حكاية الأندلس ،، ( 2) ..!!

بسم الله الرحمن الرحيم ..!!

في الموضوع السابق تناولت الفترات التي مرّت بها الأندلس خلال تاريخها منذ الفتح الاسلامي وحتى السقوط ..وفي هذا الموضوع سأتناول كل فترة من تلك الفترات وسأركّز على فترات الضعف فيها .. لنعرف ماهي عوامل الضعف وهل هي موجودة في زمننا هذا وبالتالي قد نواجه مصيراً كمصير الأندلس ؟؟!!
لكن قبل الدخول في تلك الفترات نعرّج قليلاً لنرى كيف كانت الحالة في الأندلس قبل مجيئ الاسلام .. وكيف أصبحت بعده ..!!

كانت الأندلس خصوصاً وأوربا عموماً تعيش في جهل وتخلف كبيرين ..وكانت الشعوب تعيش في فقر وبؤس بالغين .. والثروات كلها كانت بيد الحكّام الذين كانوا يسكنون في القصور والقلاع بينما لم يكن يجد الشعب مأوى يسكن فيه …بل كانوا حتى يُباعون ويُشترون مع الأراضي ..
وكانوا في جهل شديد ..وأبعد ما يكون عن الحضارة والمدنية .. حتى أنهم كانوا لا يهتمون بنظافة اجسامهم أبداً ..فترى أحدهم يسدل شعره على وجهه ولا يُشّذبه .. وكما يقول الرحّالة المسلمون الذي جابوا تلك البلاد فإنهم كانوا لا يستحمون إلا مرة او مرتين في العام ..!!
ولم تكن لديهم لغة محكية .. وانما كانوا يتخاطبون بالاشارة ..
كانت الأندلس عند الفتح الاسلامي محكومة من القوط وملكهم المسمّى ” لذريق ” .. ومرحلة القوط كانت تتميز بالفساد الاجتماعي .. والتأخري الاقتصادي ..وفساد السلطة .. ولكنها كانت دولة قوية وتستطيع أن تُدافع عن نفسها ..!!
هذا كان حال أوربا والأندلس قبل الاسلام باختصار .. وباختصار أيضاً فقد تغير حالها جذرياً بعد دخول الاسلام إلى الأندلس .. فأصبحت الأندلس مركز حضارة تشع على أوروبا عامّة … وكان الاوربيون يأتون إلى الأندلس للعلم والمعرفة .. وكثير منهم كان يتعلم اللغة العربية .. ويفخر اذا عاد إلى بلاده أنه يتكلم العربية … وأنه تعلم على يد العالم العربي فُلان او فُلان .. وضاقت الأندلس بالعلماء والأدباء والمفكرين ..!!
فبمجيئ الاسلام إلى الأندلس يمكن القول أنه قد أغلق باب الظلم والجهل والاستبداد .. وفتح باب الرٌقي والتحضّر ..!!

نعود إلى التحدث عن العهود التي مرت بتاريخ الأندلس وهي كما رأينا ( عصر الولاة – عصر الخلافة الأموية – عصر الدولة العامرية – عصر ملوك الطوائف – عصر المرابطين والموحدين ) .. ولن اتناولها كلها حتى لا يطول الموضوع كثيراً .. وإنما سأكتفي ببعضها .. وفي هذا الموضوع سأبدأ بعصر الولاة ..!!

عصر الولاة : في ذلك العصر كان حاكم الأندلس يتم تعيينه عن طريق الخليفة الأموي في دمشق .. وقد تتابع 22 والياً على مدى 44 عام ..
وهذه الفترة مرت بمرحلة قوّة ومرحلة ضعف .. ففيها انتشر الاسلام بشكل سريع في الأندلس .. وفيها نشأ ما يُسمّى ” المولدين ” وهم نتاج تزاوج العرب والامازيغ بالاسبان .. فكان الأب عربي أو أمازيغي والأم أندلسيه .. وفيها تم إلغاء الطبقية التي كانت سائدة .. وانتشرت الحريّة العقائدية .فقد تُرك النصارى وشأنهم وتم المحافظة على كنائسهم ومعابدهم إلا تلك التي يشتريها المسلمون وبمبالغ باهظة ..وازدهرت أيضأ الناحية الادارية وتم بناء القناطر والجسور .. وقد قام الاسبان بتقليد المسلمين في كل شيء تقريباً … وفيها أيضاً توسع الجهاد حتى وصل الاسلام إلى أغلب فرنسا ..!!

