شرح حديث المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف

العلامة السعدي رحمه الله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلىآله وصحبه ومن ولاه

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : “المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز .. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم.
هذا الحديث اشتمل على أصول عظيمة كلمات جامعة.
فمنها: إثبات المحبة صفة لله، وأنها متعلقة بمحبوباته وبمن قام بها ودلّ على أنها تتعلق بإرادته ومشيئته، وأيضاً تتفاضل. فمحبته للمؤمن القوي أعظم من محبته للمؤمن الضعيف.
ودلّ الحديث على أن الإيمان يشمل العقائد القلبية والأقوال والأفعال، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول: “لا إله إلا الله” وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة منه. وهذه الشعب التي ترجع إلى الأعمال الباطنة والظاهرة كلها من الإيمان. فمن قام بها حق القيام، وكَمَّل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكمَّل غيره بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر: فهو المؤمن القوي الذي حاز أعلى مراتب الإيمان. ومن لم يصل إلى هذه المرتبة: فهو المؤمن الضعيف.
وهذا من أدلة السلف على أن الإيمان يزيد وينقص. وذلك بحسب علوم الإيمان ومعارفه، وبحسب أعماله.
وهذا الأصل قد دلّ عليه الكتاب والسنة في مواضع كثيرة:
ولما فاضل النبي صلى اله عليه وسلم بين المؤمنين قويهم وضعيفهم خشي من توهم القدح في المفضول، فقال: “وفي كل خير” وفي هذا الاحتراز فائدة نفيسة، وهي أن على من فاضل بين الأشخاص أو الأجناس أو الأعمال أن يذكر وجه التفضيل ، وجهة التفضيل. ويحترز بذكر الفضل المشترك بين الفاضل والمفضول، لئلا يتطرق القدح إلى المفضول وكذلك في الجانب الآخر إذا ذكرت مراتب الشر والأشرار، وذكر التفاوت بينهما. فينبغي بعد ذلك أن يذكر القدر المشترك بينهما من أسباب الخير أو الشر. وهذا كثير في الكتاب والسنة.
وفي هذا الحديث: أن المؤمنين يتفاوتون في الخيرية، ومحبة الله والقيام بدينه، وأنهم في ذلك درجات {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} ويجمعهم ثلاثة أقسام: السابقون إلى الخيرات، وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وفضول المباحات وكملوا ما باشروه من الأعمال، واتصفوا بجميع صفات الكمال. ثم المقتصدون الذين اقتصروا على القيام بالواجبات وترك المحظورات. ثم الظالمون لأنفسهم، الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً.
وقوله صلى اله عليه وسلم : “احرص على ما ينفعك واستعن بالله” كلام جامع نافع، مُحِتوٍ على سعادة الدنيا والآخرة.
والأمور النافعة قسمان: أمور دينية، وأمور دنيوية. والعبد محتاج إلى الدنيوية كما أنه محتاج إلى الدينية. فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد في الأمور النافعة منهما، مع الاستعانة بالله تعالى، فمتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها، وسلك أسبابها وطرقها، واستعان بربه في حصولها وتكميلها: كان ذلك كماله، وعنوان فلاحه. ومتى فاته واحد من هذه الأمور الثلاثة: فاته من الخير بحسبها، فمن لم يكن حريصاً على الأمور النافعة، بل كان كسلاناً لم يدرك شيئاً. فالكسل هو أصل الخيبة والفشل. فالكسلان لا يدرك خيراً، ولا ينال مكرمة، ولا يحظى بدين ولا دنيا، ومتى كان حريصاً، ولكن على غير الأمور النافعة: إما على أمور ضارة، أو مفوتة للكمال كان ثمرة حرصه الخيبة، وفوات الخير، وحصول الشر والضرر، فكم من حريص على سلوك طرق وأحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه إلا التعب والعناء والشقاء.
