رسالة إلى الله

مرسلة من الفارس المصري العربي

استقيظت الأم مبكراً كعادتها .. بالرغم من ان اليوم هو يوم أجازتها ..
صغيرتها ريم كذلك اعتادت على لاستيقاظ مبكراً .. كانت الأم تجلس
في مكتبها مشغولة بكتبها واوراقها ..
سألتها صغيرتها : ماما ماذا تكتبين ..؟!
الأم : أكتب رسالة الى الله ..
الصغيرة : هل تسمحين لي بقراءتها ماما ..؟!
الأم : لا حبيبتي .. هذه رسائلي الخاصة ولا أحب أن يقرأها احد ..
خرجت ريم من مكتب أمها وهي حزينة .. لكنها اعتادت على ذلك .. فرفض
أمها لما تطلبه بعفوية كان باستمرار .. مر على الموضوع عدة اسابيع ..
ذهبت الأم الى غرفة ريم ولأول مرة ترتبك إبنتها لدخول أمها عليها .

تتساءل الأم فى قرارة نفسها :يا ترى لماذا هي مرتبكة ؟!
الأم : ريم ماذا تكتبين ..؟!
زاد ارتباك ريم .. وردت: لا شئ ماما .. إنها اوراقي الخاصة ..
وتساءلت الأم مرة أخرى : ترى ما الذي تكتبه ابنة السابعة وتخشى أن أراه ..؟!
وأحست ريم بما يدور فى ذهن والدتها ..
فقالت ببراءتها : أكتب رسائل الى الله كما تفعلين يا أمي .
وقطعت ريم كلامها فجأة وقالت:
ولكن هل يتحقق كل ما نكتبه دوماً ماما ..؟!
وردت الأم وهى تطبع قبلة على جبينها :
طبعا يا ابنتي فإن الله يعلم كل شىء ..
ولم تسمح ريم لأمها بقراءة ما كتبت ..
فخرجت من غرفتها واتجهت الى زوجها كي تقرأ له الجرائد كالعادة ..
كانت تقرأ الجريدة وذهنها شارد مع صغيرتها فلاحظ زوجها شرودها
وظن بأن معاناتها مع مرضه هو سبب حزنها .. فحاول اقناعها بأن
تجلب له ممرضة .. كي تخفف عنها هذا العبء ..
وتفاجأت الزوجة بهذا الطلب فهى لم ترد أن يفكر زوجها هكذا ..
فحضنت رأسه وقبلت جبينه الذي طالما تعب وعرق من أجلها ومن
أجل ابنتيهما الوحيدة ..
وأوضحت له سبب حزنها وشرودها ..
ذهبت ريم الى المدرسة .. وعندما عادت كان الطبيب في البيت فهرعت
لترى والدها المقعد وجلست بقربه تواسيه بمداعباتها وهمساتها الحنونة ..
ووضح الطبيب للأم سوء حالة زوجها قبل أن ينصرف ..
وتناست الأم أن ريم ما تزال طفلة .. وبخطأ غير مقصود كمن تبحث عمن
يشاركها آلامها صارحتها ان الطبيب اكد لها أن قلب والدها الكبير الذي
يحمل لها كل هذا الحب بدأ يضعف كثيراً وأنه لن يعيش لأكثر من ثلاثة أسابيع ..
انهارت ريم وظلت تبكي وتردد: لماذا يحصل كل هذا لبابا ..؟! لماذا ..؟!
وإحتضنتها الأم وهى تقول : ادعي له بالشفاء يا ريم .. يجب ان تتحلي بالشجاعة ..
ولا تنسي رحمة الله انه القادر على كل شئ.. فأنتي ابنته الكبيرة والوحيدة
أنصتت ريم الى امها ونست حزنها .. وداست على ألمها وتشجعت وق
وقالت : لن يموت أبي ..
في كل صباح تقبل ريم خد والدها الدافئ .. ولكنها اليوم عندما قبلته نظرت اليه
بحنان وتوسل وقالت : ليتك توصلني للمدرسة يوماً مثل صديقاتي يا أبي .
غمره حزن شديد فحاول إخفاءه وقال: إن شاءالله تعالى سيأتي يوم وأوصلك
فيه لمدرستك يا ريم .. وهو واثق ان إعاقته لن تكمل فرحة ابنته الصغيرة ..
أوصلت الأم ريم الى المدرسة كعادتها .. وعندما عادت الى البيت .. غمرها ف
ضول لترى الرسائل التي تكتبها ريم الى الله ..بحثت في مكتبها ولم تجد اي شئ ..
