مواقف نيّرة من السيرة العطرة ،، 6 ..!!

بسم الله الرحمن الرحيم ..!!
الموقف النبوي الكريم هذه المرة كان موقفاً أليماً وصعباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..واحتمل منه الأذى الشديد في أعز ما يملكه الانسان .. إنه موقف حادثة الافك ..
وملخص حادثة الافك أن رسول الله كان قافلاً من إحدى غزاوته وكانت معه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها .. وأثناء توقف الجيش خرجت أم المؤمنين لقضاء حاجتها .. ولم ينتبه الجيش لذهابها فحمل الجنود هودجها وهم يظنون أنها فيه .. وعندما عادت لم تجد الجيش فجلست مكانها وهي تظن أنهم لابد سينتبهون لغيابها ويعودون لأخذها ..
وفي أثناء انتظارها مر بها أحد الصحابة الكرام وهو ” صفوان بن معطل السلمي ” .. فأجلسها على ناقته وساق بها إلى المدينة .. فأدرك مؤخرة جيش المسلمين وهم يدخلون المدينة …
ورأى المنافقون هذا المشهد .. فاستغلوه .. وبدأو في نسج الاشاعات الباطلة حوله .. ورموا السيدة العفيفة الطاهرة أم المؤمنين بالإفك .. وكثُر الحديث وخاض فيه الناس .. يخوضون في عرض رسول الله !!!! ..
اوذي رسول الله كثيراً وتألم كثيراً عندما وصل الخبر إلى مسامعه .. حتى أنه جمع المسلمين وصعد المنبر وأخذ يشكو للناس ويزكّي السيدة عائشة والصحابي صفوان ويقول ” ما بال أقوام يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق ؟ والله ما علمت عليهم إلا خيراً ، ويقولون ذلك لرجل ما علمت منه إلا خيراً ، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي ” ..

كل ذلك والخبر لم يصل إلى مسامع السيدة عائشة رضي الله عنها ..فلما وصلها حزنت حزناَ شديداً وأصابها المرض ..وكانت قبل ذلك قد لاحظت تغيراً من رسول الله ..فكان يدخل البيت ويسلّم ويقول ” كيف تيكم ؟ ” ثم ينصرف ..
واستأذنت عائشة من رسول الله أن تمرّض عند أبويها فأذن لها .. فذهبت واكثرت البكاء حتى ما يرقأ لها جفن …
وبقي الناس يتحدثون في هذه الحادثة عشرة أيام .. عشرة أيام كاملة ورسول الله يتعذب بأبي هو وأمي .. ويسمع الناس يتحدثون ويخوضون وهو صابر محتسب ..

ومع كل هذا الحديث وهذا الخوض .. لم تلاحظ السيدة عائشة إلا تغيراً طفيفاً في معاملة رسول الله لها .. لم يُشهر السيف كما يفعل ” ذكور ” اليوم عند أول كلمة تقال لهم .. لم يذهب إليها ويقول لها أنت فعلت كذا وكذا والناس تخوض في سيرتك فليس لك مقام عندي .. لا لم يفعل ذلك ولم يخبرها بشيء وإنما سمعت من الناس ..

ولم يقاطعها .. ولم يهجرها .. بل بقي يسأل عن حالها وعن صحتها ..
يا الله ما أبعدنا اليوم عنك يا رسول الله .. ما أبعدنا عن هديك .. ما أبعدنا عن دينك .. نحن اليوم نقتل بعضنا بعضاً على الشبهات يا رسول الله .. نحن اليوم نظلم نسائنا ونهينهن بل ونقتلهن لمجرد الشك يا رسول الله …

وبعد عشرة أيام .. ذهب رسول الله إلى بيت عائشة رضي الله عنها .. وجلس .. ثم قال للسيدة عائشة : أما بعد يا عائشة ،، فإنه كان قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنتِ بريئة فسيبرئكِ الله ،، وإن كنتِ ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه . ”
بلطف وحنو ونصح يوجّه لها هذه الكلمات النبوية ..بعد معاناة استمرت عشرة أيام من الخوض في عرضه صلى الله عليه وسلم .. وهو صابر .. فلم يرفع يداً .. ولم يشتم وحاشاه .. ولم يسب ولم يلعن وحاشاه ..!!

ولم يقم رسول الله من مكانه ذاك .. حتى أنزل الله قرآنا يُتلى ببراءة السيدة عائشة أم المؤمنين في سورة النور “” إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم …. ” إلى آخر الآيات .. فبشّر رسول الله السيدة عائشة ببرائتها .. حتى أنها كانت تظن انها أقل من ان ينزل فيها قرآن كريم …

ما أحوجنا أن نتعلم من هذا الموقف كيف نتعامل مع الناس .. كيف لا نسمح لألمنا أن يسيطر علينا ويجعلنا نرتكب حماقات قد نندم عليها لاحقاً .. ما أحوجنا أن نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

ولكم مني كل الود والورد ..

أخوكم .. مـــأمون ..!!