لاشك أن المجتمع المسلم في زماننا هذا،
بحاجة الى جهود كبيرة لانتشاله من كثير من العادات المنحرفة المسيطرة عليه ،
سواء أكانت عادات متوارثة قديمة كالحسد، والطمع، والحقد، والأنانية ،
التي تنتشر بين كثير من المسلمين ، وربما أصبحت إرثاً سيئاً ينتقل من الآباء الى الأبناء،
أم ….كانت عادات جديدة مكتسبة افرزتها سهولة الاتصال بالآخر ،
الذي يملك قوة التأثير ووسائل التوصيل، ويملك أسلوب التأثير المدروس،
كالتهاون بالقيم والأخلاق، والشك في ثوابتنا وأصول مبادئنا،
والانسياق وراء شهوات النفس الفتاكة التي تدعو إليها وسائل الإغراء
المنتشرة في هذا الزمن،مما لا يخفى على أحد منا.
وهذه العادات السيئة اذا استحكمت في البشر ، وصاحبها قوة في الطرح والعرض من مروجيها،
وضعف في الطرح والعرض من المصلحين الذين يواجهونها،
فلا شك أنها ستكون من أول أسباب تخلف المجتمع البشري وانهزاميته،
وهذا هو الجو الملائم لانتشار باعة الوهم والخيال ……
هؤلاء ……صنعوا من اسطورة الدجل والتزييف والخرافة حقيقة ،
رسخت في أذهان الكثيرين، الذين يحملون عقولا .. اقرب الى ان تكون مرتعا خصبا قابلا
لغرس هذه الخرافات، بعد نقعها بمحلول الكذب واضافة ثاني اكسيد الدجل…..
ان اعتقاد البعض بفعل الخرافات والخزعبلات ،وبهذه القدرة الاسطورية
على حل القضايا العالقة بكل شخص ….ساهمت الى حد كبير في صنع الدجالين والسحرة…
فانتشر التردد على مدعي القدرات الخاصة ….
ووقفوا طوابير أمام جحورهم المتداعية،
يبتاعون الوهم والخرافة والخيال…..
ولا شك ان هؤلاء المترددين على هذه المتاجر ،
اصحاب شخصيات هشّة داخليا ومهزوزة وسهلة الانقياد ،
فهم يسعون الى طرق أسهل، ويقنعون انفسهم بقدرة هؤلاء الدجالين الوهمية على سبر الاغوار.
فمنهم من يلجأ اليها ، لما يعانيه من حياد نفسي، فعدم الفعل هو نوع من الدفاعات النفسية لديه،
بدلا من مواجهة مصاعب الحياة…..وبدلا من السعي لتحقيق الآمال العريضة…
فيسعون الى طريقة أسهل وأسرع لتبرير عجزهم ، من خلال الوقوف على اطلال المشعوذين..
وكلها امور غير انتاجية مهدرة للوقت والمال… يغطّون بها عجزهم عن تأكيد ذاتهم
ومنهم من يكون دافعهم ، الجهل بأحكام الشرع،
حيث يلجأ بعض المسلمين إلى المشعوذين والسحرة ،
ظناً منهم انه جزء من الدين، أو ان الدين لا يتعارض مع السحر والشعوذة ،
مع ان الله تعالى حرم الدجل لانه إفتراء بالكذب على الله.
قال سبحانه: {ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم}
لأنه لا يعلم الغيب إلا الله،
قال سبحانه {قل لا يعلم من في السموات ومن في الأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون}
وحرم الله السحر بقوله سبحانه {ولا يفلح الساحر حيث أتى}.
ونوع منهم يلجأون الى هذه الكهوف ،
حرجا من بعض المشاكل التي يتطلب حلّها خطوات عملية…
هذه الفسيولوجيا …… جعلت من هؤلاء الاشخاص، مدمنين لتعاطي الافكار المسمومة ،
ومدمنين للانتظار على أبواب الدجالين.
ومنهم يلجأ الى هذه الاساليب كنوع من الترفيه، وكسر روتين الحياة!!
والاطمئنان على المستقبل، الذي هو بيد الله،
لا شك انهم ملكوا رفاهية جعلتهم يشعرون بالملل والرغبة في التغيير !!!
حتى وان كان خرافة ………!
ولم يبخل الدجالون على هؤلاء أيضا، في ابتكار طرق متنوعة لجذبهم
الى داخل شبكاتهم العنكبوتية ، والتي تحكم القبض على هذه الفرائس،
وتستنفد كل ما جيوبها من أموال… وكل ما في داخلها من آمال….
