مرة واحدة فى العمر

تمضى السنون وتشتاق القلوب لزيارة بيت الله الحرام، رغبة فى غفران الذنوب وإتمام أركان الإسلام التى فرضها الله على كل مسلم.. وها هى رحلة القرب قد بدأت، بدأها الله من عنده بالحب والوصال، فأمر نبيه إبراهيم عليه السلام بالأذان للحج “وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” الحج : 27.

والحج لغة: هو القصد والقدوم وفى الاصطلاح يعنى شعيرة الإسلام وآخر أركانه التى يقصد بها المسلمون البيت الحرام فى زمن مخصوص بنية أداء المناسك من طواف وسعى، ووقوف بعرفة.. وغيرها
الحج حرفان: حاء وجيم، فالحاء حلم من الرب، والجيم جرم من العبد.. ومن حج البيت فقد أدخل صغير جرمه فى عظيم حلم الله فربح البيع وكان الفوز .

ومناسك الحج تشمل كل أنواع العبادات من صلاة وصوم وصدقة، وقد جعل الله العشر الأوائل من ذى الحجة من أفضل أيام الدنيا، لاجتماع تلك العبادات فيها، كما أقسم الله بها فى كتابه الكريم ولا يقسم الله إلا بعزيز.. “والفجر وليال عشر”، وفيها يوم عرفة أفضل أيام الله.. وكان أبو حنيفة يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حج فضل الحج على العبادات كلها، ولذلك قيل إن الصلاة تهلك البدن دون المال، والزكاة تهلك المال دون البدن، والحج يهلكهما معا، فهو أفضل الأعمال .

إن فهم أسرار الحج وحكمه من أعظم المنافع وأغلاها، وقد قدم الله شهود هذه المنافع على ذكره سبحانه وتعالى فقال “وليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات” الحج:28.

وقد فرض الله الحج مرة واحدة فى العمر فحسب بعكس الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولعل هذا هو السر فى اشتراط الإسلام شرط الاستطاعة لأداء فريضة الحج، ليتمكن صاحبها من أدائها بإتقان وإحسان كما أن الفرصة قد لا تتكرر والتجربة قد تكون الأولى والأخيرة.

وبما أن الحجاج هم ضيوف الرحمان وأشرف الناس وأكرم الخلق على الله، فقد منحهم سبحانه وتعالى الأجر العظيم والخير الوفير وجعل الحج من أفضل أعمال البر، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.. وهذه بعض الدروس التربوية المستفادة من تلك العبادة الربانية، والتى كلما أمعنا فيها النظر استخرجنا منها العبر.

1- الحث على وحدة الأمة الإسلامية فى هذا المؤتمر السنوى العالمى الذى يجمع المسلمين من كل جنس ولون.
2- الاستسلام الكامل والعبودية المطلقة فى فعل ما أمر الله به والبعد عما نهى عنه.. وفى الحج تدريب عملى على هذا المعنى.
3- الحج تربية أخلاقية تعلمنا التواضع والصبر على الطاعة وترك الجدال ورد المظالم.
4- الاستمرار فى التضخية بكل غال ونفيس فى سبيل الدين.
5- نتعلم من الحج أهمية الوقت، فكل عبادة لها وقت محدد.. فينبغى أن نحرص على أداء الأعمال فى أوقاتها ونلتزم الدقة والانضباط فى المواعيد.
6- المساواة بين الناس، فلا فرق لعربى على أعجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح.

وأخيرا:

فإذا كان الحج من أعظم العبادات التى تلتقى فيها الشعوب من كل مكان لعبادة الكريم الرحمان، فلماذا لا تجتمع القادة كل عام فى هذه المناسبة العظيمة لتقديم الحلول المفيدة لمشكلات الأمة؟ وهذا من أفضل الدروس المستفادة من هذه العبادة.

يا زائر البيت العتيق بتوبة … ترجو بها فى العالمين مكانا
الحج مكرمة وأعظم منحة …. يمحو الذنوب ويحفظ الإيمانا
من ذا ينال العفو فى أيامه … ويقدم الإحسان فيه عيانا.