أين الله؟

د. ناصح أمين

يتكرر سؤالٌ على ألسنة كثيرين: هل يُمكن النصر في معركة غير متكافئة؟ والجواب يتعلق بالحالة التي نحن عليها. فإن كان الله معنا فالنصر واضح المعالم. لكن كيف يكون الله معنا؟

خرج عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في بعض نواحي المدينة ومعه بعض أصحابه، فمر بهم راعٍ، فقال له عبد الله: بِعني شاة من غنمك. فقال: إنها ليست لي، إنها لمولاي!
فأراد ابن عمر أن يختبره فقال له: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول: فأين الله؟ فبكى ابن عمر وأخذ يكرر: قال الراعي: فأين الله؟ فلما قدم المدينة بعث إلى سيده، فاشترى منه الراعي والغنم، فأعتق الراعي، ووهب له الغنم.

(أين الله) ليست كلمة عابرة، بل هي منهاج حياة لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة. قالها الراعي فأعتقته في الدنيا، ونسأل الله أن تعتقه في الآخرة. فما أحلى تنمية الصلة بالله، والخوف منه في السر والعلن، وزرع روح مراقبته في نفوسنا، لأنها ستؤدي بنا إلى الأمانة في كل أعمالنا، نراقب الله سبحانه قبل أن نراقب المدير والأمير. فالراعي كان يملك أن يفعل بالغنم ما يريد، لكنه آثر الخوف من الله. وإنها لتربية عظمية لنا ولأهلينا، ففي الحديث (من تركَ شيئًا لله، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه). وما أحلى العوض الذي ناله هذا الراعي، فانتقل من راع مملوك إلى حر يمتلك كل الغنم.

ولما نهى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن خلط الحليب بالماء خرج ذات ليلة في حواشي المدينة يتفقد رعيته، فأسند ظهره إلى جدار ليرتاح، فإذا به يسمع امرأة تطلب من ابنتها أن تخلط الحليب بالماء. فقالت البنت: لقد نهى أمير المؤمنين عن ذلك؟ فقالت الأم: فما يدري أمير المؤمنين؟ فقالت البنت: إن كان عمر لا يرانا فربُّ عمر يرانا!.
فوقعت مقالتها من نفس عمر. فلما أصبح دعا عاصماً ابنه، فوصف له مكانها وقال: اذهب يا بني فتزوجها. فتزوجها عاصم، فولدت له بنتاً، فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأتت بعمر بن عبد العزيز.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصف الصالحين: (عَظُمَ الخالقُ في قلوبهم، فصغُر ما دونه في أعينهم). فذلك التعظيم جعلهم لا يخافون إلا منه، ولا يطمئنون ولا يلجؤون إلا إليه، حتى تعلقت به قلوبهم، واستحوذ جلاله على نفوسهم، فصار حسبهم ووكيلهم، وصاروا هم أهله وأحبابه وخاصته.

فأين الله في قلوبنا؟ هل نفرح بالقرب منه؟ وهل نحب السجود بين يديه، لنكون أقرب ما يمكن إليه؟ لاسيما في ثلث الليل الأخير؟ وهل نداوم على ذكره؟ وهل نضحي من أجله؟ وهل نتحرى مواضع رضاه فنسرع إليها؟ وهل نتعرف على الأعمال التي تغضبه فنبتعد عنها؟ وهل نؤدي واجب الشكر على نعمه التي لا تُحصى؟ أم أن النعم تنسينا المنعم؟ وهل نصبر عندما يمتحننا ربنا ويبتلينا؟ أم نشكوه إلى خلقه؟ ونسخط على قدره وقضائه؟