ثم إذا سلك العبد الطرق النافعة، وحرص عليها، واجتهد فيها: لم تتم له إلا بصدق اللجأ إلى الله، والاستعانة به على إدراكها وتكميلها وأن لا يتكل على نفسه وحَوْله وقوته، بل يكون اعتماده التام بباطنه وظاهره على ربه. فبذلك تهون عليه المصاعب، وتتيسر له الأحوال محتاج – بل مضطر غاية الاضطرار – إلى معرفة الأمور التي ينبغي الحرص عليها، والجد في طلبها.
فالأمور النافعة في الدين ترجع إلى أمرين: علم نافع، وعمل صالح.
أما العلم النافع: فهو العلم المزكي للقلوب والأرواح، المثمر لسعادة الدارين. وهو ما جاء به الرسول صلى اله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه، وما يعين على ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت والموضع الذي فيه الإنسان، وتعيين ذلك يختلف باختلاف الأحوال. والحالة التقريبية: أن يجتهد طالب العلم في حفظ مختصر من مختصرات الفن الذي يشتغل فيه. فإن تعذر أو تعسر عليه حفظه لفظاً، فليكرره كثيراً، متدبراً لمعانيه، حتى ترسخ معانيه في قلبه. ثم تكون باقي كتب هذا الفن كالتفسير والتوضيح والتفريع لذلك الأصل الذي عرفه وأدركه، فإن الإنسان إذا حفظ الأصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها: صغارها وكبارها. ومن ضيع الأصول حرم الوصول.
فمن حرص على هذا الذي ذكرناه، واستعان بالله: أعانه الله، وبارك في علمه، وطريقه الذي سلكه.
ومن سلك في طلب العلم غير هذه الطريقة النافعة: فاتت عليه الأوقات، ولم يدرك إلا العناء، كما هو معروف بالتجربة. والواقع يشهد به، فإن يسر الله له معلماً يحسن طريقة التعليم، ومسالك التفهيم: تم له السبب الموصل إلى العلم.
وأما الأمر الثاني – وهو العمل الصالح -: فهو الذي جمع الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى اله عليه وسلم ، وهو التقرب إلى الله: باعتقاد ما يجب لله من صفات الكمال، وما يستحقه على عباده من العبودية، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وتصديقه وتصديق رسوله في كل خبر أخبرا به عما مضى، وعما يستقبل عن الرسل، والكتب والملائكة، وأحول الآخرة، والجنة والنار، والثواب والعقاب وغير ذلك ثم يسعى في أداء ما فرضه الله على عباده: من حقوق الله، وحقوق خلقه ويكمل ذلك بالنوافل والتطوعات، خصوصاً المؤكدة في أوقاتها، مستعيناً بالله على فعلها، وعلى تحقيقها وتكميلها، وفعلها على وجه الإخلاص الذي لا يشوبه غرض من الأغراض النفسية. وكذلك يتقرب إلى الله بترك المحرمات، وخصوصاً التي تدعو إليها النفوس، وتميل إليها. فيتقرب إلى ربه بتركها لله، كما يتقرب إليه بفعل المأمورات، فمتى وفّق العبد بسلوك هذا الطريق في العمل، واستعان الله على ذلك أفلح ونجح. وكان كماله بحسب ما قام به من هذه الأمور، ونقصه بحسب ما فاته منها.
وأما الأمور النافعة في الدنيا: فالعبد لا بد له من طلب الرزق. فينبغي أن يسلك أنفع الأسباب الدنيوية اللائقة بحاله. وذلك يختلف باختلاف الناس، ويقصد بكسبه وسعيه القيام بواجب نفسه، وواجب من يعوله ومن يقوم بمؤنته، وينوي الكفاف والاستغناء بطلبه عن الخلق. وكذلك ينوي بسعيه وكسبه تحصيل ما تقوم به العبوديات المالية: من الزكاة والصدقة، والنفقات الخيرية الخاصة والعامة مما يتوقف على المال، ويقصد المكاسب الطيبة، متجنباً للمكاسب الخبيثة المحرمة. فمتى كان طلب العبد وسعيه في الدنيا لهذه المقاصد الجليلة، وسلك أنفع طريق يراه مناسباً لحاله كانت حركاته وسعيه قربة يتقرب إلى الله بها. ومن تمام ذلك: أن لا يتكل العبد على حوله وقوته وذكائه ومعرفته، وحذقه بمعرفة الأسباب وإدارتها، بل يستعين بربه متوكلاً عليه، راجياً منه أن ييسره لأيسر الأمور وأنجحها، وأقربها تحصيلاً لمراده. ويسأل ربه أن يبارك له في رزقه، فأول بركة الرزق: أن يكون مؤسساً على التقوى والنية الصالحة. ومن بركة الرزق: أن يوفق العبد لوضعه في مواضعه الواجبة والمستحبة، ومن بركة الرزق: أن لا ينسى العبد الفضل في المعاملة، كما قال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} بالتيسير على الموسرين، وإنظار المعسرين، والمحاباة عند البيع والشراء، بما تيسر من قليل أو كثير. فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً.
