حروب باقنعة ثورية

ثريّا عاصي 
لم اسمع عن ثورة وطنية تقتني الصواريخ وقاذفات الهاون. لم اسمع عن ثورة بلا أغان ثورية، بلا موسيقى. لم أسمع عن ثورة لا تدعو الناس الى أن يهبــّوا للمطالبة بحقهم في العمل والإنتاج والتعليم والطبابة والأمن والحرية والعدل. لم اسمع عن ثورة تعلن الحرب وتستنصر المستعمرين وأمراء الخليج، وما ادراك من هم امراء الخليج، من اجل السلطة ومن أجل الدين. هل ينفع التبشير وهل تعمـُر النفوسُ بالإيمان بواسطة السلاح؟ أي ثورة هذه التي تجيز إعدام جنود الجيش العربي السوري على حافة الرصيف؟ أي ثورة هذه التي بدل أن تـُقنع الجموع بأن تبادر إلى التعبير عن مطالبها وحاجاتها، تضع نصب عينيها هزيمة الجيش الوطني وضرب قواعده فضلا عن إحراق المرافق الإقتصادية وإدارات الدولة؟ هي بكل تأكيد ليست ثورة وطنية. وانما تصلح بأهدافها كحرب يعلنها الأعداء ضد الوطن. لم يحمل المصريون السلاح بوجه قمع أجهزة النظام الأمنية؟ التونسيون أيضا تصدوا لقمع السلطة بالحشود التي ملأت الساحات والشوارع، فكبلت آلة القتل وشلتها. الثورة هي عقل وأحاسيس وعاطفة واناس يرصفون أجسادهم ويجعلونها كالسد بوجه الطغاة. المصريون والتونسيون، مستمرون في ثورتهم، يـُغنون ويـَعزفون ويَستشهدون. لم يغيروا علم بلادهم. الثورة احتفالية. 
لا تستقيم المقارنة، بين الثورة في كل من تونس ومصر من جهة وبين الحرب التي يتعرض لها السوريون من جهة ثانية. لو تمعنت في ولاءات الثوار في سوريا، لحضرة السفير الأميركي في دمشق، غير المقيم، روبرت فورد، الذي أشرف على ولادة الإئتلاف السوري في عاصمة مشيخة قطر، ورعى تنصيب رجل دين رئيسا له، والى جانبه زميله الفرنسي، والإثنان كما هو معلوم، حجا إلى مدينه حماة، كمثل حج القرضاوي ومدام كلينتون إلى ميدان التحرير المصري. الفرق بين حماه والميدان هو كالفرق بين الثرى والثريا. وهناك أيضا الأمراء في قطر والسعودية بالإضافة إلى رئيس وزراء تركيا سلطان الباب العالي. من نافل القول أن هذه العلاقات جميعها، هي علاقات مشبوهة وسيئة، يستشف منها العدوان والخبث والخيانة. ينبني عليه أن مداورة اسباب الحرب المعلنة، منذ سنتين على سوريا، تقود إلى البحث عنها في محيط دائرة أوسع. إذ لا يعقل أن تكون الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها واتباعها، اشد حرصا على سوريا وعلى السوريين من الحكومة السورية، مهما كانت عيوبها كثيرة وأخطاؤها فادحة. السؤال، الذي يفرض نفسه منذ أن بدأت تلك الحرب، هو لماذا تدعم الولايات المتحدة الأميركية المعارضات السورية، وتصطنع منها تشكيلات تستبدلها بغيرها لتلائم كل مرحلة من المراحل المتتالية التي مرت بها الحرب حتى الآن وتجدر الملاحظة هنا بأن الموقف الأميركي هو الذي يرسم خط سير حلفائه في اوروبا وخارجها. 
ينجم عنه أن عشيرة السوء هذه لم تأت إلى سوريا من أجل مساعدة السوريين ومد يد العون لهم لكي يستدركوا المسافة التي تفصلهم عن الشعوب الغربية في مجال التنمية والتقدم والإصلاح السياسي والإداري. أن إدراج منطقة الشرق الأوسط كمنطقة تقع تحت نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، هي مسألة لا تحتاج إلى طول شرح وبيان. ولكن هل أن تتظلل سوريا بهذا النفوذ مفيد للسوريين؟ إذا كانت الإجابة بنعم، تكون انعطافة قيادة حركة حماس الأخيرة وانضمامها إلى خندق أمير قطر صحيحة وواعدة..! لكن ما يهم الولايات المتحدة الأميركية هو ما تأخذه خـّوات مما عند الشعوب من ثروات وانتاج وأرض أحيانا. وبالتالي فأن محور سياستها يتمثل في توفير الظروف التي تسهل السلب والإغتصاب والإختطاف. 
وانطلاقا من هذا، فإن وقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب الثورات، شكليا او فعليا، إنما الغاية منه هي اما إجهاضها واما حرفها أو أسرها واستخدامها. بكلام اكثر وضوحا وصراحة إن محاولة الجمع بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وبين حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها واختيار طريقة العيش التي تناسبها، هي محاولة عبثية ومنافية للعقل، أو هي عملية خداع وقحة. 
وبناء عليه ان الثورات في مصر وتونس ساعدت إلى حد كبير على تمويه وفي إخفاء حقيقة الحروب على اليمن وليبيا وسوريا، أو بالأحرى أوهمت بأن هذه الحروب هي ايضا ثورات، أو امتداد لما جرى في تونس ومصر. كانت المغامرة في تونس وفي مصر، محسوبة الخطورة، اعتمادا على أن قادة الجيش في كل من هذين البلدين مرتبطون بعلاقات وبالتزامات عميقة مع الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي فأداة السيطرة على الوضع كانت متوفرة. ومهما يكن فإن «الثورة»، سواء في تونس أو في مصر، وصلت إلى مأزق كما هومعروف. 
ليس من حاجة هنا ايضا للبرهنة على أن ما جرى في ليبيا هو حرب تدميرية تخريبية شنها الناتو بقيادة اميركية وليس بثورة. ولكن لا بد من التوقف أمام تأثير هذه الحرب خارج حدود ليبيا في سوريا وشمال مالي. 
كان أمراء قطر لاعبين بارزين، في المأساة الليبية التي برز فيها أيضا الناشط الفرنسي ذو الميول الصهيونية، برنار هـنري ليفي والسلاح ينقل من ليبيا إلى المتمردين في سوريا. بالإضافة إلى ذلك يوجد مقاتلون في سوريا، جاؤوا أو أرسلوا من ليبيا. خلاصة القول، أنه يخرج، من ليبيا الخاضعة للوصاية الأطلسية، السلاح والمقاتلون لدعم حركة التمرد في سوريا. 
ولا شك أيضا في ان ليبيا هي مصدر للسلاح وقاعدة للمقاتلين الذين سيطروا على شمال مالي. ولا جدال في أن لفرنسا وللولايات المتحدة الأميركية مصالح في مالي والنيجر ونيجريا، تتمثل بمناجم اليورانيوم والنفط. وعليه، فبالإمكان انطلاقا من شمال مالي تأجيج نار الحرب في الجزائر بغية ضرب وحدة شعبها وترابها. استقدم الفرنسيون جنودا أفارقة للقتال في مالي. هكذا كانوا يفعلون في زمان أمبراطوريتهم الإستعمارية. بالنيابة عمن يقاتل الإسلاميون في سوريا؟ أليس القصف الإسرائيلي دليلا على أن قرار الحرب على سوريا هو في الخارج، في واشنطن وتلّ أبيب؟