه.”
يتضح من أحكام هذا الفصل أن محضر الإنذار القائم مقام عقلة عقارية الذي وقع ترسيمه حسب الشروط المذكورة بالفصلين 452 و 453 م م م ت (فقرة أولى) يقف حائلا أمام ترسيم أي عملية أخرى تخص المدين المعقول عنه. و المنع هنا جاء جازما حيث استعمل المشرع عبارة “لا يمكن” وهي تفيد الجزم و القطع، وهو منع مشروط حيث اشترط أن يكون الترسيم الجديد اللاحق لترسيم محضر الإنذار، يخص المدين المعقول عنه. فإذا تعلق هذا الترسيم بأحد شركاء المدين المعقول عنه في الملكية، فلن يكون ترسيم المحضر مانعا له.
ولئن كان المنع حسب الفصل 453 م م م ت صريحا وشاملا إلا أنه ليس دائما من حيث الزمان. في هذا الإطار، نص الفصل 456 م م م ت على أنه “يصير الإنذار المرسم عديم المفعول إذا لم تقع في الثلاثة أعوام الموالية لتاريخ ترسيمه بتة مرسمة بصفة قانونية أو لم يصدر حكم بتمديد أجل البتة نص عليه بالرسم العقاري.”
و الملاحظ أن هذا الفصل جاء بمبدإ موقوف على أحد شرطين. أما المبدأ فهو أن الإنذار المرسم يصبح عديم المفعول في الثلاثة أعوام الموالية لترسيمه و بما أن الإنذار يصبح عديم المفعول فان ترسيمه أيضا يصبح عديم المفعول.
وقد أكد المشرع هذه المدة الزمنية التي يكون فيها الإنذار ذا مفعول صلب الفصل 370 م ح ع الذي جاء به أنه :” يسقط القيد الاحتياطي و يصبح غير ذي مفعول بمضي ثمانية عشر عاما بالنسبة لعقود المغارسة وثلاثة أعوام في جميع الصور الأخرى…”
وبما أن الإنذار المرسم يعتبر من القيود الاحتياطية وليس من التحملات الأخرى الموظفة على العقار فانه تسري عليه أحكام هذا الفصل.
إلا أن هذا المبدأ أوقفه المشرع على تحقق أحد شرطين ذكرهما بالفصل 456 م م م ت و الشرط الأول هو أنه لم تقع بتة مرسمة بصفة قانونية خلال المدة المذكورة، وهو ما يوجب على الدائن العاقل أن يمارس البتة أو البيع العقاري الواقع اثر العقلة خلال الثلاث سنوات المذكورة آنفا ، بل وأكثر من ذلك يجب عليه ترسيم البتة في الرسم العقاري خلال تلك المدة. فإذا وقع التبتيت في الآجال و لكن لم يقع ترسيمه قبل إنقضائها ما فإن الإنذار المرسم يصبح عديم المفعول.
أما الشرط الثاني هو أن لا يكون قد صدر حكم بتمديد أجل البتة نص عليه بالرسم العقاري. و يتضح هنا أن المشرع قد مكن الدائن العاقل الذي لم يستطع إتمام جميع إجراءات التبتيت في الآجال من أن يستصدر حكما بتمديد أجل البتة مع وجوب التنصيص على صدور هذا الحكم بالرسم العقاري و كل ذلك قبل انقضاء أجل السنوات الثلاث المذكورة…
فإذا قام الدائن العاقل بكل هذه الأمور في الآجال فإن الإنذار المرسم يبقى نافذ المفعول طوال المدة المذكورة بالحكم.
وإذا حوصلنا أحكام الفصل 456 م م م ت يمكننا القول أنه إذا لم يتحقق أحد الشرطين المذكورين فان الإنذار المرسم يصير عديم المفعول بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ ترسيمه. و بذلك لا يبقى ترسيم محضر الإنذار مانعا من موانع الترسيم.
