من أخلاق النبوة ..( 2 ) !!

بسم الله الرحمن الرحيم ..

هذه المرة سنتعرف على خلق جديد من أخلاق الاسلام .. وسنتعرف كيف هذّب الاسلام خُلق أتباعه في معاملة فئة من الناس يُعتبرون من الضعفاء .. هم ( الخدم ) ..الخدم في البيوت ، أو الأُجراء الذين يخدمون في المحلات التجارية ، أو حتى الموظفين والمرؤوسين …!!

وقبل الشروع في ذلك ، من الضروري التذكير أن ما سأذكره كان قبل أكثر من قرن ونصف .. حيث لم يكن على وجه الأرض في ذلك الوقت من يرى أن للخدم حقوقاً .. بل كانوا عند أكثر أمم الأرض في حينها عبارة عن عبيد وجودهم فقط مقتصر على خدمة أسيادهم .. ولا ينالون أي حقوق ولا أي معاملة حسنة تقترب من معاملة البشر ..!!

في وسط ذلك الظلام .. ومن قلب جزيرة العرب حيث الرق والعبودية .. خرج رجلٌ هو “” محمد بن عبد الله “” .. خرج يقول : “” اخوانكم خوالكم جعلهم الله تحت أيديكم , فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس , ولا تكلفوهم ما يغلبهم , فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم “”

والخول هو الخادم .. فيرفع منزلة الخادم حتى يساويها بمنزلة الأخ .. فخادمك هو كأخيك .. لا فرق بينهما أبداً ..

وهذه المساواة في الانسانية بين الخادم والمخدوم .. هي التي جعلت اكابر القوم في قريش يأنفون من الدخول في الاسلام .. ويُعرضون عنه كبراً وعلواً .. ويقولون : ” إن محمداُ يساوي بيينا وبين عبيدنا .. وقرآنه يقول : إن أكرمكم عند الله أتقاكم “” ..
لأنهم لم يفهموا الفلسفة الاسلامية الراقية في المساواة بين الناس جميعاً ..!!

ويمضي بنا نور الاسلام في كشف مزيد من الظلمة .. ونسمع رسول الله يوصينا أن نُلبس الخدم مما نلبس .. ونطعمهم مما نأكل .. أليسوا أخواننا ؟
ثم يوصينا أن لا نحملهم أكثر مما يطيقون .. وإذا كلفناهم فعلينا أن نُعاونهم ..
فيالها من أخلاق رفيعة .. !!

ويمضي بنا أكثر .. فينهانا أن نؤذي الخادم ولو بكلمة .. او في أقل الأشياء .. يقول عليه الصلاة والسلام : ” لا يقولن أحدكم عبدي و أمتي. كلكم عبيدالله. وكل نسائكم إماء الله. ولكن ليقل: غلامي و جاريتي وفتاي و فتاتي ”  
وذلك مراعاة لمشاعر ذلك الانسان الذي ألجأته الظروف وضيق ذات اليد إلى هذا العمل ..!!

ولأن رسول الله كان لا يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به .. ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له .. فيحدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول : ” خدمت رسول الله عشر سنين ، فوالله ما قال لي أفّ قط .. ولم يقل لشيء فعلته لم فعلته .. ولا لشيء تركته لم تركته ” ..!!
عشر سنين لم يؤذ رسول الله خادمه حتى بكلمة ” أف ” .. ولم يعاتبه على أمر تركه أو على أمر فعله ..

وينهانا رسول الله أن نتميز عن من هم أقل منا أو دوننا .. وما أجمل هذه القصة التي تُشير إلى ذلك .. عندما كان رسول الله مع بعض أصحابه .. فأمر بتجهيز شاة للأكل .. فقال رجل : علي ذبحها .. وقال آخر : علي سلخها .. وقال آخر : عليّ طبخها .. فقال رسول الله : وعليّ جمع الحطب . فقالوا : نحنُ نكفيك يا رسول الله . قال : قد علمت أنكم تكفوني .. ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً بين أصحابه . وقام ليجمع الحطب .

هذه وصايا الاسلام .. وهذا هديُ رسول الاسلام .. الذي سبق ما يُسمى ” حقوق الانسان ” بمئات السنين ..!!

لكن واقعنا اليوم للأسف مختلف تماماً عمّا أمرنا به اسلامنا وجاءنا به رسولنا ..
فتجد اليوم صاحب محل تجاري صغير .. عنده صانع يعمل عنده .. تراه يمطره بوابل من الاهانات والشتائم أمام الناس على أقل هفوة تبدر منه .. وكثيراً ما شاهدت ذلك بنفسي  .. وهذا بالنسبة لصاحب محل تجاري لا تزيد مساحته عن ثلاثة أمتار .. فما بالك بمن يملك المعامل والمؤسسات وعشرات الموظفين وعشرات الخدم ..؟!!

كم نحنُ بحاجة ان نعود لاسلامنا .. ولهدي رسولنا .. لنعود كما كنا .. منارة تشع النور للعالم ..

ولكم مني كل الود والورد ..!!

أخوكم .. مـــأمون