فإن قيل: أي المكاسب أولى وأفضل؟
قيل: قد اختلف أهل العلم في ذلك. فمنهم من فضل الزراعة والحراثة. ومنهم من فضل البيع والشراء. ومنهم من فضل القيام بالصناعات والحرف ونحوها. وكل منهم أدلى بحجته. ولكن هذا الحديث هو الفاصل للنزاع، وهو أنه صلى اله عليه وسلم قال : “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله” والنافع من ذلك معلوم أنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. فمنهم من تكون الحراثة والزراعة أفضل في حقه، ومنهم من يكون البيع والشراء والقيام بالصناعة التي يحسنها أفضل في حقه. فالأفضل من ذلك وغيره الأنفع.
فصلوات الله وسلامه على من أعطي جوامع الكلم ونوافعها.
ثم إنه صلى اله عليه وسلم حضّ على الرضا بقضاء الله وقدره، بعد بذل الجهد، واستفراغ الوسع في الحرص على النافع. فإذا أصاب العبد ما يكرهه فلا ينسب ذلك إلى ترك بعض الأسباب التي يظن نفعها لو فعلها، بل يسكن إلى قضاء الله وقدره ليزداد إيمانه، ويسكن قلبه وتستريح نفسه؛ فإن ” لو ” في هذه الحال تفتح عمل الشيطان بنقص إيمانه بالقدر، واعتراضه عليه، وفتح أبواب الهم والحزن والمضعف للقلب. وهذه الحال التي أرشد إليها النبي صلى اله عليه وسلم هي أعظم الطرق لراحة القلب، وأدعى لحصول القناعة والحياة الطيبة، وهو الحرص على الأمور النافعة، والاجتهاد في تحصيلها، والاستعانة بالله عليها، وشكر الله على ما يسره منها، والرضى عنه بما فات، ولم يحصل منها.
واعلم أن استعمال ” لو ” يختلف باختلاف ما قصد بها. فإن استعملت في هذه الحال التي لا يمكن استدراك الفائت فيها فإنها تفتح على العبد عمل الشيطان، كما تقدم. وكذلك لو استعملت في تمني الشر والمعاصي فإنها مذمومة، وصاحبها آثم، ولو لم يباشر المعصية. فإنه تمنى حصولها.
وهذا الأصل الذي ذكره النبي صلى اله عليه وسلم – وهو الأمر بالحرص على الأمور النافعة، ومن لازمه اجتناب الأمور الضارة مع الاستعانة بالله – يشمل استعماله والأمر به في الأمور الجزئية المختصة بالعبد ومتعلقاته، ويشمل الأمور الكلية المتعلقة بعموم الأمة. فعليهم جميعاً أن يحرصوا على الأمور النافعة. وهي المصالح الكلية والاستعداد لأعدائهم بكل مستطاع مما يناسب الوقت، من القوة المعنوية والمادية، ويبذلوا غاية مقدورهم في ذلك، مستعينين بالله على تحقيقه وتكميله، ودفع جميع ما يضاد ذلك. وشرح هذه الجملة يطول وتفاصيلها معروفة.
وقد جميع النبي صلى اله عليه وسلم في هذا الحديث بين الإيمان بالقضاء والقدر، والعمل بالأسباب النافعة، وهذان الأصلان دلّ عليهما الكتاب والسنة في مواضع كثيرة. ولا يتم الدين إلا بهما. بل لا تتم الأمور المقصودة كلها إلا بهما، لأن قوله “احرص على ما ينفعك” أمر بكل سبب ديني ودنيوي، بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص لعيه، نية وهمة، فعلاً وتدبيراً.
وقوله: “واستعن بالله” إيمان بالقضاء والقدر، وأمر بالتوكل على الله الذي هو الاعتماد التام على حوله وقوته تعالى في جلب المصالح ودفع المضار، مع الثقة التامة بالله في نجاح ذلك. فالمتبع للرسول صلى اله عليه وسلم يتعين عليه أن يتوكل على الله في أمر دينه ودنياه، وأن يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته والله المستعان.

