رغم انف عطوان، إستعانة الليبين بالناتو واجب

مرسلة من اخمد عطيات ابو المنذر

رغم انف عطوان، إستعانة الليبين بالناتو واجب
من قلم : مضر زهران
يمثل نموذج حكم العقيد القذافي مدرسة نادرة في الحكم وحالة دراسية للتطور الفكري لدى الدكتاتورية العربية، حيث ان القذافي تمكن لأكثر من أربعة عقود من قمع شعب ذو طبع قبلي حر يصعب إخضاعه و في نفس الوقت الذي كانت الأرض من تحت اقدام هؤلاء تنضح ذهبا أسودا وهم محرومون من ثروات بلادهم بسبب القذافي. تمكن القذافي بالارهاب الداخلي المنظم، والارهاب الخارجي الموسع وبالمشانق والسجون وحلقات التعذيب من كبح جماح الشعب الليبي واخضاعه حتى انفجرت الامور في وجه العقيد بعد ان انتقلت عدوى الثورات للشعب اللليبي، ووجد القذافي نفسه، لاول مرة، يواجه عصيانا مسلحا حقيقيا وتحديا ملموسا لسلطته المطلقة. ظهر الوجه الحقيقي للقذافي في خطاباته التي تلت اندلاع الثورة، فهو ليس متماسكا ولا عملاقا ولم يكن خارقا حد الألوهية كما يصور حكام العرب انفسهم، فالقذافي بدا مذعورا، قلقا، ومنهارا منذ الخطاب الأول، وفي ذلك الأمر عبرة هي أن الحكام العرب ليسوا بالقوة التي يصورن بها انفسهم. فرغم ان معظم المواطنين العرب يشمئزون من الدعاية المضللة التي تظهر الحاكم على انه قوي او ذكي او عبقري، إلا أنهم لا يدركون انهم شاؤوا أم أبوا، يتأثرون بتلك الدعاية الممجدة للحاكم والتي تجعلهم بعد زمن يشعرون بأن الحاكم قدر مكتوب لا يمكن تغيره وبأنه قوة لا تقهر ومصير لا فرار منه.
إن تسلسل الاحداث أثبت ان الأنظمة العربية هي اضعف بكثير مما يتخيل المواطنون العرب. فالحاكم العربي اليوم لم يعد الأهم لأمريكا، وليس من ما يدل على ذلك بأكثر من خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم 18 مايو 2011 حيث أشار صراحة إلى ان الولايات المتحدة ستدعم الشعوب وليس الأنظمة، ففي الماضي، وتحديدا في فترة الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة والغرب تعلم بأن اي فراغ في اي نظام حكم موال لها سيعني استبداله شبه الفوري بنظام حكم تابع للاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، إلا أن الأمر ما عاد كذلك في زمن القطب الأمريكي الاوحد، بل وإنقلب السحر على الساحر في قضية مكافحة الإرهاب حيث أصبحت الولايات المتحدة تعلم تمام العلم ان القضاء على الإرهاب والتطرف الديني انما يكون أشد سهولة بالتخلص من الأنظمة القمعية، أو على الاقل، أيقنت الولايات المتحدة أن بقاء الأنظمة المستبدة إنما هو المنبع الأساس للفكر المتطرف وتوجه الجيل الشاب باتجاه العمل العسكري، فإصبح تطرف الحكام هو اساس تطرف المجتمعات.
إلا أن شأن الثورة على العقيد القذافي هو في الحقيقية أشد تعقيدا وغرابة من اي شأن أخر، فالقذافي يجلس على بحر من النفط في دولة لا يتجاوز تعداد سكانها بوافديها بضعة ملايين، مما يؤهل كل من هو على ارضها ان يعيش ثراء مفرطا، ورغم ذلك ضمن القذافي أن يعيش هؤلاء بالحد الادنى. هذا الرجل إستلم حكم البلاد منذ ما يزيد عن أربعين عاما حتى بات يتصرف على أنه كالقدر المكتوب، وهو بعكس ما يتخيل الكثيرون، ذكي جدا ومتقن لفنون الشعوذة السياسية، هذه الفنون هي ما جعلته ينجو بفعلته في أكثر من عمل إرهابي ليس أقلها إسقاط طائرة لوكربي عام 1989 فوق إسكتلندا، وليس أكثرها فظاعة قتله لما يزيد عن 1000 سجين في مجزرة سجن بو سليم عام 1996. فالرجل دموي، شرس لا يوقفه حد،فهو لم يتردد في السعي وراء معارضته الداخلية بقتلها وتشريدها وتقطيع أوصالها،كما أنه لم يرف له جفن وهو يقوم بحركات بهلاونية على اراضي دول كبرى كبريطانيا وألمانيا وغيرهما.فالرجل جريء جدا وذو عزم –بلا ريب- ويتمتع بالعقل الإجرامي الذي يميز الأذكياء من نوعه.