2-الاستثناءات
لئن كان منع الترسيمات اللاحقة واضحا و صريحا حسب الفصل 456 م م م ت، إلا أن لهذه القاعدة استثناءات بالنص الصريح و أخرى عملية. فلقد استثنى الفصل 369 م ح ع قيد الدعاوى وعقود المغارسة من قاعدة المنع حيث جاء بنص الفصل المذكور أن ” قيد الدعاوى وعقود المغارسة بالسجل العقاري قيدا احتياطيا يمكن أن يتم بقطع النظر عن وجود اعتراض أو عقلة.” ولم يحدد المشرع الدعاوى و عقود المغارسة القابلة للتقييد الاحتياطي من حيث تواريخها أي أنه لم يشترط أن يكون نشر الدعوى أو إبرام عقد المغارسة سابقا لتاريخ ترسيم الإنذار القائم مقام عقلة عقارية بالرسم العقاري، وهو ما يطرح إشكالا تطبيقيا في صورة إذا ما طلب المستفيد تقييد دعوى يكون تاريخ نشرها لاحق لتاريخ ترسيم الإنذار أو عقد مغارسة يكون تاريخ إبرامه لاحقا لتاريخ ترسيم الإنذار.
ومن الاستثناءات النصية الأخرى هي ما جاء به الفصل 455 م م م ت من إمكانية ترسيم محضر إنذار قائم مقام عقلة عقارية يخص المدين المعقول عنه و لو مع وجود إنذار سابق مرسم.
أما الاستثناءات العملية فيمكن أن تتمثل في الترسيمات التي من شأنها إبراء ذمة المدين المعقول عنه من رهون أو تحملات أخرى دون المساس من حقوق الدائن.
وبالتالي فانه يمكن ترسيم كتائب رفع اليد عن الرهون أو شروط سقوط الحق و مطالب التشطيب التي ليس لها ضرر بمصالح الدائن وحقوقه. العقلة العقارية شأنها شأن الاعتراض التحفظي المرسمين على عقار لا يحولان دون ترسيم القسمة أو بيع الصفقة إلا إذا كانا متناولين لحقوق جميع المتقاسمين على معنى أحكام الفصل 328 م م م ت.
II- الإشكالات التطبيقية لأثر منع الترسيم
لقد سبق وتعرضنا إلى أثر ترسيم محضر الإنذار في الرسم العقاري و إلى استثناءاته إلا أنه ومع ذلك تطرح بعض العمليات إشكاليات على المستوى التطبيقي بمناسبة التحقيق في مطالب الترسيم. وسنحاول هنا التعرض إلى بعضها تباعا.
1-هل يجوز للإدارة التحقيق في أهلية المدين المعقول عنه كشرط لصحة محضر العقلة؟
تطرح أهلية المعقول أهمية بالغة في إجراءات العقلة و التساؤل يدور حول ما إذا كان المدين فاقد أو ناقص أهلية. فإذا كان المالك المدين قاصرا أو محجورا عليه و صدر محضر الإنذار ضده دون وليه أو المقدم عليه فهل يكون المحضر باطلا أو على الأقل هل يكون سببا من أسباب رفض الترسيم؟.
2-هل يجوز التنصيص على مطلب تحيين اثر ترسيم محضر الإنذار؟
هذا التساؤل هو ذو أهمية بالغة وذلك لما لمطلب التحيين من أهمية في تحديد الحالة الاستحقاقية للرسم العقاري.
وانطلاقا من أن الهدف من مطلب التحيين هو الكشف عن المالك الحقيقي و الفعلي للعقار فان له أهمية كبرى في تأكيد صحة إجراءات العقلة.
ومن أهم النقاط التي يمكن أن يثيرها هذا الإشكال هي الصورة التي يقوم فيها الدائن العاقل بإجراءات العقلة وخاصة منها محضر الإنذار ضد مدينه الذي هو المالك المرسم في الرسم العقاري الغير محين والحال أن هذا المدين قد سبق له التفويت في العقار لفائدة شخص أخر، وبذلك يكون المدين ليس هو المالك الفعلي للعقار موضوع العقلة.
