هـذه الصحـابيـة .. جــبل الـصــبر ..وقـلعة التـّصبـّـر
هي عمة النبي صلى الله عليه وسلم
هي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها
فما قصتها ؟
روى الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : المرأة المرأة .
قال الزبير رضي الله عنه : فتوسّمت أنها أمي صفية .
قال : فخرجت أسعى إليها فادركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى .
قال : فَـلَدَمَتْ في صدري ! وكانت امرأة جلدة !
قالت : إليك لا أرض لك !
قال فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك
قال : فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما
قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة
قال : فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له
فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب . فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفّنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له .
القصه الثانيه فى الصبر
هذه أم حارثة
وهي الرُّبيِّع بنت النضر أخت أنس بن مالك رضي الله عنها وعن أخيها
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر
فقالت :
يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ – وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب – فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
قال : يا أم حارثة إنـها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفـردوس الأعلى . رواه البخاري .
حارثة كان بارّاً بأمه
فما بلغ من برِّه بها ؟
قالوا : كان يُطعمها بيده
وأين أوصله برّه ؟
أوصله إلى الفردوس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا أنا أدور في الجنة سمعت صوت قارئ فقلت من هذا ؟
فقالوا : حارثة بن النعمان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلكم البر . كذلكم البر .
قال : وكان أبرَّ الناس بأمِّه . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وهو كما قال .
هذه أم حارثة
فقدت فلذة كبدها
وابنها البارّ
ومع ذلك تسأل بكل هدوء :
فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
ياله من أدب مع مقام النبوة
ويالها من امرأة صابرة محتسبة
احتسبت مقتله في سبيل الله
أما القتل فقد قُـتِل
غير أن ما أهمها هو مصير ابنها ومآله بعد مقتله
فإن كان في الجنة فسوف تصبر وتتصبّر
وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء لا جزعا على فقده
ولكن جزعا على مآله ومصيره .
اللهم ارض عنها وأرضها .
القصة الثالثة :
قلعة شامخة من قــلاع الصـبر
ومدرسة من مدارس تعليم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومربية من الدرجة الأولى لتعليم الناس قدر مقام النبوة
روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد ، فلما نُعوا لها
قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالوا : خيرا يا أم فلان . هو بحمد الله كما تحبين .
قالت : أرنيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت :
كل مصيبة بعدك جلل . تريد صغيرة .
المهم أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
ولسان حالها : نفسي لنفسك الفداء
أكلّ هذا الحب ؟
أكل هذا الحب كانت تُكنّه تلك الصدور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بل وأعظم
مَنْ يقول : إن المرأة لا صبر لها ؟
أمّن يقول : إن الجزع فيهن هو الأصل ؟
أمّن يقول : إن المصائب تَذهب بالعقول ؟
والله إن الرجل ليستصغر نفسه أمام هذه المرأة التي ما ذُكِـر اسمها
ويتقالّ الصابر صبره مع صبرها
ويتحطّم كل تصنّع مع تلك السجيّـة
إن تلك المرأة لم تفقد عمّها
ولم تُفجع بوليدها
ولكن قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
أما لو قٌتِل واحد منهم لكفى به مصيبة
فكيف بهم جميعا في موضع واحد
ومع ذلك لم يكن السؤال سوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذا فعل ؟
أين من جزعت ؟
أين من تسخطت ؟
أين من ولولت ؟
أين من بكت وشقّت جيبها ؟
أين الثكالى ؟
أين … واين ؟؟؟
لا أين ولا من أين !
أين من فقدت وليدها … ولديها ثلاثة أو أربعة ؟؟؟
فبكت حتى احمرت أحداقها
أين من ناحت على فقد أبيها … ولديها زوج وأولاد وإخوان ؟؟؟
أين من تشق جيباً ( لا ذنب له ) لفقد عزيز ؟؟؟أما لهن في هذه وغيرها من قلاع الصبر أسـوة حسنة ؟؟؟
اما السيد فضل الله رحمة الله عليه فقد اشتبه الامر عليه في مسألة وجود بيت الاحزان من عدمه والا هو يعود ويذكر ان الزهراء بكت ابيها وكانت تأن في خطبها يجهش معها اهل المجلس بالبكاء الا انها كانت في قمة توازنها وذلك حق نوافقه .
كما عرفت، فإن القرآن الكريم ليس به مترادفات ناهيك عن أن يضع كلمة ويقصد بها أخرى، إنه رب البشر، فالجب غير البئر، والمطر غير الغيث، وحينما يقول مرة (عاما) ومرة (سنة) ومرة (حولا) فإن هناك فرق بينها ولا مجال لشرحها هنا.
لذلك فإنه حينما يذكر الحزن وأنه هو ما أدى للعمى، فإنه يقصده بعينه ولا يمكن أن يقصد البكاء، وعلميا نعرف أن الحزن الكثير يؤدي إلى ارتفاع السكري ويصيب العين بالبياض والعمى، وقد كان يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)
في حين أن البكاء مفيد ولايضر لذا قال تعالى (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) .
أما لماذا فعل يعقوب عليه السلام ذلك؟ فهي دروس وعبر يستشفها المفسرون من كل قصة، منها ماذكر في التفاسير القديمة ومنها ما استنبط حديثا، وما زالت دروس أخرى ستستنبط لاحقا، فهي ليست موضع اختلافنا.
ولكني مازلت أصر على أن الصبر الجميل هو الذي لاجزع فيه ولا شكوى كما قال الكثير من العلماء فكيف يكون معه عويل ولطم وشق جيوب!!!
وأما كظيم فيكفي أن أنقل لك الآتي:
” فهو كظيم ” أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه ; ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه ; فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه ; قال الله تعالى : ” إذ نادى وهو مكظوم ” [ القلم : 48 ] أي مملوء كربا .
ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم ; وهو المشتمل على حزنه .
وعن ابن عباس : كظيم مغموم ; قال الشاعر : فإن أك كاظما لمصاب شاس فإني اليوم منطلق لساني وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال : ذهبت عيناه من الحزن ” فهو كظيم ” قال : فهو مكروب .
وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله : ” فهو كظيم ” قال : فهو كمد ; يقول : يعلم أن يوسف حي , وأنه لا يدري أين هو ; فهو كمد من ذلك .
قال الجوهري : الكمد الحزن المكتوم ; تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد .
النحاس .
يقال فلان كظيم وكاظم ; أي حزين لا يشكو حزنه ; قال الشاعر : فحضضت قومي واحتسبت قتالهم والقوم من خوف المنايا كظم
تفسير القرطبي
———
نصيحتك مقبولة، ولست ممن يترفع عن النصح رغم أنها ملغمة