مصدر الموضوع شرح حدبث المؤمن ا لقوى خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف – منتديات الهندسة نت http://www.alhandasa.net/forum/showthread.php?t=15248#ixzz1iYx9Ox9E

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». رواه مسلم.

قوله: “المؤمن القويّ” المراد بالقويّ هنا: قوّة الإيمان أي: القويّ في إيمانه، وكذلك القويّ في بدنه ورأيِه وتدبيرِه، فالقوّة تشمل قوّة الإيمان، وهذا هو الأصل والأساس، وقوّة الرأي والتدبير، وقوّة البدن أيضاً، لأنّه ينفع بقوّته، ينفع نفسَه وينفع غيرَه، فنفعُهُ يكون متعدِّياً، فهو “خيرٌ” أفعل تفضيل، يعني: أكثرُ خيراً.

“وأحبُّ إلى الله” هذا فيه: إثبات المحبّة لله عزّ وجلّ، وأنّه يحبّ المؤمن القويّ. والمحبّة من صفات الله سبحانه وتعالى.

“من المؤمن الضّعيف”

الضعيف في إيمانه، وكذلك الضعيف في إرادتِه وتدبيرِه وبدنه، لأنّ نفعَه يكون قليلاً لنفسه ولغيره.

قال: “وفي كلٍّ خير”

المؤمن كلُّه خير، المؤمن القويّ والمؤمن الضعيف، كلّهم فيه خير، لكن المؤمن القويّ خيرهُ متعدٍّ إلى غيره، والمؤمن الضعيف خيرهُ قاصرٌ على نفسه لا يتعدّاه.

وقوله: “احرص”

ب**ر الرّاء، ويجوز الفتح، والحرص معناه: المبالَغة في طلب الشيء.

ومعنى قوله: “احرص على ما ينفعك”

يعني: بالغ في طلبهِ، وابذل الوُسع في تحصيلِه، فإنّ النفع مطلوب.

وفي ضمن ذلك النّهي عن الحرص على الشيء الذي لا ينفع.

ثم قال: “واستعن بالله”

يعني: لا تعتمد على الحرص فقط ولكن مع الحرص استعن بالله سبحانه وتعالى، لأنّه لا غنى لك عن الله، ومهما بذلْت من الأسباب فإنّها لا تنفع إلاّ بإذن الله سبحانه وتعالى، فلذلك جمع بين الأمرين: فعل السبب مع الاستعانة بالله عزّ وجلّ.

ثم قال: “ولا تعجَزن”

بفتح الزاي، ويجوز ال**ر، والنون: نون التوكيد الثّقيلة. هذا نهي، نهيٌ عن العجز.

والعجز معناه: ال**ل والإهمال، وليس العجز الجسمي، فالإنسان إذا عجز عجزاً جسميّاً لا يؤاخَذ لأنّه لشيء باختيارِه، لكن المراد: عجز ال**ل وعجز الإهمال وإيثار الرّاحة هذا هو المنهيّ عنه، لأنّه يفوِّت على المسلم خيراً كثيراً، ولهذا: كان النّبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز وال**ل ومن الجُبُن والبُخل ومن غلبة الدَّيْن وقهر الرجال.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: “وإنْ أصابك شيءٌ” يعني: ممّا تكره، بعدما تحرص على ما ينفعك وتستعين بالله وتترُك العجز، بعدما تعمل هذه الأسباب إذا أصابك شيء ع** ما تُريد وع** ما تطلُب فلا تجزع واعلم أنّ هذا بقضاء الله وقدره، وأنّ الله لو قدّر