وبما أن من نتائج العقلة وآثارها، التنفيذ على العقار اثر صدور حكم التبتيت فان التنفيذ على أرض الواقع سيكون صعبا إذ أن المعقول عنه المرسم ليس المالك الحقيقي للعقار المسلط عليه حكم التبتيت. و هو ما من شأنه أن يثير صعوبة تنفيذية على معنى أحكام الفصل 211 م م م ت الذي أوجب على عدل التنفيذ أن يوقف أعماله و أن يحرر محضرا يبين فيه وجه الصعوبة و يتضمن دعوة من يهمهم الأمر للحضور في أقرب جلسة لدى القاضي المختص.
و تجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن معارضة المالك غير المرسم بعدم ترسيمه لسند ملكيته بالرسم العقاري إذا كان هذا الأخير غير خاضع لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم الذي أقره الفصل 305 م ح ع، خاصة و أن هذا النوع من الرسوم يبقى خاضعا لأحكام قانون التحيين.
ومن ناحية أخرى يرى البعض أنه لا ضرر في التنصيص على مطلب التحيين اثر ترسيم محضر إنذار بما أن المحكمة العقارية وفي إطار أعمال التحيين، سوف تطلع على الرسم العقاري و على ما احتواه من ترسيمات و تنصيصات وخاصة أنه لن يمكنها مواصلة أعمال التحيين قبل تسوية العقلة العقارية.
ولتدعيم هذا الرأي يتجه التمعن في أحكام الفصل 453 م م م ت الذي أسس بمقتضاه مبدأ منع الترسيمات اللاحقة للعقلة و الذي جاء به أنه ” لا يمكن أن يجرى على العقار أي ترسيم جديد…” فهذا الفصل منع الترسيمات و الحال أن مطلب التحيين هو من التنصيصات.
ومع كل هذا يبقى التساؤل مطروحا هل لحافظ الملكية العقارية الخوض في جميع هذه التأويلات أم عليه الاكتفاء بعبارات النص المطلقة دون تأويلها؟
3-هل يجوز ترسيم أمر انتزاع من أجل المصلحة العامة اثر ترسيم محضر الإنذار؟
لقد نص الفصل 36 (جديد) من القانون عدد 85 لسنة 1976 المؤرخ في 11 أوت 1976 و المتعلق بمراجعة التشريع الخاص بالانتزاع للمصلحة العمومية و المنقح بموجب القانون عدد 26 لسنة 2003 المؤرخ في 14 أفريل 2003 على أنه :” يرسم أمر الانتزاع بالسجل العقاري بقطع النظر عن عدم تطابق الأسماء بين بيانات أمر الانتزاع و بيانات الرسم العقاري…”
ويتضح من هذا الفصل أن المشرع أكد على أهمية ترسيم أمر الانتزاع بالرسم العقاري المعني به حتى و إن وجد إختلاف في بيانات المالكين بين أحكام الأمر وبين الرسم العقاري.
ولعل أن تفسير هذا التأكيد ومبرراته نجدها صلب أحكام الفصل 2(جديد) من القانون المذكور و الذي علق انتقال ملكية العقار المنتزع للدولة، على ترسيم الأمر بالرسم العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة.
ويمكن أن نستنتج مما سبق أن إرادة المشرع إتجهت نحو وجوب ترسيم أمر الانتزاع و نقل ملكية العقار المنتزع لفائدة الدولة.
وربما يكون هذا التوجه التشريعي إمتدادا لقواعد القانون الإداري فهو يترجم نفوذ الإدارة خاصة إذا تعلق الأمر بتحقيق مصلحة عامة ولا تقف مؤسسة الانتزاع على هوية المالكين للعقارات فلا فرق لدى السلطة المنتزعة إذا كان العقار على ملك هذا أو ذاك بل أن المهم هو لزوم العقار المنتزع لتحقيق المصلحة العامة.