وبعد بحث طويل .. لا جدوى .. ترى اين هي ؟!! ترى هل تمزقها بعد كتابتها ..؟!
ربما يكون هنا .. لطالما احبت ريم هذا الصندوق .. طلبته من أمها مراراً ،
فأفرغت ما فيه وأهدته لها ..
وصاحت الأم : يا الهي انه يحوي رسائل كثيرة .. وكلها الى الله!
رسالة من ريم : يا رب … يا رب … يموت كـلـب جارنا سعيد .. لأنه يخيفني!!
رسالة أخرى من ريم : يا رب … قطتنا تلد قططاً كثيرة .. لتعوضها عن قططها
التي ماتت !!!
رسالة ثالثة من ريم : يا رب … ينجح ابن خالتي .. لاني أحب اللعب معه !!!
رسالة رابعة : يا رب … تكبر أزهار بيتنا بسرعة .. لأقطف كل يوم زهرة وأعطيها معلمتي!!!
والكثير من الرسائل الاخرى وكلها بريئة ..
وصعقت الأم : يا الهي كل الرسائل مستجابة .. لقد مات كلب جارنا منذ اكثر
من اسبوع .. قطتنا اصبح لديها صغارا .. ونجح أحمد ابن خالتها بتفوق ..
كبرت الازهار .. وتأخذ ريم كل يوم زهرة الى معلمتها..
يا الهي لماذا لم تدعو ريم ليشفى والدها ويرتاح من إعاقته ..؟!
شردت الأم كثيراً وهى تردد : ليتها تدعو له .. ولم يقطع هذا الشرود الا
رنين الهاتف المزعج .
ورفعت الأم السماعة ثم صاحت :
ما بها ريم ..؟! هل فعلت شئ..؟!
وأخبرتها المدرسة أن ريم وقعت من الدور الرابع وهي في طريقها الى منزل
معلمتها الغائبة لتعطيها الزهرة .. وهي تطل من الشرفة .. وقعت الزهرة ..
ووقعت ريم .. كانت الصدمة قوية جداً ولم تتحملها الأم أو زوجها ..
ومن شدة صدمة زوجها أصابه شلل في لسانه فلم يعد يستطيع الكلام ..
وكانت الأم فى صدمة عصبية قوية جداً :
لماذا ماتت ريم ..؟! انها لا تستطيع استيعاب فكرة وفاة ابنتها الحبيبة ..
كانت تخدع نفسها كل يوم بعد وفاتها بالذهاب الى مدرستها وكأنها توصلها ..
وكانت تفعل كل شئ كانت تحبه صغيرتها .. كل زاوية في البيت تذكرها بها ..
تتذكر رنين ضحكاتها التي كانت تملأ عليهم البيت بالحياة .. ومرت سنوات على
وفاتها .. وفي ..صباح يوم جمعة ، سمعت الأم صوت صادر من غرفة ريم ..
وحدثت الأم نفسها :
يا الهي هل يعقل أن ريم عادت ..؟! هذا جنون ..
لابد أنني أتخيل ، فلم تطأ قدم هذه الغرفة منذ ان ماتت ريم..
وأصر زوجها على ان تذهب وترى بسرعة ماذا هناك.. ووضعت الأم المفتاح
بالباب وانقبض قلبها ..و فتحت الباب فلم تتمالك نفسها .. وراحت فى بكاء
مرير .. ورمت نفسها على سرير ابنتها .. انه يهتز ..
وقالت الأم لنفسها : آه تذكرت .. قالت لي ريم مراراً إنه يهتز ويصدر صوتاً
عندما تتحرك .. ونسيت ان أجلب النجار كي يصلحه لها ولكن لا فائدة الآن ..
ولكن ما الذي أصدر الصوت ؟؟.. نعم انه صوت وقوع اللوحة التي زينت بآيات
الكرسي .. والتي كانت تحرص ريم على قراءتها كل يوم حتى حفظتها .. وحين
رفعتها الأم لكي تعلقها وجدت ورقة بحجم البرواز وضعت خلفه وشهقت الأم :
يا الهي انها احدى الرسائل لريم ..
يا ترى .. ما الذي كان مكتوب في هذه الرسالة بالذات ؟؟
ولماذا وضعتها ريم خلف الآية الكريمة.
إنها احدى الرسائل التي كانت تكتبها ريم الى الله
كان المكتوب بالرسالة :
يا رب … يا رب … أموت أنا ويعيش بابا