من أنوار الهجرة ..!!

مرسلة من مأمون

بسم الله الرحمن الرحيم ..
المكان .. الصحراء العربية ..
الزمان … السنة العاشرة للبعثة ..
ذلك العام .. اتفق المؤرخون على تسميته بعام الحزن .. ففيه فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين من أقرب الناس إليه ,, ومن اكثرهم دعماً وسنداً له … هما جده أبو طالب وهو السند الاجتماعي له .. وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وهي سنده العاطفي والقلبي .. فقدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة واحدة .. أضف إلى ذلك أن الدعوة في مكة ستدخل مرحلة جديدة بفقدهما .. فسيبدأ السفهاء من كفار قريش في التطاول على رسول الله وايذائه بعد موت جده أبو طالب الذي كان يوفر له الحماية .. والمسلمون مستضعفون ولم يكونوا مأمورين بقتال أو مدافعه .. وذلك بعد عشر سنوات من الدعوة إلى الله

وهذا ما دفع رسول الله للذهاب إلى الطائف .. علّه يجد هناك النصرة التي فقدها في مكة .. فذهب مشياً على قدميه مع مولاه زيد بن حارثة .. حتى وصل إليهم ودعاهم إلى الاسلام وإلى الله .. فردوا عليه بأقبح رد .. وشتموه وسخروا منه وضربوه بالحجارة حتى ادموا قدميه الشريفتين .. ومن كثر الهم الذي نزل برسول الله من جراء تكذيبهم يقول صلى الله عليه وسلم “” “فَانْطَلَقْتُ -أي من الطائف- وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ”. وقرن الثعالب هذه تبعد عن الطائف 35 كم .. فمن شدة الهم قطع رسول الله كل تلك المسافة وهو غير منتبه لما حوله .. من شدة الهم الذي احس به ..
وعاد رسول الله إلى مكة ليدخلها في حماية المطعم بن عدي ..
وبعد هذا الموقف المؤلم مع الطائف .. توجه رسول الله إلى شكل جديد للدعوة .. فقد بدأ يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج … وذلك في السنة 11 من البعثة .. أي بعد عام من وفاة جده وزوجته .. والنتيجة ان كل تلك القبائل كذبته ورفضته ..فمنها من رد عليه رداً جميلاً ..مثل قبيلة بني عامر .. وهي قبيلة قوية وعزيزة ..قبلوا دعوته ولكنهم اشترطوا عليه أن يجعل الأمر لهم بعد وفاته .. فقال لهم رسول الله ” الأمر لله .. يضعه حيث يشاء ” فانفضوا عنه ..
رفض رسول الله طلبهم .. ولو كان رجلاً عادياً لقبل ذلك منهم وليحدث بعد وفاته ما بحدث .. المهم انه نال المجد في حياته .. ولكنه رسول الله .. وحاشاه أن يعمل لنفسه او لشخصه .. بل كان يعمل لله والأمر كله لله يضعه حيث شاء ..
وقبيلة أخرى هي قبيلة هم بني شيبان وهي أيضاً قبيلة كبيرة وقوية ..قبلوا منه .. ولكنهم قالوا له سنقاتل مع العرب .. أما الفرس فلا طاقة لنا بهم .. فقال لهم رسول الله (إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلاَّ مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ).
رفض رسول الله طلبهم .. وهو في أمس الحاجة الى عون وسند .. وهو يمر بأقسى فترات حياته بعد موت من كان يدعمه .. وبعد اشتداد أذى قريش وبعد ما لاقاه في الطائف .. كان بوسعه القبول ولا داعي لقتال الفرس .. المهم ان يسيطر على العرب .. إن ذلك قد يُفكر فيه رجل يريد السلطة .. اما نبي ورسول .. يدعو الى الله والى عبادة الواحد الأحد ..فلا وألف لا ..
ويعود رسول الله خالي الوفاض ..وليسمع أصوات رجال يتكلمون .. فيميل إليهم ليدعوهم ويسالهم من هم .. فيقولون له .. نفر من الخزرج … *** إنــــــــهم الأنـــــــــصار ***…وكانوا 6 شباب ..فعرض عليهم رسول الله الاسلام فقبلوه ..
ووعدوه بالعودة الى المدينة على أن يعودوا في السنة القادمة بعد ان يحاولوا زيادة عددهم .. وعادوا في السنة 12 للبعثة وأصبح عددهم 12 رجلاً .. لتتم ما يعرف ببيعة العقبة الأولى ..وكان كل ما وعدهم به رسول الله “” “فَإِنْ وَفَّيْتُمْ فَلَكُمُ الْجَنَّةُ”.
الجنّة .. نعم فقط الجنّة .. لم يعدهم بمال .. ولا بجاه .. ولا بسلطة .. بل بالجنة .. مع علمهم انهم سيقاتلون العرب والعجم .. ولكنه الاسلام اذا تمكن في النفوس ..
وعادوا الى يثرب ليكملوا دعوتهم فيها ..ويرسل رسول الله معهم اول سفير في الاسلام .. وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه .. ليعلمهم دينهم الجديد .. وليدعوا الناس إليه .. فيدخل أهل المدينة في الاسلام أفواجاً .. ولا يكاد يخلو بيت من ذكر لرسول الله فيه ..
وفي السنة 13 للبعثة .. وفي موسم الحج .. ياتي مسلموا المدينة ليقابلوا رسول الله ولتتم بيعة العقبة الثانية ..ليأمر بعدها رسول الله أصحابه في مكة بالهجرة إلى المدينة .. وتبدأ الهجرة .. ليترك المسلمون كل الدنيا خلفهم .. كل أموالهم وكل متاعهم وكل ما يملكون .. يرمونه خلف ظهورهم ويهاجرون بدينهم ..
وفي مثل هذه الأيام التي نعيشها اليوم .. يُهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه الصدوق أبو بكر .. وقد ترك ابن عمه علي رضي الله عنه لينام في فراشه ويفديه بنفسه .. ويؤدي عنه الأمانات ..( حتى وانت مهاجر يا رسول الله لا تنسى مانات الكافرين ؟؟!! ) ..
يُهاجر رسول الله الى المدينة .. في مثل هذه الايام التي نستذكر فيها تلك الذكرى العظيمة .. لتقوم دولة الاسلام .. وينطلق شعاع النور ليشمل الأرض ..
قبل 3 سنين فقط .. مات جده وزوجته .. قبل ثلاث سنين فقط ضربه أهل الطائف بالحجارة وأدموه .. قبل ثلاث سنين فقط كذبتهم كل القبائل التي عرض نفسه عليه .. والآن ستصبح للاسلام دولة ..
فلا تيأسوا يا أصدقائي مع حجم الخطوب وكثرتها .. فالفرج أقرب مما نتصور .. وما أمر الله إلا كلمحِ بالبصر .. ولا بد للفرج أن ياتي مهما تكاثرت الرزايا .. ومهما استبد الظلم والظلام فالنور آتِ إن شاء الله ..
هذا ما يجب أن نتعمله من الهجرة …
وصلى الله على سيدنا محمد .. وعلى آله وصحبه وسلم ..!!
ولكم مني كل الود والورد ..!!

أخوكم … مــــأمون