لكن فترة القوة والازدهار هذه لم تَطل كثيراً .. اذ سرعان ما بدأ الضعف والمشاكل تدب في جسم الدولة الأندلسية ..وكان اول أسباب ذلك الضعف .. هو الظلم والعنصريّة ..

في الفترة الأخيرة من عهد الولاة .. كان الولاة يتعاملون بظلم كبير وعنصرية واضحة مع مكوّن مهم من مكونات الأندلس … وهم الأمازيغ ..
فقد مارس الولاة بحقهم ظلماً كبيراً .. وهذا الظلم دفع الأمازيغ إلى الثورة والعصيان .. ومن سوء الطالع ان أفكاراً منحرفة كانت قد تسربت إلى المغرب والأندلس قادمة من الشام هي أفكار الخوارج .. فتبناها الامازيغ لأنهم وجدوا فيها خلاصاً لهم من الظلم والعنصرية الممارسة ضدهم .. فقامت الثورة الأمازيغية في المغرب العربي .. ثم انتقلت إلى الأندلس .. واستطاع الأمازيغ الانتصار على العرب في أكثر من معركة ..وأرسل الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك جيشاً عرمرماً للقضاء على الأمازيغ بعد أن قال ” لأغضبنّ لهم غضبة عربية “” ولكن الامازيغ سحقوا ذلك الجيش وقتلوا الفرسان والأبطال والأشراف .. وسميّت تلك المعركة بمعركة ” الأشراف ” .. لكن في النهاية استطاعت الخلافة الأموية أن تقضي على ثورات الأمازيغ تماماً ..!!

ولم تكد الفتنة بن العرب والامازيغ أن تهدأ حتى ظهرت فتنة اخرى .. لكن هذه المرة بين العرب أنفسهم .. فكانت فتنة وعصبية قبيلة بين القيسية واليمنية ..وأيضاُ قُتل فيها الكثير من الرجال .. واستنزفت فيها الكثير من الطاقات ..!!

ونتيجة لمرحلة الضعف هذه .. ترتب الكثير من النتائج السيئة .. ففقد المسلمون أراض واسعه في فرنسا ..وظهرت مملكة ” ليون ” النصرانية في الشمال الغربي .. وانقسمت الأندلس وعانت من الثورات المتعددة اضافة إلى ظهور فكر الخوارج المنحرف ..

ويمكن تلخيص أسباب الضعف في عهد الولاة بما يلي :
1- ظلم الولاة : مارس الولاة ظلماً بشعاً ضد الأمازيغ . وقد ألهبوا ظهور الناس بالسياط وساموهم العذاب الأليم ..!!
2 – حُب الدنيا : وسببها كثرة الغنائم التي وقعت بيد المسلمين .. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” نَّ مِمَّا أَخَاُف عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ” وقد فُتحت الدنيا على المسلمين فوقعوا في فتنتها ..!!
3- العنصرية والقبلية : بين العرب والامازيغ .. بين القيسيين واليمانيين .بين الفهريين والأمويين وبين وبين وبين ..!!
4 – ترك الجهاد : انشغل الولاة باخماد الثورات التي اشعلوها هم بظلمهم .. فكان من الطبيعي أن يتوقف الجهاد .. وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل ..!!

وسبحان الله .. نظرة متأنية على تلك الأسباب سنجد اننا نعيشها كلها .. من ظلم الولاة .. إلى العنصرية والقبلية والقطرية .. إلى حب الدنيا .. إلى ترك الجهاد …فهل من مُعتبر ؟؟ وهل من مُتعظ؟ .. وهل من عاقل ؟؟  وما أشبه اليوم بالامس ..!!

في الحقيقة .. إن ما جرى في عهد الولاة كان سيذهب بالاسلام من الأندلس نهائياً .. وسيقضي عليه تماماً .. وكان الأمر يتطلب إلى معجزة تثنقذ الأندلس والاسلام .. وبالفعل .. فقد تحققت تلك المعجزة .. فقد استطاع رجل هو عبد الرحمن الداخل ” صقر قريش ” أن يهرب من دمشق إلى الأندلس ويُقيم فيها خلافة أموية أخرى بعد ان أسقطها العباسيون في دمشق … وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الأندلس هي مرحلة ” الخلافة الأموية ” ..!!

ولكم مني كل الود والورد ..

أخوكم .. مــأمون ..!!