فمن قراءة الفنجان… الى عمل الاحجية ، الى طرد الارواح الشريرة،
ثم التداوي بمواد يتم اختيارها بصورة عشوائية …
الى فتح المندل…. عن طريق التحديق والتركيز في بقعة زيت على مرآة من نوع خاص!!!
وشيئا فشيئا… احتلت شبكات الدجل الساحات الاعلامية ،
وقد مدّ الاعلام بكل وسائله المتاحة، يد العون…..
فأضاف – البهورة – والحملات الاعلانية البرّاقة لهم،
وأكسبهم صفات خارقة للعادة….
وصدّقهم المساكين الذين يستمدون من هذا الجهاز الاعلامي الصغير معلوماتهم عن الحياة…….
وقد اضيف الى فن الشعوذة – صبغة علمية – أيضا …!
فهناك كتب وموضوعات تتناول أساليب السحر وطرق الدجل …
وهل تخلو جريدة يومية او مجلة اسبوعية من باب ثابت للابراج الفلكية…..؟؟؟
وهكذا…… سيطرت الشعوذة على المطبوعات المقروءة….. كما سيطرت على المسموعة…
فأصبحت اكثر تجارة رائجة…
ولا شك ان هذه الخرافات والاساطير،
تدخل نوعا من الراحة النفسية الموهومة الى نفوس هؤلاء الضعاف ….
ثم يتعدى الى الادمان عليها ، والاعتماد على معطياتها في تسيير أمور حياتهم…
ومن هنا كان هؤلاء…… أكثر الطرائد سهولة في الانقياد لخيوط الشبكات العملاقة من الدجالين.
ومن هنا أيضا نرى السبب واضحا،
لمن يخططون مستقبلهم ويتخذون قراراتهم على أساس ما يقوله الدجالون والمشعوذون.
دخلت ممارسات الدجل والشعوذة اسواق الاستثمارات العربية من ابوابها الشديدة الخطورة…
فضائيات …….. تستبيح العقيدة وتقود إلى الشرك
ولم تعد مقتصرة على الجهلة وانصاف المتعلمين ،
فقد حكمت هذه الخرافات الكثير من اصحاب المكانة العلمية والاجتماعية ،
و انضم الى خيوطها عناصر من النخبة المثقفة….
كيف نوقف هذا النزف الاعمى ….
المستتر تحت مظلة الخرافة والخواء العقلي والروحي وضغوط الحياة ؟؟
إن المبدأ التربوي الذي طرحته التربية الاسلامية منذ اكثر من أربعة عشر قرناً
لا يعترف بوجود فراغ، ولا يترك للنفس الانسانية أيَّ مجال للشعور بالفراغ،
إن التربية الاسلامية، تربي الناشىء على أن ينظر الى كل ساعات الحياة ولحظاتها
على أنها أمانة في عنقه.
ان الخُواء الفكري والفراغ النفسي، وإهمال التربية الصحيحة،
والانسياق وراء شبهات العقل وشهوات النفس،
واعتياد الناس على اللهو وعدم الجدِّ في الأمور،
كل ذلك يؤدي الى خلل في وعي المجتمع وإدراكه ،
يجعله فريسة الكذب ، ومرتعاً خصباً لمروِّجي الدجل، ودعاة التهويل والتضليل،
ذلك لأن ضعف الوازع الديني، وشعور الانسان بإمكانية التفلت من أخلاقه الفاضلة وقيمه الراسخة،
وحصوله على المتعة (الوقتية) التي تتحقق للنفس حينما تمارس شهواتها وأهواءها،
كل ذلك يجعل الانسان ضعيفاً أمام الانحراف،
منساقاً وراء من يزين له الهوى واللهو ،،
وعند ذلك تعمى بصيرته، ويثقل عليه الحق والخير ،
فيجد نفسه منساقاً الى محاربة الإصلاح والمصلحين، والضيق والتبرم بما يقولون ….
وعند هذا المنعطف…….الذي يسمى عبث العقل..
تدخل المجتمعات البشرية الى دوامة الاهواء ….
وسيطرة الاكاذيب والخرافات.
لم يعد من المنطق أبدا …
الفرار من تسليط الأضواء على هذه الظاهرة البدائية ،
والسعي نحو إزالة سماكة الغبار المتكلس فوقها،
حتى لا يبقى المجال حكرا على “عشابات “متنقلة ، بيد ” دجال” ،
أو وصفات من فم ساحر !!