لك شيئاً لحصل ولكنّه لم يقدِّر لك، ولا تدري ما الخيرة فيه، لعلّ الله حبسه عنك لخير أرادَه بك، ربّما أن الإنسان يحرص على شيء لو حصل له لأهلَكه، فالله يمنعه عنه رحمةً به: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
“فلا تقل: لو أنّي فعلتُ كذا لكان كذا وكذا”

لا ترجع هذا إلى تقصيرِك، ولكن أرجِعه إلى قضاء الله وقدرِه.

“ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل”

يعني: أرجِع هذا إلى قضاء الله وقدره، فالذي منعه عنك ليس هو فعلُك أو تركك، وإنّما الذي منعه عنك هو الله سبحانه وتعالى، ولا تدري لعلّ الله أراد بك خيراً وصرف عنك شرًّا، فارْض بقضاء الله وقدره.

هذا هو شأن المؤمن الذي يؤمن بالقضاء والقدر، أما المنافق وضعيف الإيمان فإنّه إذا أصابَه شيء يكرهُه جزع وتسخّط وقال: هذا بسبب فلان أو هذا بسبب أنّي ما علمت كذا أو كذا. هذا جُحودٌ للقدر، أو عدم إيمان بالقدر، أو ضعف إيمان بالقدر، وما هكذا المؤمن.

فقول: “قدر الله وما شاء فعل”

يحلّ عن المسلم مشاكل كثيرة.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: “فإنّ لو” أي: قول:“لو”

.

“تفتح عمل الشيطان” إذا أرجعتَ هذا إلى غير القضاء والقدر دخل الشيطان، وصار يوسوس لك ويلقي عليك الأوهام ويُلقي عليك القلق النفسي، وتُصبح في همٍّ وغم وحزن، أما إذا أغلقتَ هذا الباب وقلتَ: “قضاءُ الله وقدرُه”، أو “قدَّر الله وما شاء فعل”

فإنّك تُغلق باب الشيطان.

فـ “لو” مفتاح لباب الشيطان، و“قدّر الله وما شاء فعل”

إغلاق لباب الشيطان، تستريح من شرِّه ومن هُمومه وأحزانِه ووساوسه.

يبقى إشكالٌ وهو: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابهِ في حجّة الوداع: “لو استقبلْتُ من أمري ما استدبرت لَمَا سُقت الهدي ولأحللتُ معكم وجعلتها عمرة” أليس في هذا استعمال “لو” في شيء تبيّن للرّسول صلى الله عليه وسلم أنّه فاته وهو فضيلة التمتُّع بالعْمرة إلى الحج؟، ألاَ يتعارض مع قوله: “وإنْ أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا وكذا”؟.

الجواب: لا تعارض، لأنّ “لو أني فعلتُ كذا وكذا لكان كذا وكذا” هذا من باب الجزع على شيءٍ حصل وانتهى، أما “لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت” فهو إخبارٌ عن المستقبَل لا عن الماضي، وأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم لو تبيّن له فضل العُمرة والتّمتّع بها إلى الحج لتمتّع صلى الله عليه وسلم ولَمَا ساق الهدي، فهو إخبارٌ عمّا يفعله في المستقبَل.