القذافي كذلك، يتقن البروباغاندا بشكل ذكي جدا، بل أنه يشكل مدرسة قائمة بذاتها في الإعلام المضلل الموجه إلى فئة مجدودة من شعبه، فقد وصل به الأمر حد خلق كتاب ومنهج جديد، على طريقة ماو تسي تونغ في الصين الشيوعية. فهو وان لم يعلن ذلك، يلعب دور نبي ومفكر وصاحب عقيدة، وهذا هو اساس ما كان يقود فكر الرجل، وإن كان فكره لم ينطل على الشعب اللييي عموما، إلا أن ما يعني القذافي هو الاقلية التي تتبعه من المستفيدين، هذه الأقلية المنتقاة للحكم هي نموذج حكم دارج في كثير من الدول العربية، حيث يتم خلق عصبية وهمية لاقلية معينة وربطها بالحاكم ومن ثم يتم اقحام تلك الاقلية في المؤسسات الأمنية والجيش كي تسيطر على الأغلبية. ففي نظام القذافي توجد اقلية من المقربين– وتحديدا من ذوي الأصول القبلية البدوية — هم من يسطيرون على الجيش والقوات المسلحة التابعة للقذافي، وحتى هؤلاء يوجد منهم فئة منتقاة كنخبة النخبة، ومن تلك ايضا توجد فئة أشد انتقاء، لهؤلاء يصور القذافي نفسه على أنه هو ايضا بدوي، وقد عرف عن مواليه هتافهم الشهير” عاهدناك بحسن النية، معمر يا ولد البدوية”. ما يعرف اليوم بكتائب القذافي وقواته الخاصة، وصل الأمر بهم حد تقديس شخص القذافي وعبادته بحيث أصبح وثنا تقدم له الطقوس، واصبح من يعاديه ملحدا بالذات القذافية يستحق الموت واكثر، نرى هذا النموذج في دول أخرى عديدة منها الحزب الوطني المصري الحاكم سابقا–والذي اسقط بقوة المصرين– حيث كان الرئيس المخلوع مبارك رمزا لكل ما هو مقدس عند إعضاء الحزب، وشكل افراد الحزب جماعة تكاد تكون كالجماعات الدينية إلا أن ما يجمعها هو عقيدة المصلحة، وكذلك هو الأمر في الاردن حيث يعتمد نظام الحكم على الأقلية البدوية من جنوب ووسط البلاد الذين هم أقلية مقارنة مع الاغلبية الفلسطينية، مما يجعل ارتباط مصالح هؤلاء بالنظام يدفعهم للدفاع عنه دفاعهم عن مقدساتهم، إلا أن النظام الأردني وغيرهم ليسوا بغنى موارد وخبرة نظام القذافي، وبالتالي، كان القذافي الاشد قوة في إدامة هذه المنظومة القائمة على حكم وولاء الأقلية والتي لا زالت متماسكة حتى الآن والنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ترى، إن كان القذافي لم تحمه امواله، وقربه المدعم بالمال من قادة الغرب، وكتائبهم الموالية له حد العبادة والتسبيح باسمه، ان كان هذا مآل القذافي، فكيف سيكون الامر لبقية الحكام العرب الأشد ضعفا وفقرا؟ لعل مثل هذا السؤال هو ما يفكر به كل مواطن عربي اليوم قبل أن يخلد إلى نومه، والأنظمة تعلم ذلك، ولذلك باتت مرعوبة جدا من ما حدث في ليبيا، ولكن ما افزعها حقا هو إستعانة ثوار ليبيا بقوات الغرب، وتحديدا حلف الناتو، لحمايتهم من قوات القذافي على الأقل في تحييد سلاح جوه الذي أخذ بضرب المدن والأماكن المدنية البحتة.
إن نموذج ثوار ليبيا في إستعانتهم بالناتو يكسر حاجزا ما كان يتمنى الحكام العرب قط أن ينكسر، وهو أن تقوم شعوبهم بسبقهم بخطوة إلى الأمام في التخلص منهم بواسطة السعي إلى الغرب والقوى الخارجية لأجل المساعدة. هذه الفكرة هي الأشد رعبا والميزان الاقوى في كفة الشعوب منذ بدأت الشعوب العربية تنتفض على بطش حكامها منذ منتصف القرن الماضي. فلأول مرة يدرك النظام العربي كاملا أن ما بين ان يرى طائرات الناتو تدك قصره وبين إن يبقى في السلطة هو خطوة واحدة وهي أن يقوم بقمع شعبه وقتله، مما يعني التحييد الكامل للقوة العسكرية القمعية المتوفرة لدى الدولة العربية ما لم يقرر الحاكم أن يحرق نفسه ومن معه، كما هو الحال في تعاطي النظام السوري مع المتظاهرين، فالنظام السوري لن يرضى بالمنفى كما رضي بن علي، وسيمعن قمعا في شعبه حتى ينتصر او يفنى، وكذلك هو الحال للقذافي.