هذا الانسجام و التماسك ……..وراء التوهيم النفسي الرهيب،
شرائح مختلفة لمواطنين……. باتوا يعتقدون بان أمراض المعدة،
والعين والاذن والحلق والكلاوي والمصران لغليظ والأعصاب والصرع والهذيان ،
إلى جانب مرض السكري والضيقة والقلب والمسالك البولية والعقم عند النساء والرجال،
قد تم الحسم فيها…..
على شكل جرعات ( مجهولة ) في وكر من وكور الدجالين ،
او عبر وصفة خليط أعشاب مجهولة المصدر، ملتبسة التنسيب، فاقدة للمصداقية العلمية ،
دون أن يفكر احد منهم…… كيف ستستجيب أجهزة الجسد لمثل هذه التداعيات!! .
ويا ليت الأمر ينتهي عند هذا الحد ،
فلسان الحمار، أو مرارة القنفذ، وشعر الضبع ، أو جناح الذباب !!!!!! ،
مادة ، تدفع العانس ثمنها باهظا بالعمل الصعبة ، أو غيرها من أصحاب القضايا
لدجال مشعوذ ليأتي لها بفارس الاحلام المنشود…..
ناهيك عن ثقافة الحجاب أو الحروزة ، التي تتلقفها العقليات المثقفة وشبه المثقفة ،
على حد سواء عن سابق موعد، لتتباهى بسعادة عجفاء ،
مشتقة من وصفات السحر والشعوذة….
إلى غير ذلك من الخزعبلات التي بكامل الأسف نتعايش مع نتائجها المدمرة،
و نتساكن معها بحميمية ملتبسة ، بفعل الجهل الساكن فينا ليل نهار،
والأمية التي نهادنها،،،،،
هذه الأساطير والمعتقدات البدائية،
ما هي إلا نتاجات ساذجة مرتبطة بتاريخ وبحقبة زمنية،
لم تكن البشرية خلالها تعلم معالجة الأشياء ،
ولم تكن قادرة على إيجاد حل لمتناقضات الواقع،
ولهذا السبب، ظلت تلجأ إلى حلها …….عبر حكايات واعتقادات من الخيال،
حتى يتسنى لها تجاوز المتناقضات .
ولكن اليوم……!!!!!!!
كيف سنفسر هذا الإقبال منقطع النظير على خيم الدجالين بائعي الخلطات المسمومة ….
والوصفات السحرية الكاذبة…..؟
حتى اصبحت اوكارهم من المعالم السياحية ! التي تحظى بزيارة أكبر عدد من الزوار.
كيف سنفسر هذه العودة……. الى الحقب الزمنية البدائية ؟؟؟؟
بل متى أصبحنا ……
أكثر الشعوب اهتماما بثقافة العرافة ، و بالدجل ، والشعوذة !!!؟؟؟
حتى تتفتح الزهرة … وتنمو النبتة ….
لا بد من حرث الارض وتقليبها وتعريضها للشمس…
لنكشف لماذا تستقر الخرافة في عقولنا…
لنعود الى طفولتنا والتي تعانق العلاقة الوثيقة مع الخرافة والجهل….
فهناك القصص المسلية !!! التي كنا نستمع اليها قبل النوم…
ابو رجل مسلوخة… والتنين الذي يخرج من فمه البركان….
وتلك الفتاة الفظيعة التي تقطع اجسام الناس بيدها المنشارية وتلتهمهاا كلما غضبت.
حكايات افظع بكثير من قصص ” ليلى والذئب” و ” بلاد العجائب “.
الى ….الكوارث التي كانت تُعزى الى الخرافات…
الى هذه التربية الاسطورية التي زُرعت في أذهاننا ،
فكل انحراف خلقي ، او انحلال اجتماعي…. لم يكن يهّذب بالطريقة القويمة…
طريق الدين الصحيح…..
بل أن لكل تصرّف شائن…. هناك كائن خرافي مهمته ردع من تجرأ على تجاوز تلك الحدود …
كانت تُرسل الى تلك الآفات الاجتماعية… تطعيمات مؤلمة في الصغر ، تستقر في أقصى الذاكرة وتساعد على التحصن من الاقتراب منها !
فأصبحنا كمن يهرب من ” الدلف” الى ” المزراب “!!
وكمن يستجير من الرمضاء بالنار……
ولم يساعد هذا … الاّ على تكوين الشخصيات المهزوزة الضعيفة ، سهلة الانقياد ، وذات استعداد نفسي قابل للتأثّر بإسلوب العرّافين والدّجالين ، حتى وان لم يكونوا يملكون هذا الاسلوب المقتع…
فألقت العرافة بجذورها في عمق النفوس واستولت عليها….
واستمرّ البحث عن المجهول في فنجان القهوة المقلوب….