ومما يستفاد من الحديث

01-: وُجوب الإيمان بالقضاء والقدر، وأنّه الركن السّادس من أركان الإيمان، وهو من علامات التّوحيد. وعدم الإيمان بالقضاء والقدر يتنافى مع التّوحيد وهو من علامات النفاق.
02-: يُستفاد من الآيتين والحديث: وُجوب ترك “لو” عند نُزول المصائب والمكروهات، لا يقول: “لو أنّي فعلتُ كذا وكذا ما حصلت هذه المصائب”، بل يقول: هذه المصائب مقدَّرةٌ من الله سبحانه وتعالى، فيرضى بقضاء الله وقدره.
03-: فيه الحثّ على فعل الأسباب، لقوله صلى الله عليه وسلم: “احرص على ما ينفعُك”.
04: فيه النّهي عن الاعتماد على الأسباب ووُجوب الاستعانة بالله تعالى: “واستعن بالله”.
05: فيه النّهي عن الإهمال وال**ل وتعطيل الأسباب.
06-: فيه علة النّهي عن قول “لو” وهو لأنّها تفتح عمل الشّيطان، وأمّا الاستعانة بالله والحرص على ما ينفع وترك التلوُّم بقول “لو” فإنّ هذا يُغلق باب الشّيطان عن الإنسان.
07-: فيه فضل المؤمن عموماً، وأن المؤمن القوي أفضل من المؤمن الضعيف.
08-: فيه إثبات محبة الله للمؤمنين وأنها تتفاضل بحسب قوتهم وضعفهم في الإيمان وغيره.

من كتاب

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان
شارك الخبر:

شارك برأيك

‫17 تعليق

  1. يسعد صباحكم ومسائكم اخوتي واخواتي نزلت هاد الموضوع لسبب مهم جدا من وجهة نظري
    وهي الاوضاع بسوريا
    حبيت وجه رسالة الى اغلبية شعبنا بسوريا اللي اختاروا الصمت ومراقبة الاحداث ببلدنا اللي لاحظته اننا كشعب سوري فرض بضم الفاء ان نختار حلين لاثالث لهم وهذه هي الحقيقة فقط خيارين اما مع او ضد
    واغلبنا حسم موقفه وكل له اسبابه واختار احد الحلين
    مع انني لمست بداخل كل سوري رفض لكلا الحلين كلاهما امر من الثاني اذا سقط النظام بقوة المعارضة المسلحة ,,,الاسوأ من النظام راح!!!!! يضل الشعب السوري محكوم بديكتاتورية لاتختلف عن ديكتاتورية النظام واذا بقي الحال على ماهو عليه وبقي النظام ستبقى هذه الديكتاتورية ,,,,اذا المتغير الوحيد هو الاسم فقط وماراح ندخل بالتفاصيل ماهي ميزات هذه عن هذه
    راح ركز على ماذا في قرارة اغلبنا الصامت والمراقب وهو الرفض للحلين
    اذا لماذا هذا الصمت والمراقبة ولماذا قبلنا ان نختار احدهما؟؟؟ لماذا لانطالب بما نريده ؟؟؟؟لماذا لانختار الحل الذي نريده ؟؟؟؟
    صمتنا مكن النظام منا لاكثر من 46 عام وصمتنا سيمكن المعارضة الديكتاتورية منا الله اعلم الى متى سيمتد زمانها,,,
    فلنثور عليهما كلاهما ونعلن رفضنا لكلا الطرفين ولكلا الحلين ولتكن هذه هي ثورة الشعب السوري الحقيقية
    الجيش السوري الحر اختار المعارضة مثلما اختار جزء منا هذه المعارضة والجزء الآخر اختار النظام
    فكلا الطرفين طرحا هذين الحلين
    ولو ان اغلبيتنا الصامتة فرضت حلا ثالثا لاختار هذا الجيش طرف الشعب
    فلنكن اقوياء كما يحب الله ويرضى ولنرفض مافرض علينا بالقوة ولنفرض خيارنا وليكن سلاحنا هو قوة الايمان بالله
    وتعليقي طلع اطول من المشاركة
    اسفة على التطويل

    1. للاسف الموضوع عندي مش طالع بشكل جيد و كامل لكن احببت ان اعلق و اقول لكي اخيتي مراحب احيي فيك حبكي و غيرتكي و خوفكي على دينك و وطنك و انا دون ان اعرفك ادعو الله من غربتي ان يفرج همكم و يغلبكم على من عاداكم و ينصركم نصرا لا تُغلبون بعده
      اللهم صلي و سلم و بارك على سيد خلقك محمد و على آله و صحبه اجمعين

      1. اللم آميـــــــــــــــــــــــــــن
        بارك الله بك اختي هدوهودة وشكرا لمشاعرك الطيبة
        اللهم صلي وسلم وبارك على سيد خلقك محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

  2. اللهمااااااااااااااا اميييييييييييييييييييييييييييييين اختي هدهوده.من تمك لبااااب السمااااااااااااااااااااااااااا.