بهذا الشأن يكون ثوار ليبيا قد فتحوا أفقا لكافة الثورات العربية قد يرقى في أهميته وحجمه إلى ما فتحه التونسيون من باب للثورات وما سطره المصريون بإسقاط هرم من اهرام الدكتاتورية العربية، فالتونسيون أحيوا روح الثورة لدى العرب، والمصريون وضحوا لهم ان لا يوجد نظام هو بأكبر من أن يسقط، والليبيون اروهم ان الغرب مستعد أن يرضخ بقوته العسكرية لرغبات الشعوب إن هي أرادت. لذلك كانت الشراسة الإعلامية العربية الرسمية وغير الرسمية في التعاطي مع ثوار ليبيا، فهم بما فعلوا بذروا بذرة النهاية الجماعية للنظام الرسمي العربي.
تفنن الإعلام العربي الرسمي في تشوبه ثوار ليبيا وإظهارهم على انهم سحابة صيف سيتم فضها، ولكن المفزع حقا كان انبراء بعض المثقفين العرب لمعارضة تدخل الناتو، فظهر الصحفي الفلسطيني المخضرم، عبدالباري عطوان، على قناة الحوار واصفا تدخل الناتو لضرب قوات القذافي بالغباء ناعتا الغرب ب”هذا الغرب الغبي”، بل وقال أن القاعدة موجودة في ليبيا، وهو قول متوافق تماما مع ما قاله القذافي لمراسلة السي ان ان الشهيرة، كريستيان أمانبور، بأن كافة الثوار هم من القاعدة، بل وظهر عبدالباري عطوان على قناة أجنبية يؤكد أن تنظيم القاعدة موجود في شرق ليبيا. الغريب في موقف السيد عطوان أن العالم يعرف بأن ليبيا لم تشهد قط نشاطا للقاعدة، كما أن عطوان نفسه يدرك مدى وحشية القذافي حيث ظهر عطوان نفسه على أحد القنوات قبل أن تتدخل قوات الناتو مؤكدا على ضرورة إنقاذ الشعب الليبي. وإن كان من حق عطوان أن يكون لديه رأيه الخاص إلا أن خصوصية عبدالباري عطوان بالذات تجعل الضررالواقع على صورة ثوار ليبيا كبيرا. فعبد الباري عطوان اسس اسما إعلاميا لامعا بكونه المدافع عن حقوق المظلومين من العرب، وخاصة الفلسطينيين، وبصراحته المعهودة وقدرته على محاكاة لسان وقلب المواطن العربي البسيط في كل مكان، مما وهب الرجل إحتراما ومصداقية لدى القاريء والمشاهد العربي، فاصبح عبدالباري عطوان ضيفا شبه دائم على القنوات الفضائية العربي كالجزيرة وغيرها، مما يجعل موقفه محيرا جدا وغير خادم لصورة الثورة الليبية، كذلك فإن تنظيم القاعدة الذي يقول عبدالباري عطوان للعالم بانه قد يكون موجودا في ليبيا، هو نفس التنظيم الذي يصف عطوان قائده الذي قتل مؤخرا “بالشيخ إسامة بن لادن”.
إن ما انجزه ثوار ليبيا للأمة العربية هو فتح باب التعاون مع الجهات الدولية قانونيا لأجل تحقيق حرية الشعب، فالثوار الليبيون تعاملوا مع الأطراف الخارجية بطريقة منهجية لافتة وغير مسبوقة في الثورات العربية قديمها وحديثها، فهم إستعانوا قانونيا بالغرب والعالم في تأسيس هويتهم كثولر وكمجلس إنتقالي يمثل الليبين ومن ثم توصلوا إلى الدعم العسكري الذي لم ينتهك سيادتهم ولم يقدح في ثورتهم، فلا زال العمل على الارض والقتال هو شأن ليبي بحت دون تدخل قوات اجنبية، ومن يقدم الدماء يوميا هم الليبيون، أما تدخل طيران الناتو فهو أمر لا يعيب الثورة التي لا تستطيع ان تواجه طائرات القذافي بصدرو الثوار العارية. كذلك، فإن التقارير الدولية الواردة من ليبيا –والتي نشرت صحيفة التليغراف البريطانية العريقة احدها– اشارت إلى أن سلاح الإغتصاب الذي إستخدمه القذافي لا زال هو من اهم واشد الاسلحة فتكا، بل وقالت الصحيفة أن مجرمي القذافي يستخدمون الفاياغرا كي يتمكنوا من إتمام عمليات إغتصابهم الموسعة، وهذا الإدعاء قد لا يكون خيالا، حيث رأى وسمع العالم صرخات الليبية إيمان العبيدي، التي أغتصبت اغتصابا جماعيا، لا بذنب، سوى كونها من بنغازي الثائرة على نظام القذافي، ففي هذه الحالة كان واجبا على الثوار شرعا ودينا وقانونا وعرفا وشهامة أن يتبعوا كافة الوسائل الممكنة لأجل ان يدفعوا الاذى عن أنفسهم واطفالهم واعراضهم.
إن ملحمة الثورة الليبية ستسط في التاريخ كواحدة من أشد الثورات تنظيما وتنسيقا قانونيا، مما يشكل حالة سبق قانوني تتيح لكافة شعوب العالم ان تسعى قانونيا للتحرر بمساعدة العالم.
ثوار ليبيا شرفاء مارسوا واجبهم الشرعي والأخلاقي في حماية أنفسهم واهليهم ووطنهم، رغم أنف عطوان وغيره.