ومن هذا المنطلق يمكن القول أنه مهما كانت الحقوق المرسمة على العقار و مهما كانت هوية المالكين فإنها لن تحول دون انتزاع العقار ونقل ملكيته لفائدة الدولة. فكيف يكون ترسيم محضر إنذار قائم مقام عقلة عقارية مانعا يحول دون ترسيم أمر انتزاع خاصة وان الدولة في هذه المسألة تمارس سلطة إدارية تخضع لأحكام القانون الإداري و لا يمكن تطبيق الأحكام الخاصة المضمنة صلب مجلة المرافعات المدنية و التجارية عليها؟
4-هل يجوز ترسيم امتياز عام لفائدة خزينة الدولة اثر ترسيم محضر الإنذار؟
لقد أراد المشرع إعلاء مرتبة الديون الراجعة لفائدة الدولة عن بقية الديون حيث نص الفصل 33 من مجلة المحاسبة العمومية أن الدولة و المؤسسات العمومية تتمتع لاستخلاص ديونها “بامتياز عام على مكاسب مدينيها المنقولة أو غير المنقولة. ويحتل هذا الامتياز الرتبة المنصوص عليها بمجلة الحقوق العينية.”
وبالرجوع إلى أحكام مجلة الحقوق العينية و خاصة الفصل 199 منها نجد أن المبالغ المستحقة للخزينة العامة تحتل المرتبة الرابعة في ترتيب الديون الممتازة بعد مصاريف تجهيز الميت وديون و مصاريف العلاج و المصاريف القضائية لحفظ ضمان الدائنين.
كما أكد المشرع هذه العلوية من خلال أحكام الفصل 34 من مجلة المحاسبة العمومية حيث متع الدولة و المؤسسات العمومية بامتياز خاص على المكاسب المنقولة أو غير المنقولة وأكد أنه ” يحتل هذا الامتياز الخاص الدرجة الأولى ويسبق الحقوق العينية نفسها الراجعة للغير حتى و لو كانت مكتسبة من قبل.”
ولقد أصبح الأمر واضحا إذ أن الدولة تستخلص ديونها قبل جميع الدائنين عدا من ذكر بالفصل 199 م ح ع ، حتى و إن كانت حقوق هؤلاء الدائنين مكتسبة من قبل وهو ما يحفظ حق الدولة في الاستخلاص.
وتبعا لكل هذا أليس من المنطقي أن يتم ترسيم الامتياز العام للخزينة حتى و إن سبقه ترسيم محضر الإنذار؟
وعلاوة على ذلك فلقد نص الفصل 30 من مجلة المحاسبة العمومية على أنه : ” لا تخضع العقل التوقيفية و الاعتراضات قصد استخلاص أموال عمومية لأحكام المجلة المذكورة.” ويتحدث المشرع هنا عن مجلة المرافعات المدنية و التجارية حسبما جاء بالفصل 29 من مجلة المحاسبة العمومية.
إذا، فان المشرع قد أقصى صراحة تطبيق أحكام مجلة المرافعات المدنية و التجارية على العقل والاعتراضات التي تقوم بها الدولة على مكاسب مدينها.
وفي هذه الحالة يبقى التساؤل مطروحا ، هل يجوز لحافظ الملكية العقارية رفض مطلب ترسيم الامتياز استنادا إلى أحكام الفصل 453 م م م ت و الحال أن الفصل 30 من مجلة المحاسبة العمومية قد أقصى تطبيق أحكام مجلة المرافعات المدنية و التجارية على الامتياز العام لفائدة الدولة؟
خلاصة ، هذه بعض الإشكاليات التطبيقية التي تعترض المحقق في مطالب الترسيم اثر ترسيم محضر إنذار يقوم مقام عقلة عقارية ، أردنا التعرض إليها بهدف فتح باب النقاش فيها ونرجو أن نكون قد وفقنا في ذلك.