التاريخ .. للاتعاظ لا للتسلية

مرسلة من احمد عطيات” ابو المنذر

قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
والرسول امرنا ان لانُلدغ من نفس الجحر مرتان ، والحكمة تنص على ان العاقل او السعيد هو من اتعظ بغيره، اما الاحمق والتعيس فيصر على ان يدفع ثمن اخطائه من حسابه، لانه لايريد ان يتعلم من دروس وتجارب الاخرين التي سبق ودفعوا ثمنها ..والناس – ولاسيما البارزون منهم – هم احد اثنين اما معتِبر بما اصاب غيره من قبل او معتَيَِر به… ممن سياتي بعده!!
قال ابن الأثير:”وأنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره فيزداد الإنسان بذلك عقلاً ويصبح لأن يقتدي به أهلاً”.
ومن الملاحظ ان من يكرر الخطأ يدفع الثمن – في الغالب –بشكل اكبر من الثمن الذي دفعه المخطئ الاول – فقد اخطا المسلمون يوم احد حين- خالفوا امر الرسول -وشغلتهم الغنائم..فعاقبهم الله بما يشبه- فركة الاذن- أي عقابا ليس قاسيا-ربما لانه الخطأ لاول مرة- بدليل انتصارهم بعدها،فلما كرروا الخطأ في معركة العُقاب -“أومعركة لاس نافاس دي تولوسا” في16 تموز1212 م -كان العِقاب قاسيا جدا، حيث كانت موقعة العُقاب بداية النهاية للوجود الاسلامي في الاندلس ،لان هذه المعركة كانت بداية النهاية لدولة الموحدين التي كانت اخر دولة تتدخل بشكل فعال في انقاذ الاندلس الاسلامية من الفناء، ولهذا كانت هزيمة المسلمين في العُقاب بداية نهاية الوجود في بلاد الاندلس !!
واخطأ نابليون حين غزا روسيا على ارضها في فصول الشتاء ودفع الثمن هزيمة مريرة شكلت بداية النهاية لمجده –لكنها لم تؤد الى دمار فرنسا، لكن عندما كرر هتلر خطأ نابليون- ولم يتعلم درسا من تجربة نابليون الفاشلة،وارتكب نفس الخطأ -فانه دفع الثمن باهظا على المستوى الشخصي، وعلى مستوى الوجود للدولة الالمانية، فكانت الهزيمة سببا مباشرا في نهايته البائسة، مما ادى به الى اختيار الانتحار، لانه كان الخيار الوحيد لمنع احد من محاسبته عما اقترفه بحق الالمان اولا، والعالم ثانيا.
فعدم اتعاظ هتلر بما اصاب نابليون كان عاملا هاما -بل العامل الاهم -في انتهاء المانيا كدولة اولى اوعلى الاقل كدولة عظمى- فغدت دولة ضعيفة،ترزح تحت نيراحتلال والاذلال الحلفاء، واحتاجت بضعة عقود للنهوض من جديد!!
واخطأ الطغاة من حكام بلاد الاسلام- وكل حكام بلاد الاسلام طغاة- حين لم يتعظوا من مصير الحكام الطغاة الذين ثارت عليهم شعوبهم، كما في حالة شاه ايران وتشاوسيسكو رومانيا على سبيل المثال ..وظنوا انهم مانعتهم زنازنهم وسجونهم ووجلاوزتهم ومخابراتهم- وواشنطن والغرب- من نقمة وثورة الشعوب وبطشها،عندما تصل الامور الى درجة الحرج ويقوم قانون الضغط يولد الانفجار،يعمله كقانون من سنن الله التي لم تتخلف في يوم من الايام!!
وتكرار الحُكام العرب الطُغاة،لاسطوانة او معزوفة ان إنتفاضات الشعوب اليائسة ،ليست سوى” أعمال شغَب ” يقوم بها بعض الغوغائيين ،او المندسين اوالبلطجية او الزعران، وان هناك اجندة خارجية وراءها… اوانها مُجّرد إحتجاجات طبيعية ضد الغلاء والبطالة،هو تكرار ينم عن غباء وعدم اتعاظ- او استفادة -من دروس الذين سقطوا رغم التمترس وراء هذه الادعاءات التي لم تعد تقنع حتى الاطفال.. فالحقيقة هي ان الشعوب قد فاض بها الكيل وبلغ السيل الزبى عندها – من الدكتاتورية والإضطهاد والقمع وإمتهان الكرامة والفساد ونهب الأموال العامة-وقد وصلت الأمور الى حَد بذل النفس ومواجهة رصاص الشرطة الاوباش بصدور عارية، مما يعني ان الناس لم يعد لديها شيئاً تخسره غيرَ الاغلال والاذلال والجوع والحرمان وكمامات الافواه.
وعليه فان التكرار في الاتهام، والتكرار في اللجوء الى نفس الطرق الفاشلة لمواجهة للثورات يدل على الغباء، لكونه لم يجد نفعا للساقطين السابقين ، وبالتالي لن يجدي نفعا للمرشحين للسقوط من اللاحقين، ولكن اذا اراد الله تخليص الامة من طاغية فان يزين له عدم الاتعاظ باحوال من سبقوا !!
حكام بلاد الاسلام ..لم يتعلموا من التاريخ ولم يتعظوا به- وكانوا كسالى في درس الفيزياء- فدفعوا الثمن حين اخطاؤوا في فهم قوانين التاريخ وقوانين العلم ،وظن كل منهم انه بمأمن لانه يختلف عن الحكام الاخرين ،وان شعبه يختلف او متخللف عن سائر الشعوب ولا سيما التي ثارت وحققت من الثرؤات شيئا ..وكانه قادم من كوكب اخر او من جنس غير جنس البشر، وكذلك نظرته الى شعبه …فكلهم يرى نفسه كما راى فرعون نفسه.. -مالكا لبلد لا تعدو ان تكون مزرعته الخاصة- حين قال ” أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ. [الزخرف:51]…وكل يرى ان الشعب ليس اكثر من قطيع خراف او نعاج لاعقول لهم ، كما كان لسان حال فرعون حين قال” ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.لهذه الاسباب مجتمعة- ولغيرها مما لا يحضرني في هذا اللحظة-تاخر السابقون من الطغاة الراحلين ممن ذهبوا الى مزابل التاريخ في فهم حركة التاريخ وقوانين انفجار الشعوب المغلوبة على امرها – ويتلكأ الطغاة اللاحقون في قول “فهمتكم”، كما تاخر فرعون كما تاخر فرعون في قول لااله الا الله، فقيل له” آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين “و كما تاخر زين العابدين في قول فهمتكم …فقالها متاخرا ” الان فهمتكم” !!… وكثيرة هي الامثلة التي تدل على تكرارت الاخطاء من قبل الحكام والزعماء في الماضي والحاضر…وتستحق ان يفرد لها كتاب خاص …نسال الله ان يكتب لنا انجازه…

من كتابي/ الاندلس من السقوط الى محاكم التفتيش