بل وكثير من الاغاني ، تغنّت بضرب الودع…. والفنجان المقلوب……!!!
تسعى لتخليد التخلّف والعودة الى الرجعية في ذهن من يستمع لها …
على الرغم من وفاة مؤلف القصيدة ومغنّيها…..
الاّ ان قارئة الفنجان…… لم تزل تمارس مهنتها
وتقلب فنجانها كل يوم عشرات المرّات لكل من يطرق بابها
من الشخصيات المهمّة وغير المهمّة على حد سواء.
تؤكد حقيقة …
” ان سوق الخرافة مكتظ بالزبائن هذه الايام…
والبضاعة المعروضة هي بضاعة فاسدة في طرد خادع…”
ما الذي يجعل مثل هذه الامور البديهية تحتاج الى نقاش وجدال، ومع منْ؟!
مع اشخاص يفترض فيهم انهم من ينير للناس سبيل الرؤية العلمية البعيدة
عن بخور الاساطير ودخان الاكاذيب….
ذلك الانسان… الذي استطاع ان يستعمل قوة الماء في توليد الكهرباء….
واستعمل قوة الغاز…. وقوة النفط…
ووصل الى سطح القمر….
فشل في السيطرة على نفسه….
وارتمى في أحضان الخرافة التي تعيق تقدّمه …..
كفى عبثا….. ولنكف عن هذه الترهات……
ولنفعل لانفسنا ولمجتمعنا ولامتنا وديننا ما هو نافع …
بعيد عن الضلالات والجهالات والخرافات والاساطير…..
ولننظر حولنا….
ففي الوقت الذي تصل فيه تكنولوجيا هذا العالم الى اختراع الانترنت والصواريخ دقيقة التصويب فاننا لم نزل نستورد نكاشات بوابير الكاز من السويد ..
قد يظن البعض اننا تقدمنا في العلم وغدونا نستخدم افران الغاز والكهرباء المنزلية !
ولكني اطمئن هذه الفئة المرفهة التفكير ان ثلث سكان الوطن العربي ممن يعيشون في الصحراء وفي البوادي والمناطق الجبليه التي لم تصلها الكهرباء بعد..
ما زالوا يستخدمون بوابير الكاز في طبخهم ونفخهم ..
والذي عندما يتعطّل…. عبق دخانه فضاء الغرف الطينية فغدا الناس يتنفسون
ثاني اوكسيد الكربون بدلا من الاوكسجين ..
واختنق الصغار واصابتهم الكحة وعطب الرئات والسرطان في سن مبكرة ..
لم تعجز نساء الامة عن ان تلد عباقرة وعلماء ومخترعين…..
ولكننا لا زلنا مشغولين بعالم الخرافة … الذي يغني عن العمل والتفكير والجد
وبدل ان نفكر في اختراع نكاشة لبابور الكاز….
أو حتى نتذكر قول اديسون….. ها قد أضاء المصباح !
ما زلنا مشغولين بصنع نكّاشة لمواطن الجهل فينا
للاسف…… ما زلنا فريسة مروّجي المخدرات الفكرية والنفسية
موضوع جميل استمتعت بقراءته
و لكن يا أخ رامي موضوع جميل مثل هذا كان عليك ان تضعه في قسم بقلم أصدقاء نورت أو مشاركات منقولة لو كان الموضوع منقولا
و ذلك حتى يضل بالصفحة الرئيسية و يستفيد منه الكل
شكرًا على الموضوع و على مجهوداتك بوركت
شكرا لك موضوع قيم جدا ………………..الجزائر
الايمان ثم الايمان ثم الايمان بالله انه ماخلق شيء الا بعلمه وبحمكة وقدر !!! قدر عليه عمره ورزقه وقسمته كله بيد الله وجعل الله في يد الانسان فقط العمل والسعي والتوكل على الله عز وجل اذا وصل الانسان الى اقصى درجات الايمان بان الله هو وحده عالم الغيب والمتصرف بهذا الكون واذا اراد ان يقول للشيء كن فيكون !!! عندها لن يكون االسحر او التنجيم هما وسيلته ليصل الى مبتغاه بل سيعرف انه الايمان والعلم والتوكل على الله وليس التوكل على المنجمين !!!! ولو ان الطبيعة البشرية قد تصاب بالضعف والياس في بعض الاحيان لكن لاتكون مداواتها بما يغضب الله عز وجل والله نهى عن السحر والشعوذة !! وايضا لاننسى فضل الدعاء ايضا !!
اخي رامي موضوع قيم شكرا جزيلا لك ……..