كان جالساً كعادته في ظل اتكساراته, ملقياً برأسه إلى الخلف و مسنداً ظهره إلى حائط الغد المجهول, مغمضاً عينيه على عتم الإطمئنان و آوياً إليه مسترسلاً بأفكاره التي كانت تهمس له بحجم حلمه الكبير الخجول حين سمع الصوت يأتيه آمراً: إنهض….نهض و مشى خلف الصوت متتبعاً أثار صداه و متقفياً تردداته عبر اتساع أثير الصمت , تصحبه حطواته المتكئة على ظلّه المظلم السائر معه ملتصقاً بلون تراب الأرض.
ظلّه هذا الذي حمل جسده المثخن بنزف تعب الإنهزامات و شكّله الزمن امتداداً لسحنة وجهه الموشومة بخطوط آلام التجارب و تجرّع الإبتلاءات كان قد تقوس من ثقل ذاكرته المنهكة بتراجيع مشاهد الصراعات نفسها آلاف المرات فانحنى هيكله مع الوقت أكثر فأكثر لطغيان اللون الأحمر على خيارات باقي الألوان في لوحة الذكريات .. سار جسده مع ظله جنباً إلى جنب نحو الصوت الذي ناداه مسافة تفكر متأملة بحاله و بحال حجم حلمه الذي كبر حد عقم الاضمحلال و توهان التلاشي.. استمر بالتقدم خلف الصوت لمدةٍ راوحت ما بين انصياعٍ كاملٍ للأمر و ذهولٍ متسائلٍ عنه و بين دهشةٍ مستغربة منه و ترددٍ حذر يشكك به إلى أن سمع الصوت يأمره مجدداً: توقّف.
وقف فجأة متسمراً في مكانه كجذعٍ مغروس إلتلحم امتداد ارتفاعه مع امتداد اتساع المكان .. كشجرةٍ التصقت بأرضها الخالية إلا منها و اتحدت معها عارية إلا من أغصان خيباتها و عري لونها الأسمر الذي ماثل لون عري تربتها… تحتها, و على امتداد حدود الأفق الدائري من حولها انتشرت أوراقها الصفراء و تبعثرت بعد أن حصدتها رياح اليأس و الإحباط و سلّمتها لزوبعة مرارة الخذلان تلك التي عبثت بها و نثرتها على اتساع المدى أكواماً تصطف خلف أكوام و أشكالاً تنتظر أمر الريح لتعيد تشكيل تجمعاتها أكواماً تخلف أكواماً, بعض أوراقها تلوّحت صفرتها باحمرار لون الغضب , و داخل صفرة بعضها الآخر ارجوانية اللا حيلة , أما القسم الأكبر منها فاكتفى بأحادية لون إصفرار ما قبل السقوط.
لحظة تفكّر مرت على خاطره كأنها الدهر و هو في مكانه يحاول تحرير إرادته من تسلط الصوت عليها, يجاهد رغبته لردعها عن الامتثال لأوامر الصوت حيناً و حيناً يلوم تهور حشريته التي أغواها طمعها على معرفة نهاية خط المسير …. تلت لحظة التفكر بضع دقائق من فراغ صامت و انتظار نابض و إغماضة جفن تعبة أيقظتها فجأة نبرة الصوت الآمرة: إحفر…هوى بجسده إلى مكان قدميه… ركع فوق التراب و أخد منه قبضتين .. رفعهما حتى مستوى ناظريه و حدق بهما .. راقب انسلال حبات التراب من بين أصابعه… فتح كفيه ليرى ماذا بقى لهما.. فتراءى له حلمه قبضة تراب رفضت مغادرة أمل بقائها في راحتَي كفّيه .. نظر إلى حلمه و قد تجسد تراباً أحمراً .. تأمله لبرهة حزن .. قبّله قبلةً مبهمة .. ثم نثره عالياً في الهواء فوق رأسه و بدأ بالحفر.
مريم الحلوه , اشتقتلك كثير أنا ، بس ما حبيت الموضوع
موضوع مكرر لكنه حي لكن تمنيت ان تتم معالجته بشكل مختلف جديد من وجهة نظر جديدة يا أخت مريم
(هذا واحد الرجل كان غادي غادي … وهو يطيح) هذه العبارة دائما ما أرددها حينما تطلب مني إبنتي الصغيرة بلغتها الطفولية ان أقص لها حكاية في الوقت الذي أكون فيه منشغلة بأمر ما حتى أصرفها ولا أغضبها لكن في الواقع كانت تغضب أكثر لأنها تشعر بأنني أستهزأ منها بهذه الطريقة فرغم صغر سنها تعلم ان القصة او الحكاية لها مقومات وأحداث لا تتوفر عليها العبارة أو الجملة التي ذكرتها لها ولكم في البداية ومعناها انه هناك رجل ما كان يمشي ويمشي … ثم سقط.
فأنا هنا أجد نفسي في نفس الموقف فصاحبة الموضوع (اللذي يصعب تجنيسه أدبيا ) ركزت على الصور الفنية وأغفلت باقي العناصر المهمة اللتي يجب أن يحتوي عليها أي نص أدبي، وهذا ما جعل من موضوعها عبارة عن حبات من التراب لم تستطع أن تكون منه نص أدبي.
إذا زاد الشيئ عن حده إنقلب إلى ضده فكثرة الصور الفنية أضرت النص وأفقدته جماليته وليس العكس.
شكرًا لك أختي وأتمنى ان لا يكون رأيي قد أزعجك.
بالعكس أراها قصة جميلة مليئة بالصور البلاغية بطل القصة بعد كل لي مر به من انكسارات و هزائم و غضب و عنف او حرب متجسد بكلامها طغيان اللون الأحمر ع اللوحة قرر الموت و هذا ما فهمته بالاخير ( بدا بالحفر ) يحفر قبره .
اضافة صغيرة حبيت أضيفها رغم انك ما ذكرتي أسباب هالانكسارات و الهزائم و و و ..الي تعرض ليها البطل بس ذكرك بالعنوان (مواطن عربي) بين كل شي و قد يكون هذا المواطن انا او انت او اي حد بالعالم العربي باعتبار مشاكلنا وحدة و بما ان كلامك مجازي فقد يكون الموت او حفر قبره تعني الاستسلام و عدم القدرة على المواصلة
كتاباتك الغير الطائفية جميلة
Bonne continuation !!