  3. شكرا ياكرومة الغالية الطيوبة يسلموا ايديكي ويبارك فيك ياصديقتي العزيزة الغالية

  4. السلام عليكم جميعا مراحب ما قرأت الموضوع رح أرجع بعد شوي بس حبيت سلم عليكون جميعا
    قبل لا تقولي شافت اسمنا وما عبرتنا هههههههههههههههه
    تحياتي لكم جميعا احس بوجع راس ولا استطيع التركيز اعود لاحقا

  5. يا عمري الحمد لله شفتك قبل ما اخرج لان طلعلي ضغط والله . انتي تردي الروح ربي يخليك يا حلوى واعيد واقلها يسلملي دينك يا عمري.والله يحمي الشعب السوري الغلبان……الي يطالب بحريتو.اما الشبعان والله ما عندو حتى احساس باخيه هادا ما لحظت والله.

    1. والله انك انت اللي بتردي الروح وبتفشي الخلق وانا كمان طالعة بس مريت هيك لسلم عليكم
      ورايحة اكل لاني صايمة اليوم
      الله يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال سلام ياغالياتي العزيزات الحلوات الامورات

  6. صيامك في الجنة ان شاء الله ماشاء الله عليك اختي مراحب يسلملي دينك.

  7. قوة الايمان تزيح حقا كل ماقد يجثم على قلب المرء من اعباء تثقله وتبقي دائما نظرته لكل ما يواجهه متوازنة وفي حجمها الطبيعي كما تعطيه ثقة بنفسه امام وضعه .
    شكرا مراحب على الموضوع وعلى التعليق والحقيقة انك أثرت فيه نقطة هامة جدا تتمثل في الفرق بالايمان بعدالة قضية وكيفية التمسك بها استنادا الى سند الحديث وبين الايمان بشخص قد لا يملك ذرة عدل واحدة والفرق بين الايمانين شاسع .

  8. بارك الله بك اختي لبنى وسلمت يداكي على ماخطته وتخطه من براعة بالتعبير وايصال الفكرة

  9. السلام عليكم
    لم استطع قراءة الموضوع أختي مراحب .. لان الكلمات غير ظاهرة
    لكنني فهمت ما تريدين قوله من خلال تعليقك الأول ..!!
    الوضع في سوريا لم يعد مجرد صراع بين نظام ومعارضة .. بل أصبح صراعاً إقليمياً أو قولي دولياً
    سوريا أصبحت ساحة صراع بين معسكرات مختلفة .. وبين قوى كل منها تسعى للسيطرة على النفوذ وعلى الهيمنة وعلى مصادر الطاقة وأهمها الغاز ..
    انا لا أشكك بوطنية أي طرف .. ولكنني أرى أن الأمور قد اتخذت هذا المنحى .. ومن تتحدثين عنهم في موضوعك هم الحلقة الأضعف .. لأنهم وحيدون .. ولأنهم معزولون ولأنهم مجردون من كل شيء ..!!
    ومن يمتلك المال .. والاعلام .. والسلاح .. والسلطة هم الأطراف الأخرى ..!!
    شكراً لكِ أختي على الموضوع ..

  10. كلامك صحيح اخي مأمون واللي وضعنا بهيك موقف تأخرنا باتخاذ اي خطوة وصمتنا الطويل على هذا النظام وصمتنا على مذبحة حماة وعلى كل تجاوزات النظام بحقنا وحق كرامتنا
    نحن ندفع ثمن صمتنا وسكوتنا ومايحصل لنا هو بالواقع خطأنا نحن الحلقة الاضعف رضينا بان نكون الاضعف واليوم ندفع هذا الثمن
    الله يفرجها علينا شعبا وبلدا

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *